اهتمت وسائل الإعلام في الشهر الماضي بحديث الرئيس أوباما حول المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية ودعوته لاتباع نهج الحدود والأمن أولا, وتوضيحه وجهة النظر الرسمية للولايات المتحدة بأن الحل الإقليمي ينبغي أن يتمثل بالعودة إلي خطوط عام 1967, مع تعديلات تتعلق بمقايضة أراضي يتفق عليها تبادليا. إن أولئك الذين يؤكدون بأن ليس هناك شيء جديد في تصريحات الرئيس الأمريكي لا يعطونه حقه; فمهما يظنه المرء حول الفائدة أو الحكمة في نهجه, فبالتأكيد إن الرئيس الأمريكي قد راهن علي أرضية جديدة باقتراحه هذه المبادئ.
ولكن لم يتضمن الخطاب أي آلية من أجل تنفيذ هذه المبادئ – أي عدم وجود مبادرة دبلوماسية جديدة, وعدم تعيين مبعوث جديد للسلام, وعدم الدعوة إلي قمة سلام, وعدم إجراء مفاوضات السلام, وحتي عدم قيام وزيرة الخارجية الأمريكية بجولة في المنطقة. كما لم يكن هناك أي نقاش لشرح الاتصال الأساسي بين الحاجة الملحة التي أعلن عنها لصنع السلام والحاجة الملحة الواضحة لاثنين من المخاوف الإقليمية الأخري, ألا وهي: التغيير السياسي البركاني في الدول العربية ومخططات الهيمنة الإيرانية التي تهدد المنطقة. ويبدو أن الرئيس أوباما أراد من اقتراحه سياسات دون وضع استراتيجية لتنفيذها.
وليس من المستغرب إذا أن يبدأ آخرون بملء الفراغ – وهو تطور غير مرحب به دائما تقريبا. لقد كان هذا هو الحال مع مبادرة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لعقد مؤتمر للسلام في باريس, الذي أثار حفيظة واشنطن إلي درجة أن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون صرفت النظر عنه بحضور وزير الخارجية الفرنسية. وهذا هو الحال أيضا مع ما فعله اثنان من الدبلوماسيين الآخرين الذين بدأوا فجأة بمبادرة هذا الاسبوع بسبب عدم قدرة الولايات المتحدة علي القيام بذلك.
ومن المرجح أن يؤخذ بصورة جدية – أكثر مما يستحق – أول مجهود من هذا النوع, ألا وهو التبجح المخطئ من قبل السفير السعودي السابق لدي واشنطن الأمير تركي الفيصل. ففي محاولة محزنة ومثيرة للشفقة لتخويف واشنطن حول الاختيار بين شراكاتها مع إسرائيل أو مع المملكة العربية السعودية, هدد الأمير بوقوع كارثة دبلوماسية إذا استمر الرئيس أوباما بتعهده في معارضة الخطوة الفلسطينية المتعلقة بنهاية جولة المفاوضات من خلال قيامهم باتخاذ قرار في الأمم المتحدة بشأن إقامة دولة فلسطينية في الخريف المقبل. فبعد أن أشار في افتتاحية نشرت في صحيفة ##واشنطن بوست## إلي بأن القادة السعوديين قد ##أخذوا بجدية## دعوة الرئيس الأمريكي ##لتبني الديموقراطية## — بغض النظر عما يعني ذلك في واحدة من أقل دول العالم ديمقراطية — تنبأ الأمير تركي ما يلي: ##ستكون هناك عواقب وخيمة علي العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية إذا استعملت الولايات المتحدة حق النقض (##الفيتو##) ضد اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطينية. إن ذلك سيمثل أدني مستوي وصلت إليه العلاقات بين البلدين خلال عقود طويلة, كما سيشكل ضررا يتعذر إصلاحه علي عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وعلي سمعة الولايات المتحدة بين الدول العربية. ومن شأن ذلك أن يوسع الرقعة الأيديولوجية القائمة بين العالم الإسلامي والغرب بشكل عام, ومن الممكن أن يؤدي إلي اختفاء الفرص المتاحة لعلاقات الصداقة والتعاون بين البلدين##.
وبطبيعة الحال, تشير الأحداث الأخيرة إلي العكس من ذلك تماما. فمن خلال الاختبار الذي جري العام الماضي حول الأزمة الدبلوماسية المتوقعة في الخريف المقبل, لم يكن هناك رد فعل واضح من الرياض بعد قيام إدارة أوباما باستعمال حق النقض ضد قرار مجلس الأمن الذي يدين النشاط الاستيطاني الإسرائيلي. وخلال الأسبوع الماضي بالذات, بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي معارضته الواضحة للاستراتيجية التي يتبعها الفلسطينيون وهي الذهاب إلي الأمم المتحدة, وضع القادة السعوديون أولوياتهم الاستراتيجية علي الشاشة بمخالفتهم قرار ##منظمة الدول المصدرة للنفط## (##أوبك##) المعادي للغرب ووافقوا بطريقة مفيدة علي زيادة إنتاج النفط المحلي, وبالتالي إلحاق الضرر بالثروة المتواصلة التي تكسبها إيران من خلال الارتفاع الأخير في أسعار النفط.
مما لا شك فيه, أن العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية هي في حالة توتر — بيد, يعود سبب ذلك بصورة أقل بكثير إلي غضب الرياض من انحياز أوباما المزعوم المؤيد لإسرائيل وبصورة أكثر إلي الغضب الذي يراه السعوديون في نهج واشنطن غير السليم تجاه التغيير السياسي في الدول العربية, إلي جانب رغبتهم القائمة منذ فترة طويلة بـ ##نزول إله أمريكي إلي المنصة## لكي يحل مشكلتهم الإيرانية (علي سبيل المثال, ##قطع رأس الأفعي##). ولكننا كنا قد شهدنا هذه المسرحية من قبل. ففي الوقت الذي لا تزال فيه البحرين في وضع غير مؤكد, واليمن آخذة في الانهيار, وإيران تظهر مدي نفوذها من خلال دعمها قيام حكومة جديدة في لبنان تكون صديقة لـ حزب الله, فإن الفكرة القائلة بأن الرياض سترمي فجأة ما تبقي من علاقتها الاستراتيجية مع واشنطن – القائمة منذ سبعين عاما بسبب ##فيتو## ثاني استعملته الولايات المتحدة ضد فكرة سيئة في الأمم المتحدة – هي محض هراء.
وتأتي الجهود الدبلوماسية الثانية لملء الفراغ الاستراتيجي للولايات المتحدة من قبل الاتحاد الأوربي. ووفقا لصحيفة ##هآريتس##, فقد أبلغ بأن الممثلة العليا للسياسة الخارجية للاتحاد الأوربي السيدة كاثرين أشتون كانت قد اقترحت بأن يقوم الشركاء في ##اللجنة الرباعية الدولية حول الشرق الأوسط## (الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي وروسيا والأمم المتحدة) بالعمل معا لنزع فتيل خطة الفلسطينيين حول الذهاب إلي الأمم المتحدة عبر مبادرة لتحديد ##إطار مرجعي## للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية. وسوف يستند هذا الإطار علي مبادئ عملية السلام التي عبر عنها الرئيس أوباما, وربما تضاف إليها بعض المقترحات الأوربية الإضافية حول القدس واللاجئين, التي من المؤكد أنها ستثير غضب إسرائيل حتي أكثر مما فعله خطاب الرئيس الأمريكي.
وفي جوهرها, تسعي مبادرة أشتون – إذا تم الإبلاغ عنها بصورة دقيقة – إلي تركيز الاهتمام علي الهدف الجدير بالثناء حول إحياء المفاوضات, ولكن بواسطة الأسلوب المشتبه به والمتمثل باختيار النقاط التي يفضلها الأوربيون في مبادئ أوباما (التركيز الموالي لرؤية الفلسطينيين حول خطوط عام 1967 بصيغتها المعدلة), في حين رفض ما لا يروق لهم (الالتزام الموالي لرؤية إسرائيل حول رفض المبادرة الفلسطينية في الأمم المتحدة دون تحفظ). وفي هذا الصدد, فإن اقتراحها مزعجا لواشنطن أكثر من تهديدات الأمير تركي الفارغة – ليس لأنه يتمتع بفرصة الموافقة عليه في القدس أو في واشنطن, ولكن لأنه يشير إلي فشل جهود أوباما للحصول علي التأييد الأوربي غير المبهم لموقفه ضد مبادرة فلسطينية من جانب واحد للتحايل علي حل دبلوماسي لنزاع الفلسطينيين مع إسرائيل.
وفي النهاية, ليس من المرجح أن يكون تهديد تركي الفيصل ولا اقتراح اشتون ناجحا. كما أن السعوديين ليسوا علي وشك التصرف وحدهم في مواجهتهم الإقليمية مع إيران, والأوربيين ليسوا علي وشك أن يحلوا محل أمريكا كوسيط للسلام لا غني عنه. ومع ذلك, فإن مثل هذه الخداع سيستهلك الوقت والطاقة من كبار المسئولين الأمريكيين التي كان يمكن استخدامها علي نحو أفضل للنهوض ,بمبادرة] هي ما تزال غير قائمة من جانب واشنطن, علي الرغم من جميع الخطب في الأسابيع الأخيرة – أي وضع استراتيجية واضحة وشاملة ومتكاملة تتبعها الولايات المتحدة للترويج للأمن والسلام, والتغيير الديموقراطي في الشرق الأوسط.
نشرة معهد واشنطن