مرة أخري في تاريخ أمتنا, يهب الأمريكيون لمواجهة _وصوغ- لحظات التحول. وهذه لا بد أن تكون واحدة من تلك اللحظات. إننا نعيش في وقت من التغيير الشامل. وقد عجل نجاح الأمم الحرة, والأسواق المفتوحة, والتقدم الاجتماعي خلال العقود الأخيرة في ظهور العولمة بصورة لم يسبق لها نظير. وفتح ذلك الباب أمام الفرص في جميع أرجاء العالم, ووسع انتشار الديموقراطية إلي مئات الملايين من الأشخاص, وجعل السلام ممكنا بين القوي الكبري. لكن العولمة كثفت أيضا الأخطار التي نواجهها _ من الإرهاب العالمي وانتشار التقنيات الفتاكة, إلي الاضطرابات الاقتصادية وتغير المناخ.
ولمدة تقارب العقد, تخوض بلادنا حربا مع شبكة مترامية الأطراف من العنف والكراهية. وحتي ونحن ننهي حربا في العراق, فإن جيشنا قد دعي إلي تجديد التركيز علي أفغانستان كجزء من التزامنا وتعهدنا بتعويق وتفكيك ودحر القاعدة والجماعات المرتبطة بها. وهذا جزء من جهد واسع النطاق تشارك فيه عدة دول وهو جهد عادل وصائب, وسوف نظل علي التزامنا دون تردد بأمن شعبنا وحلفائنا وشركائنا. وعلاوة علي ذلك, فإننا ونحن نواجه تهديدات متعددة _ من دول, وكيانات أخري ليست دولا, ودول فاشلة _ سنحافظ علي تفوقنا العسكري الذي أمن بلادنا, والذي عزز الأمن العالمي لمدة عقود.
ورغم ذلك فإننا ونحن نخوض الحروب التي تواجهنا يجب علينا أن نري الأفق الكامن وراءها _ العالم الذي تكون فيه أمريكا أكثر قوة, وأكثر أمنا, وقادرة علي التغلب علي التحديات, وتكون في الوقت نفسه جذابة بالنسبة لطموحات الشعوب في العالم كله. ولكي نحقق ذلك يجب علينا أن نتبع استراتيجية من التجدد القومي والقيادة في العالم- استراتيجية تعيد بناء الأساس لقوة ونفوذ أمريكا.
واستراتيجيتنا تبدأ بإدراك أن قوتنا ونفوذنا في الخارج يبدآن بالخطوات التي نتخذها في وطننا. يجب أن ننمي اقتصادنا وأن نخفض عجزنا. يجب أن نعلم أبناءنا التنافس في عالم تكون فيه المعرفة هي رأس المال, وتكون السوق عالمية. يجب أن نطور الطاقة النظيفة التي يمكن أن تمد الصناعة الجديدة بالطاقة, وتحلنا من الارتباط بالبترول الخارجي وتصون كوكبنا. ينبغي علينا أن نطلب العلم والأبحاث التي تمكن من الاكتشافات وتطلق العنان لعجائب غير متوقعة الآن مثلما كان سطح القمر والشريحة الإكترونية المتناهية الصغر يبدوان لنا قبل قرن مضي. وببساطة نقول, إننا يجب أن ننظر إلي الابتكارات الأمريكية كأساس لقوة أمريكا.
ويجب أيضا أن نبني ونجمع القدرات التي يمكن أن تعزز مصالحنا والمصالح المشتركة مع الدول والشعوب الأخري. وقواتنا المسلحة ستظل دائما حجر الزاوية في أمننا, ولكن يجب أيضا أن يكون هناك ما يكملها. إن أمننا يعتمد أيضا علي الدبلوماسيين الذين يستطيعون العمل في كل ركن من أركان العالم, من العواصم العظيمة إلي الأماكن البعيدة الخطرة, ويعتمد علي خبراء التنمية الذين يستطيعون تعزيز الحكم الرشيد ومناصرة الكرامة الإنسانية; وعلي استخبارات وآلية لتطبيق القانون تستطيع كشف المؤامرات وتعزيز النظام القضائي والعمل بسلاسة مع الدول الأخري.
إن أعباء قرن جديد لا يمكن أن تقع كلها علي كاهل الشعب الأمريكي وحده_والواقع أن خصومنا يودون أن يروا أمريكا تستنزف قواها بنشر قوتنا إلي أبعد مما يجب. في الماضي, كان لدينا بعد النظر لكي نتصرف بحصافة ونتفادي التصرف منفردين. كنا جزءا من أقوي تحالف في زمن الحرب في تاريخ الإنسانية طيلة الحرب العالمية الثانية, وقد جمعنا سوية أسرة من الأمم والمؤسسات الحرة لتحمل حرب باردة. ونحن متنبهون للتحدي الماثل في حشد العمل الجماعي وعيوب نظامنا الدولي. غير أن أمريكا لم تفلح عن طريق تجاوزها تيارات التعاون الدولي. لقد أفلحنا بتوجيه هذه التيارات في اتجاه الحرية والعدالة_حتي يتسني للدول أن تزدهر بالوفاء بمسئولياتها ومواجهة العواقب إذا لم تفعل ذلك.
ومن أجل فعل ذلك, سنواظب علي تعزيز هذه التحالفات العريقة التي أبلت بلاء حسنا لمصلحتنا جميعا, ولكن مع تحديث هذه التحالفات لمواجهة تحديات قرن جديد. وفيما يمتد النفوذ إلي المزيد من الدول والعواصم, سنبني شراكات جديدة أعمق في كل منطقة ونقوي المعايير والمؤسسات الدولية. هذا الانخراط ليس غاية في حد ذاته. فالنظام الدولي الذي نسعي إليه هو النظام القادر علي التصدي لتحديات عصرنا_مجابهة التطرف والتمرد العنيفين, وقف انتشار الأسلحة النووية, تأمين المواد النووية, التصدي لتغير المناخ, مواصلة التنمية العالمية, مساعدة الشعوب علي إطعام نفسها والعناية بمرضاها, وأخيرا تسوية النزاعات ومنع ظهورها, فضلا عن تضميد جراحها أيضا.
وفي كل ما نفعل, سننادي وندفع بعجلة الحقوق الأساسية التي تأسست عليها بلادنا, والتي اعتنقتها الشعوب من كل عرق ومن كل منطقة. إننا نروج لهذه القيم بأن نعيشها, بما في ذلك التزامنا بحكم القانون. سوف نعزز المعايير الدولية ونصون هذه الحقوق وننشئ الحيز والدعم لمن يقاومون القمع. والتزامنا بكرامة الإنسان يتضمن دعم التنمية; ولهذا السبب نحن نكافح الفقر والفساد. ونحن نرفض فكرة أن ديمومة الأمن والرخاء تتحقق بالتخلي عن الحقوق العالمية_فالديموقراطية لا تمثل أنبل ما فينا فحسب بل تقف أيضا سدا في وجه العدوان والظلم, ومساندتنا للحقوق العالمية جوهرية للقيادة الأمريكية ومصدر لقوتنا في أرجاء العالم.
وكدولة تتألف من أناس من كل عرق ودين وثقافة ومنطقة, ستواظب أمريكا علي دفع عجلة السلام بين شتي الأمم فيما تظل علي إيمانها بأنه لا داع لأن تكون الديموقراطية والتمكين الفردي علي حساب الهويات التي يعتز بها بنو البشر. والواقع أنه ما من دولة مهيأة للزعامة في عصر العولمة أكثر من أمريكا- الدولة التي أوجدت العولمة والتي صممت مؤسساتها لتهيئة الفرد للنجاح في عالم يسوده التنافس, والأمة التي يضرب شعبها بجذوره عميقا في كل بلد علي وجه الأرض.
إنني كمواطن وعضو [سابق] في مجلس الشيوخ ورئيس أؤمن علي الدوام بأن أعظم ذخر لأمريكا هو شعبها-وينبع إيماني هذا من مشاعر الرهبة والذهول التي هزتني عندما شاهدت كطفل كبسولة فضائية يتم انتشالها من مياه المحيط الهادي, ومن القوة التي أستمدها من عمال يعيدون بناء حياتهم في ولاية إلينوي ومن الاحترام الذي أكنه لجيل الأمريكيين الذين يخدمون وطننا اليوم. ولهذا السبب أعتقد أيضا أن علينا أن نشجع قيام روابط أعمق بين الشعب الأمريكي وشعوب أخري في سائر أنحاء العالم.
وأمننا علي المدي الطويل لن يتأتي من قدرتنا علي زرع الخوف في قلوب الآخرين, بل من خلال قدرتنا علي أن نخاطب آمالهم. ولعل الطريقة الأفضل لعمل ذلك هي عبر قوة شرف واستقامة الشعب الأمريكي _ شرف واستقامة قواتنا المسلحة ودبلوماسيينا, وكذلك شرف واستقامة قطاعنا الخاص, منظماتنا غير الحكومية, ومواطنينا العاديين. إن لكل منا دورا يلعبه في هذا.
ومنذ ولادة وجودنا وأمريكا تؤمن بالمستقبل _ إيمان بأن ما سنصل إليه هو أفضل من حيث كنا, حتي عندما يكون الطريق أمامنا غير مؤكد. ولتحقيق هذا الوعد, فإن أجيالا من الأمريكيين بنت علي الأساس الذي وضعه أجدادنا — إيجاد الفرص, ومحاربة الظلم, وإقامة اتحاد أكثر كمالا. وقد أقمنا أيضا شبكات من التجارة, ودعمنا هيكلية دولية من القوانين والمؤسسات, وسالت دماء أمريكية في أراض أجنبية _ لا لبناء إمبراطورية, بل لصوغ عالم يمكن فيه لمزيد من الأفراد والدول تقرير أمنهم, والعيش بسلام وكرامة هم جديرون بهما.
في عام 2010, تجد أمريكا نفسها وقد زادت صلابتها بفضل الحروب, وتجد إلهامها في رجال ونساء القوات المسلحة الذين يخوضون هذه الحروب. إننا نعاني الآن من أزمة اقتصادية مدمرة, ونحن مصممون علي أن تكون تركتها أساسا جديدا للازدهار; ونحن ملتزمون بعقيدة كانت نبراسنا في الوطن, ومنارة يهتدي بها العالم كله. إن عظمة أمريكا ليست أمرا أكيدا ومسلما به _ فدور كل جيل منا في التاريخ هو بمثابة سؤال لا جواب له. ولكن, وحتي فيما تختبرنا التحديات الجديدة, فإن السؤال الخاص بمستقبلنا ليس سؤالا يجيب عنه الآخرون باسمنا, بل هو سؤال سنجيب عنه نحن بأنفسنا. وفي قرن جديد لم يتم تحديد طبيعة مساره بعد, فإن أميركا جاهزة لتولي زمام القيادة من جديد.