المفهوم الخاص للخدمة:
في المجال الكنسي عندما نقول خادم أو خادمة,عادة ينصرف تفكير الإنسان بأن الخدمة العمل التعليمي في الكنيسة سواء كان للكبار أو للصغار,ومفهوم الخدام هنا هو المعني المحدود في خدمة التعليم المناسب للكبار وللصغار أيضا.
المفهوم العام للخدمة:
أما الخدمة في مفهومها المسيحي العام,هي كل نوع من الخير يسديه الإنسان إلي شخص يكون في حاجة إليه,فليس مفهوم الخدمة هو أن يلقي الإنسان درسا علي أطفال أو علي كبار فقط.
ولكن هناك معني أعم للخدمة يظهر في الخدمات العملية,فإذا كان الواحد يمشي في الطريق ورأي رجلا أعمي,فكونه يقود الأعمي حتي لو لم يطلب منه,هذه خدمة,أو كونه يريح إنسانا ملهوفا,أو يتقدم لخدمة إنسان عجوز أو امرأة عجوز,ويعبر به أو يعبر بها الطريق فهذه خدمة. أو كونه يجد إنسانا مريضا ويكون في إمكانه أن يسعفه,وإن لم يكن في إمكانه أن يسعفه فكونه يستدعي له الطبيب,أو يجري ليحضر له دواء,هذه خدمة,لو وجدت إنسانا مسكينا محتاجا إلي القوت الضروري أو إلي ملابس,لوأعطيته شيئا يقتات به فأنقذت حياته بدلا من أن يموت من الجوع,هذه خدمة,كل إنسان يقوم بخدمة في دائرة عمله أو تخصصه سواء كان طبيبا أو محاميا أو قاضيا أو مهندسا أو محاسبا أو رجل أعمال,حتي عامل النظافة في الشارع يعد خادما,لأنه فعلا يقوم بخدمة الآخرين,وهذا الفعل به خير والناس يحتاجون لهذا الخير,فهنا الإنسان يؤدي خدمة لأسرته بالمعني الضيق,وللأسرة البشرية بمعناها الواسع,كل حسب إمكانياته العقلية أو الذهنية أو الروحية أو اليدوية أو العملية,كل هذه خدمات.
لذلك يجب أن نحس باحترام لجميع الخدمات الإنسانية الموجودة في الأسرة البشرية,ونحس بأن الإنسانية في حاجة إلي هذا النوع من الخدمات,وإلي أن يتحول كل إنسان إلي خادم لله وخادم لكل الناس. خادم لله إذا أداها بروح الخدمة من أجل الخير للبشر,مع نية تنطوي علي روح طيبة لإسداء الخير لجميع الناس,وتخفيف بلواهم وشقائهم,بأن يحمل متاعبهم ويساعدهم في حملها وتخفيفها عنهم قدر إمكانه.
أي نوع من هذه الخدمات حتي ولو كانت خدمة صامتة تدخل في نطاق الخدمة,فيكون الإنسان يسدي خيرا لإنسان هو في حاجة إليه هذه هي الخدمة. لذلك نقول:
أولا: يجب ألا نحتقر الخدمات الأخري التي يؤديها آخرون من غير خدمة التعليم.
وثانيا: يجب ألا تقتصر خدمتنا علي مجرد درس نلقيه.
والذي أعطانا هذا المفهوم هو سيدنا له المجد,عندما نتأمل خدمات المسيح له المجد,نجد أنه لم يكن فقط يعلم الجماهير ويشبعها من تعاليمه,ولكن أيضا كان ينظر إلي احتياجاتها,فيشفي المرضي,ويقيم الموتي,ويطهر البرص,ويجيب كل إنسان احتياجاته,وهذه هي الصورة التي نجدها في الأناجيل باستمرار. فإن كنا نحن مسيحيين لابد أن نفهم أن مهمتنا في الكنيسة أهم من أن يلقي الإنسان درسا. فلابد أن نضيف إلي إلقاء الدرس الخدمات العملية.
فإذا دخل الإنسان منزلا لكي يفتقد طفلا أو طفلة,فإذا كان بإمكانه أن يؤدي خدمة تكون هذه الأسرة في حاجة إليها هذا داخل مفهوم الخدمة,وفي نطاق الخدمة,فلا يكون دائما مفهوم الخدمة في نظرنا هي عملية تعليم للصغار أو الكبار,إنما الإنسان يكون عنده أريحية واستعداد لأن يؤدي ويشترك في خدمات كثيرة أخري,ولذلك حاليا في فروع مدارس التربية الكنسية عندما يتعمد الأطفال الصغار الفقراء,نجد البنات تصنعن ملابس للأطفال الصغار,وأيضا نجد في مناسبات الأعياد,الخدام والخادمات يطبخون في بعض الفروع بعض المأكولات وتوزع هذه المأكولات,من اللحوم والخضار والفاكهة إلي البيوت الفقيرة,ويشترك الخدام والخادمات في هذه الخدمة وهكذا.
بلا شك أن هذا مجال متسع جدا أن يشغل الإنسان الطاقات الموهوبة له من الله في هذه الخدمات,ولا تكون المسألة قاصرة علي درس يلقيه,فمثلا نجد البنات تقمن بعمل لفائف للكنيسة وللمذبح وبعض الستائر,والأولاد يعملون صورا وإيقونات,ومن هنا جاءت فكرة المعارض التي تقدمها فصول مدارس التربية الكنسية,في مناسبة عيد من الأعياد أو في الإجازة الصيفية أو في أي مناسبة أخري,هذا النشاط الذي يتقدم به الأولاد والبنات والخدام والخادمات لإسداء خدمات معينة,وأيضا حصيلة هذه الخدمات العملية تستغل في نشاط في قري,أو في الإنفاق علي بعض المحتاجين,هذا هو المفهوم العام للخدمة,فالخدمة ليست هي فقط خدمة التعليم للصغار أو للكبار,وبإضافة الخدمات الأخري العملية,من جهة نجد بعض الخدام والخادمات ليس لهم موهبة الشرح والدرس والتعليم,لكن نجد أن لهم مواهب أخري ممكن أن تستغلها,فلا نحتقر أمثال هذه الخدمات,لأن الكنيسة في حاجة إليها وهي تكمل خدمة التعليم,ومن الجهة الأخري إن المسيح له المجد أعطانا ككنيسة أن لا نعلم الناس فقط,بل ننظر إلي احتياجات الناس الأخري المادية والجسدية أو ما إلي ذلك…ولهذا السبب قال المسيح لتلاميذه ##اشفوا مرضي##,لذلك دخل سر مسحة المرضي من ضمن الأسرار الكنسية,الذي فيه الكنيسة تهتم بالمرضي المصابين بالأمراض الجسدية المتسببة عن علل نفسية وروحية,إنما الأمراض الجسدية البحتة أو العضوية البحتة التي تدخل في اختصاص الطبيب.
السيد المسيح لم يكن يعلم الجماهير فقط,إنما كان ينظر إلي احتياجات الإنسان كله باعتباره روحا وجسدا,فنحن ككنيسة لابد أن نقوم بهذا العمل,ولابد أن نوزع علي الجميع الاختصاصات,لأنه ليس كل واحد يقدر أن يقوم بكل شئ,فإنسان يقدر أن يقوم بشئ والآخر يكمل هذا الشئ.
الطبيب عندما يزور مريض ويفحصه ويشخص المرض ويصف الدواء,وعن هذا الطريق يشفي المريض وتتحسن حالته,أكيد أن هذه خدمة,وهكذا قل عن الصيدلي والمعلم والتاجر والمحاسب ورجل الأعمال,أعمال مختلفة وأنواع متعددة من الخدمات يمكن أن يسديها الإنسان إلي الآخر,وهذا معني خادم وخدام,وهذا تعبير يجب ألا نخجل منه,لأن هذا الشخص الذي يؤدي خدمة لآخر هذا شرف له,هي كلمة كريمة ومحترمة ويجب أن نحيطها بما يليق بها من التقدير,لأن الإنسان بهذه الخدمة يخرج عن أنانيته ويخرج عن الإثرة إلي الإيثار,يبذل الجهد العصبي والجهد الجسماني والجهد المادي أو المالي,أي نوع من البذل يحقق خيرا ,نفعا إلي إنسان آخر في حاجة ماسة إلي هذه الخدمة.
عظمة هذه الخدمة لا تقاس بالكم بل بحاجة الشخص المخدوم إليها,وأيضا بمقدار الجهد الذي بذله الخادم,كلما كان الجهد أكثر وكلما كانت الحاجة أكثر تكون الخدمة أعظم. وأيضا كلما كانت الوسيلة والكيفية التي تؤدي بها هذه الخدمة,فروح الخادم وأسلوبه هو يخدم غيره. هنا يظهر باطن هذا الخادم,ولذلك السيد المسيح مدح المرأة التي أعطت فلسين,فمن جهة الكم كانت أقل من أعطي,لكن السيد المسيح مدحها وقال إنها دفعت أكثر من الأغنياء.نسبة ما أعطت مما تملك,وكما قال المسيح أنها أعطت كل معيشتها وكل ما عندها,هذا إلي جانب ما انطوت عليه نفسيتها من روح إيمانية غير عادية ومحبتها الشديدة لعمل الخير,وللكنيسة والهيكل وحب الناس الآخرين,الذي دفعها أن تفضلهم علي نفسها.
ولذلك هناك خدام لا يجيدون الكلام,وليس لديهم القدرة علي أن يعلموا الآخرين,ومع ذلك يعتبرون أمام الله خداما من أعلي طراز,لا يتكلمون وإنما يبذلون خدمات عملية قيمتها أمام الله عظيمة جدا.
نقول هذا لا تحقيرا لخدمة الكلمة أو خدمة التعليم,إنما حتي يتواضع الذين يعتبرون أنفسهم خداما ولا ينتفخوا,ويحترموا الخدمات العملية الصامتة الأخري ويشعروا أن هذه الخدمات تبني الكنيسة. وهناك خدمات أخري خفيفة غير الخدمات العملية مثل خدمة الصلاة التي يسديها إنسان إليك وأنت لا تعلم,سواء كانوا من الذين علي الأرض أو الذين انتقلوا إلي العالم الآخر,نحن نؤمن أن للصلاة فاعلية وأن للصلاة أثرا كبيرا في مقاومة الشر وفي هزيمة الشيطان ومساعدة الإنسان.
وأيضا موجود في الكنيسة خدمة الموائد,التي تسمي الآن الخدمة الاجتماعية,والآباء الرسل وجدوا أن هذه الخدمة ستعطلهم عن التبشير,فأقاموا الشمامسة لتقوم بهذه الخدمة وهي خدمة التوزيع علي الفقراء والمحتاجين,وتوجد أيضا خدمة الملاجئ ودور الإيواء وخدمة المسنين والعجزة والمستشفيات والأرامل والأيتام وخدمة اللقطاء,كذلك حل مشاكل الناس المادية والمعنوية والاجتماعية,كل هذه الخدمات وغيرها الكنيسة مكلفة بالقيام بها,هذاإلي جانب خدمة احتياجات الكنيسة من مبان وتأثيث وقرابين وشمع وبخور. وأيضا من خدمات الكنيسة المدارس والتعليم,والأقباط أول من اهتم بالتعليم في مصر,فهم أول من بنوا المدارس في مصر. وأول من أقام مدرسة للبنات هو البابا كيرلس الرابع,فخدمة العقل أيضا من ضمن اهتمامات الكنيسة,وقبل المدارس اهتمت الكنيسة بإنشاء الكتاتيب الملحقة بالكنائس,وكان يدرس فيها المعلم أو العريف,ويسمي الآن المرتل,وكل هذه الأعمال لها جزاؤها الذي لا يقل عن خدمة الوعظ والتعليم الديني.
كل هذه الخدمات ومنها جميعها تكون الخدمة المتكاملة,الكنيسة فعلا أعضاء في جسد واحد,العين لها عمل,والأذن لها عمل,والرجل لها عمل,والظفر له عمل,والشعر له عمل,كل شئ في جسم الإنسان له عمل. كما قال بولس الرسول ##بل بالأولي أعضاء الجسد التي تظهر أضعف هي ضرورية,وأعضاء الجسد التي نحسب أنها بلا كرامة نعطيها كرامة أفضل,والأعضاء القبيحة فينا لها جمال أفضل…## (1.كو 12: 22- 31). وجميع من يخدمون ينالون من الله أجرا,جزاء كل فعل أو خدمة أدوها بنية صالحة,من أجل الله ومن أجل الخير لأخيه الإنسان.
(من موسوعة الخدمة والخدام)