يعد المعهد العالي للدراسات القبطية بمثابة هيئة علمية فنية تأسست لمواصلة الكشف عن التراث القبطي من لغة وأدب وفن وعمارة وموسيقي ولاهوت وتاريخ, وذلك بعد جهود من الكنائس الكبري بأوربا وأمريكا التي أدركت أهمية الدراسات القبطية, وظهرت آثار جهودها في ذلك الميدان البحثي منذ أوائل القرن العشرين من خلال دراسة تاريخ الكنيسة القبطية الرسولية الأرثوذكسية التي حافظت علي التراث الرسولي بكل أمانة ودقة علي الرغم مما عانته من ضعف ووهن في بعض الفترات التي مرت بها في تاريخها الطويل.
نجحت تلك الجامعات بأوربا في إدخال دراسة الرهبنة القبطية وأنظمتها في باريس وبروكسل, كما درس الأدب القبطي في الفاتيكان, والتاريخ والبرديات القبطية بمتشيجان والطقوس بفلادلفيا,وفي حين نجحت أوربا في هذا لم يوجد معهد واحد بمصر يجمع تلك الدراسات بمختلف عناصرها من لغة وأدب وفن وتاريخ, علي غرار المعاهد الجامعية التي أنشئت مثل معهد الآثار المصرية بجامعة القاهرة ومعهد الدراسات الإسلامية, الأمر الذي تألم من أجله النشطاء الأقباط الغيورون علي تراثهم مثل الدكتور عزيز سوريال عطية رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية الذي حمل علي عاتقه إنشاء معهد للدراسات القبطية, فبعث إلي كامل يوسف صالح وكيل المجلس الملي آنذاك مذكرة بشأن إنشاء معهد الدراسات القبطية تضمنت الأهداف والخطة المستقبلية والحاجة الماسة من الشعب القبطي إلي وجود مثل ذلك المعهد.
لقيت الفكرة رواجا بين صفوف الأقباط حتي لقيت مطالبهم استجابة وأنشئ المعهد في الحادي والعشرين من يناير عام 1954 بقرار من المجلس الملي للأقباط الأرثوذكس برئاسة كامل يوسف, كما اعتمدت وزارة التربية والتعليم إنشاء المعهد مؤكدة أن فكرة إنشائه تقوم علي خدمة التاريخ الوطني في العصر المسيحي من أجل سد النقص الموجود في هذا النوع من الدراسات وتوجيه البحوث علي أساس قوي سليم, كما قوبل المعهد بترحيب شديد من قبل الجهات الإعلامية والأكاديمية فقام المعهد عام 1954 بإهداء الجمعية القبطية بشيكاغو مجموعة من الكتب العلمية من أجل تدعيم المكتبات القبطية العالمية, كما رحب عدد كبير من العلماء الأجانب بقبول زمالة المعهد في بداية افتتاحه مثل الدكتور كوبلاند الأستاذ الفخري بجامعة ليفربول ودكتور باول كان الأستاذ بأكسفورد وغيرهما.
سعي المعهد إلي الحفاظ علي التراث القبطي والكشف عن المناطق الأثرية القبطية, وتسجيل أصول الألحان القبطية ونشرها, ودراسة الفن القبطي بفروعه والعمل علي تطبيقه علي ضوء الدراسات الأثرية والتاريخية في بناء الكنائس, وتسجيل ودراسة محتويات الأديرة والكنائس من آثار ومخطوطات وتحف, وتنظيم الرحلات العلمية للأديرة والكنائس الأثرية وأماكن الحفائر القبطية, ودراسة المجتمع القبطي وتاريخ الكنيسة القبطية عير التاريخ.
أقسام المعهد
ولتحقيق تلك الأهداف التي يصبو لها المعهد أنشئت عدة أقسام كالتالي:
* قسم لدراسة اللغة القبطية بلهجاتها المختلفة وآدابها علي مر العصور.
* قسم لدراسة اللغة المصرية القديمة بخطوطها المختلفة والبرديات وفن الحفريات والتاريخ المصري القديم.
* قسم لدراسة التاريخ القبطي ومراقبة كل ما يكتب عنه وإبداء الرأي فيه.
* قسم الموسيقي القبطية والألحان ويهدف إلي تسجيل الألحان والقداسات والمردات علي شرائط وأسطوانات لحفظ التراث الفني.
* قسم دراسة الفنون القبطية وتخليصها من المؤثرات الأجنبية, وعمل الملابس الكهنوتية والستائر واللفائف وكل ما يتصل بالفن القبطي, وقد أقام القسم معرضه الأول فسيفساء فرسك – نحت – نسيج – عمارة في 1958, ومعرضا آخر خلال افتتاح الكاتدرائية وذكري مرور 19 قرنا علي استشهاد القديس مرقس.
* قسم المجتمع القبطي ويشمل دراسة خصائص المجتمع القبطي وعاداته وتقاليده وعمل إحصائيات للكنائس والجمعيات القبطية والمترددين عليهما من كهنة وعلمانيين.
* قسم القانون الكنسي والقبطي ويشمل دراسة القانون الكنسي والنصوص القانونية المسيحية وإعادة ترجمتها ترجمة حديثة عن أصولها القبطية واليونانية, وساهم عدد من العلماء الأجانب في ترجمة بعض النصوص, وتم منحهم زمالة المعهد ووافق مجلس التعليم الديني الأعلي علي إصدارها في 28 سبتمبر 1966 ومن العلماء الذين تقرر منحهم الزمالة البروفيسور مارتن بلوملي من جامعة كامبريدج والدكتور جان سيمون بجامعة الفاتيكان وغيرهما.
* قسم التصوير والميكروفيلم ويشمل دراسة فن التصوير وإمكانية توظيفه لتصوير التراث والمستندات القديمة.
* قسم الدراسات الإثيوبية ويدرس الأثر المتبادل بين الكنيسة القبطية والإثيوبية وعلي غراره قسم الدراسات الأفريقية والسامية.
* قسم الدراسات اللاهوتية الذي يعد امتدادا لدراسات الكلية الإكليريكية غير أنه ينفرد بدراسة الكتب اللاهوتية والعلوم المتصلة بها دراسة عملية فلسفية تشرح أصول التعاليم القبطية من خلال أقوال الآباء وكتاباتهم وأنظمتهم في التفكير المسيحي في العالم.
وينفرد المعهد بكونه المركز التعليمي العالي الذي يمنح درجات الدكتوراه في الفلسفة واللاهوت والأستاذية في الآداب.
* مكتبة المعهد:
قام مجموعة من كبار العلماء الأقباط بإنشاء مكتبة ملحقة بالمعهد, فتبرعوا بعدد من الكتب النادرة التي كانت في حوذتهم, مثل كامل ميخائيل عبدالسيد الذي تبرع بخمسمائة كتاب من مكتبته الخاصة, وقبيل وفاته سلم للمعهد كل مكتبته الزاخرة بالكتب النادرة التي بلغت نحو أربعة آلاف كتاب, ولهذا أقام المعهد حفلة تأبين له لإسهاماته في الحفاظ علي الأعمال التراثية, كما أهدت أسرة حبيب المصري مكتبته القيمة للمعهد واحتفظ المعهد كذلك بمكتبة ميخائيل صليب ومكتبة كامل صالح نخلة ومكتبة ويصا واصف وجورجي صبحي وجرجس متي, فاتسعت المكتبة وتضمنت آلاف المجلدات العلمية والكتب النادرة, وقام واصف غالي وجليلة صبري ونجيب إسكندر بتدعيم المكتبة ماليا لتأسيسها.
وما إن بزغ المعهد للنور بأهدافه السامية ومكتبته القيمة بفضل جهود الرعيل الأول من أبنائه, حتي أصدر الأنبا يوساب الثاني منشورا بابويا في 7 يونية 1954 للآباء المطارنة والأساقفة والكهنة وأراخنة الشعب لتدعيم المعهد وإعادة أمجاد كنيسة الإسكندرية خلال القرون الأولي.
ففي الوقت الي نشطت فيه الدعوة للإصلاح بين صفوف الشعب القبطي جاء معهد الدراسات القبطية ليكون بمثابة الحلم الذي طالما بحث عنه كثيرون لاستعادة أمجاد مدرسة الإسكندرية القديمة, التي وضع فيها آباء الكنيسة المصرية الأسس الفلسفية واللاهوتية لدراسة الديانة المسيحية وتعاليمها مثل أوريجانوس وإكليمنضس وأثناسيوس وغيرهم كثيرين.. الذين لاتزال كتبهم وعظاتهم نبراسا يهتدي به الباحثون والأقباط.
مريم مسعد
المراجع:
1- كتاب المعهد العالي للدراسات القبطية
إصدار بطريركية الأقباط الأرثوذكس 1986
2- المذكرة التي رفعها الدكتور عزيز سوريال إلي الأستاذ كامل يوسف صالح بشأن إنشاء المعهد