بقلم:روبرت جيه صامويلسون
أول يوم عمالي أقيم في مدينة نيويورك عام 1882 لم يكن يحتفي بكرامة العمل بقدر ما كان تظاهرة لتأييد قانون العمل لثماني ساعات يوميا, بعدما كانت ساعات العمل تتراوح بين 10 و12 ساعة. ومقارنة بحالهم آنذاك, أحرز العمال الأمريكيون تقدما كبيرا. لقد جعل الكونجرس من يوم العمال عيدا وطنيا عام 1894, وعلي مر السنين, تحول إلي يوم عطلة بدلا من أن يكون لحظة تأمل في حال سوق العمل بشكل عام, خارج إطار النقابات. لكن الوضع مختلف هذه السنة.
فقد كان أتعس عيد للعمال منذ ثمانينات القرن الماضي علي الأقل (عندما وصلت نسبة البطالة إلي 10.1 بالمائة في سبتمبر عام 1982). ومع بلوغ معدل البطالة نسبة 9.7 بالمائة في أغسطس وفيما تسود التوقعات بأن يرتفع أكثر, تندر الأخبار المبهجة. لقد قام معهد السياسات الاقتصادية, وهو مؤسسة استشارية ليبرالية, برسم لوحة إحصائية عن سوق العمل حاليا. فيما يلي بعض النقاط المحبطة التي تضمنها:
ازداد الخوف من خسارة الوظائف إلي حد كبير أيضا بحسب استطلاعات الرأي التي جمعتها كارلين باومان من معهد أمريكان إنتربرايز المحافظ. وأظهر استطلاع للرأي أجرته شركة ##جالوب## في شهر أغسطس أن 31 بالمائة من العمال قلقون من أن يتم تسريحهم من وظائفهم, في حين أن هذه النسبة كانت 15 بالمائة في العام السابق, ويعتقد 32 بالمائة أن أجورهم قد تخفض مقارنة بـ 16 بالمائة في العام الماضي ويخشي 46 بالمائة أن يتم تقليص المكاسب التي يحصلون عليها في حين أن هذه النسبة كانت تبلغ 27 بالمائة في العام الماضي.
المسألة الأخطر لا تكمن في سوق العمالة الحالية بل في النظرة المستقبلية إلي هذه السوق. بعد ركود عامي 1981ـ1982, انخفض معدل البطالة بشكل مطرد, من 9.7 بالمائة عام 1982 إلي 7.5 بالمائة عام 1984 وصولا إلي 5.5 بالمائة عام .1988 من المتوقع أن يكون الانخفاض هذه المرة أبطأ بكثير. وسيبقي معدل البطالة نحو 7.6 بالمائة عام 2014 بحسب مؤسسة ##أي إتش إس جلوبال إنسايت##, التي تتوقع أن تصل البطالة إلي ذروتها مع بلوغها نسبة 10 بالمائة في أوائل العام المقبل. الحد من البطالة يتطلب توسعا اقتصاديا سريعا بما يكفي لاستيعاب العاطلين عن العمل الحاليين والنمو الطبيعي للقوة العاملة. ويتوقع معظم المحللين انتعاشا خجولا لن يكون له تأثير كبير في البطالة, علي الرغم من تباطؤ نمو القوة العاملة.
يقول عالم الاقتصاد نايجل جولت من أي إيتش إس: ##السبب الأساسي لركود عام 1982 كان الرغبة في الحد من التضخم. حالما أصبح بنك الاحتياطي الفيدرالي مقتنعا بأنه وضع حدا للتضخم, خفض معدلات الفائدة وبدأ النمو الاقتصادي يكتسب زخما##. القطاعات التي تتأثر بمعدلات الفائدة ــ قطاع السيارات والعقارات السكنية كانت المحرك الأهم وراء النهوض. مقارنة بذلك, فإن ركود اليوم سببه الأزمة المالية, كما يقول جولت. لقد خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة التي سترتفع علي الأرجح. فيما تسدد العائلات المفرطة الديون قروضها, سيبقي إنفاقها متواضعا. والنهوض الضعيف سيؤخر استحداث وظائف جديدة.
حتي الآن, لم يتم التعمق في دراسة تبعات بقاء معدل البطالة عاليا لفترة طويلة , إن حصل ذلك, فالناس العاطلون عن العمل لا يكتسبون مهارات, وخريجو الجامعات الشبان يواجهون منذ الآن صعوبات في الحصول علي وظائف. معدل البطالة المرتفع قد يقوض ارتفاع الأجور طوال سنين. وقد يؤدي أيضا إلي اعتماد سياسات حمائية ويزيد من الفقر علي المدي الطويل. يقول لاري كاتز عالم الاقتصاد من جامعة هارفارد: ##في اقتصاد مثل الذي كان قائما في أواخر تسعينات القرن الماضي, كانت الشركات أكثر استعدادا للمخاطرة في توظيف عمال من بين السكان المحرومين##. ويعتقد لورنس ميشيل من معهد السياسات الاقتصادية أن التأثيرات علي العائلات المتدنية الدخل ستكون كارثية هذه المرة, وسترتفع نسبة الأطفال الذين يعيشون في الفقر من 18 بالمائة عام 2007 إلي 27 بالمائة.
طبعا, التوقعات الاقتصادية الكئيبة حاليا قد تكون خاطئة مثلما كانت التوقعات التفاؤلية خاطئة قبل الأزمة المالية. وقد بدأ بعض علماء الاقتصاد يتقبلون وجهة النظر هذه. يقول ديفيد هنسلي من بنك جي بي مورجان تشيس: ##لقد أفرط المصنعون العالميون في تخفيض إنتاجيتهم. وظن الناس أننا قد نكون متجهين نحو ركود جديد##. يقول إنه هنا وفي الخارج, بدأت الشركات برفع إنتاجيتها من جديد. ردة فعل الشركات التجارية كانت مفرطة وستعود لتوظف, وهذا سيؤدي إلي تحفيز الإنفاق الاستهلاكي##. أحد الدلائل المشجعة هو أن عروض الوظائف المدرجة علي شبكة الإنترنت ارتفعت في أغسطس بنسبة 5 بالمائة بحسب منظمة ##كونفرانس بورد##.
طالما كان استحداث الوظائف موطن قوة للاقتصاد الأمريكي تاريخيا. وقدرته علي الاستمرار في ذلك ستصبح موضع تركيز متزايد في الجدالات الاقتصادية القائمة بين الذين يريدون أن تتدخل الحكومة بدرجة أكبر والذين يريدونها أن تتدخل بدرجة أقل, وبين الذين يخافون من العجز في الميزانية والذين يؤيدون اعتماد برامج تحفيزية اقتصادية إضافية, وبين الذين يعتبرون الزيادات الضئيلة في الأجور عائقا أمام النهوض الاقتصادي والذين يعتبرونها أمرا يشجع التوظيف. يوم عيد العمال عام 2009, يطرح علامة الاستفهام الأكبر حول الوظائف المستقبلية في الاقتصاد الأمريكي.
صامويلسون هو مؤلف كتاب بعنوان The Great Inflation and Its Aftermath (التضخم الكبير وتبعاته).
نيوزويك