في مشاركة روحيةمن أقباط لوس أنجلوس احتفلت إيبارشية الأقباط الأرثوذكس بذكري شهداء الأقباط في القرن الواحد والعشرين تحت رعاية نيافة الأنبا سرابيون في 72 فبراير 1102. حضر ما يقرب من ألفي شخص, منهم مسئولون في مواقع رسمية بالولاية وبعض رؤساء كنائس شقيقة وهيئات مسيحية.
وضح للجميع منذ بداية الحفل روح الشباب بالإيبارشية حيث استضافت قناة لوجوس القبطية العديد منهم لإبداء رأيهم في أحداث مصر الأخيرة. وقام بتقديم الحفل بكل براعة أحد الشباب وهو دكتور بشوي سعيد. وقد قامت صحبة جليلة من الشخصيات البارزة بإلقاء كلماتهم المشجعة والمستنيرة التي تركزت علي قضية مسيحيي مصر والأحداث الأخيرة.
بدأ المحافظ مايكل أنتونوفيتش بلوس انجلوس بالدعم والتأييد للقضية المسيحية بمصر, وأبدي في كلماته بالإعجاب بشعب مصر إذ أن لا أحد كان بإمكانه أن يتنبأ بأحداث مصر الحالية.
بعدها قدم نائب رئيس أدارة الشرطة بلوس انجلوس ميك داونينج كلمة أشار فيها لدور مصر الرائد علي مدي التاريخ في العديد من المجالات… وأن شعب مصر اليوم هو شعب يرنو لمستقبل من المساواة بين كافة أقطابه وأشار أيضا إلي أن الولايات المتحدة هي وطن ثان للمواطنين الأمريكيين المصريين وأن في هذا البلد الجميع في حماية القانون, وشجب مبدأ التفرقة بجميع أنواعها وأكد أن بدء استنارة الشعوب والجماعات هو السلام والعدالة والحق.
بعد هذه الكلمات المشجعة, بدأ آباء الكنيسة ومجموعة من الخدام الشباب بإضاءة الشموع وتلاوة أسماء إخوتنا الشهداء منذ أحداث سنة 9991 بالكشح حتي أحداث ثورة 52 يناير 1102 كرمز بسيط لذكرنا لهؤلاء, من قدموا حياتهم لبناء مستقبل أفضل لجميعنا.
ثم أتت كلمة حملت في طياتها رسالة تفاؤل ودعوة للتفكر ألقاها شريف الشرطة بلوس انجلوس, ليروي باكا, حيث بدأ باحتياجنا للحوار والوحدة وأن ندرك أن طبيعة كل إنسان منا لا تنقسم عن الخالق. فطبيعتنا كبشر علي اختلاف عقائدنا وأفكارنا لها مشترك أعظم هو الصورة الإلهية. والتعايش السلمي لمعتنقي كافة الأديان يقود الي إحساس أقوي بالأنسجام بين مختلف هذه العقائد. أدان باكا أي جماعة انتهجت فكر القتل مهما كان المبرر. فحتي في غياب نموذج الأمن يجب أن توقظنا ضمائرنا إلي غرض إنسانيتنا الداعي إلي الحب والسلام والعدالة, وطالب بضرورة وجود إرادة تتصف بالأنسانية لإيجاد ديموقراطية لكل مصري ومناقشة الجهات الإيجابية والسلبية لشكل الديموقراطية التي يود الشعب تطبيقها وكفالة المشاركة بالحوار لجميع فئات الشعب.
أنهي مستر باكا حديثه بقوله: المشاعر الإنسانية إن لم توجد مع الإرادة والعلم- ففي غياب محبة الإنسان لأخيه الإنسان – أي مجتمع أو ديموقراطية نتوقع !!
بعد هذه الكلمات وقف الجمع بالحفل تصفيقا وكأن المتحدث فصل ما يجول بقلوب وعقول الحضور. وكأننا لم نكتف بما تقدم جاءت جميع فقرات الحفل التالية تشعل إلهام الحاضرين.
عرض فيلما بعد تسجيلا لدكتور مايكل كينامون السكرتير العام لمجلس الكنائس الوطني في أمريكا جاء فيه تأييد لأقباط مصر, وذكر أنه داوم علي ارسال خطابات توعية فيما يتعلق بأحداث مصر الي رؤساء بمراكز رسمية وقيادات دينية مسلمة, ثم شارك برسالة مطمئنة من رسائل بولس الرسول عن مبدأ المشاركة والجسد الواحد في المسيح.
ألقي العديد من الكلمات فيما بعد مؤكدة الرسالة المسبقة لكل من د. دك هام المدير التنفيذي لهيئة تعاون الكنائس المسيحية بالولايات المتحدة, والأسقف بنيامين بالكنيسة الأرثوذكسية بأمريكا بأبراشية سان فرانسيسكو والغرب, والشماس إيريك ستولز بإيبارشية الروم الكاثوليك بلوس انجلوس.
وقدمت احدي الخادمات من الشباب سوزانا خليل كلمة جاء فيها انه مع كل البركات التي احاطنا بها الله في حياتنا في أمريكا تأتي مسئولية أن نكون صوتا لإخوتنا بمصر لنرفع ظروفهم واحتياجاتهم الي رؤساء شعبنا المنتخبين.
ثم كلمة أخري ألقتها الخادمة ألكسندرا جورجي من الشباب أبرز ما جاء فيها إن نوع الدين لا يجب أن يصبح مقياس جدارة وأن مصرنا الجديدة يجب أن تتصف بفصل الدين عن الدولة.
ثم ألقي نيافة الأنبا سرابيون كلمة رائعة شاملة بدأ فيها بالتعبير عن امتنانه للحاضرين ولرسائل التأييد والتضامن التي قدموها وذكر أنه سينقل هذه الكلمات والأمنيات لقداسة البابا شنودة الثالث. وأضاف بقوله: أنفسنا ببناء مصر الجديدة سويا. عبر خمس نقاط هي:
أولا: تكريم الشهداء: إن الكنيسة القبطية كنيسة شهداء منذ تأسيسها. ونحن اليوم إذ نكرم بالأخص شهداءنا الأقباط في القرن الواحد والعشرين, نعلم أن استشهادهم هذا هو مصدر قوة وصلابة للكنيسة. ونحن اليوم نكرم أيضا شهداء الحرية وحماية الوطن الذين وقفوا إلي جانب الحق في الثورة في ميدان التحرير. فمسيحيو مصر طالما شاركوا في الدفاع عن قضايا وطنية.
ثانيا: تأييد ثورة 52 يناير: ما حدث في 52 يناير أصبح علامة أمل وجلب إلينا حلما جميلا, حلما نري فيه ثورة بدأها الشباب أشاد بها الرئيس أوباما عندما تحدث عن أهل مصر كمصدر إلهام للعالم بأكمله. ثورة سلمية شارك فيها المسيحي والمسلم معا. كل مصري شارك بغض النظر عن العمر او المستوي المادي أو الاجتماعي أو الدين أو الجنس.
ثالثا: القلق بسبب بعض الاتجاهات التي تلت الثورة: مع هذه الثورة السلمية يبقي قلقنا العميق فيما يتعلق بالإتجاه الذي تتحرك فيه دولة مصر, فمع مرور الأيام منذ بداية الثورة تكثر تفاصيل الأحداث التي تعمق قلقنا… فهل نتحرك باتجاه دولة تتساوي فيها حقوق المواطنين بغض النظر عن الجنس والدين والاسم… أم نتحرك باتجاه دولة دينية حيث يحسب البعض مواطنين من الدرجة الثانية. نحن علي مفترق الطريق في مجتمعنا ولابد أن نركز الانتباه علي الحرية والعدالة والمساواة كمباديء المجتمع الذي نأمل في بنائه.
رابعا: رؤيتنا وأملنا في المستقبل: ففي وجود عمق القلق علي الاتجاه الذي يأخذه الوطن, مازال لنا أمل قوي وحلم كبير لمصر جديدة. وحلمنا أن نبني مع كل الحكماء والمخلصين من الشعب مجتمعا مصريا جديدا مبنيا علي صخرة الحرية والعدالة والمساواة.
خامسا: ضرورة الاجتهاد في بناء مصر: الأحلام لا يمكن أن تؤول إلي حقيقة بدون عمل وجهاد. ونحن نؤمن بحماية الله لكن هذا لا يعني ألا نجاهد بل أن نعمل بدون خوف. مثلما جاء في المزمور 32 ##إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرا لأنك أنت معي## فكيف إذن نجاهد؟
أشار بقوله جهادنا السلمي لابد أن يكون مسترشدا ومتوافقا مع الكتاب المقدس. ومن مسئولية الكنيسة أن تنمي وتبلور المباديء اللاهوتية والكتابية فيما يتعلق بالجهاد السلمي لتحقيق الحرية والعدالة والمساواة, والشعب يود أن يعلم أنه حينما يعترض علي ظلم التمييز هو لم يتعد حدود الوصايا أو ينتهج فعلا غير مسيحي وأنه حينما ينشط في الحياة السياسية للمجتمع ويقف ضد الظلم فهو يتبع مثل الرب يسوع المسيح وقديسي الكنيسة.
ويجب أن نقف وقفة قوية لحفظ حقوقنا ورفض الظلم وكشف مساويء التمييز مستندين في هذا الي قوة الحق وليس باستخدام العنف. الحقوق ليست هبات تمنح بل بالحري لابد أن نجاهد من أجل أكتسابها. ولكن هناك فرقا بين الوصول إليها بالقوة أو بالعنف. وحينما ندافع عن الحق هذا الفعل في حد ذاته يمد شخصنا بالقوة. ولدينا مثل حي اليوم في الثورة الأخيرة كيف أن حركة سلمية للمقاومة بإمكانها تحقيق الكثير واكتساب احترام الجميع.
ولابد ان نسير ولكن ليس بمفردنا. وأن نتعاون مع كل من له نوايا حسنة ومحب للحرية وحقوق الإنسان. يجب أن نتضامن مع كل المسيحيين والمسلمين ممن يشاركونا ذات الرؤية ولا نحسب أن جهادنا للحرية هو جهادنا وحدنا فهو جهاد الكثيرين.
كذلك علينا أن نثبت في جهادنا ولا نتوقف حتي يتحول الحلم إلي حقيقة ولا نقبل العروض السيئة. أذكركم بقول مارتن لوثر كينج ##نحن نرفض أن نصدق أن بنك العدالة قد أفلس##. بمعني آخر نرفض الحلول الجزئية والمسكنات.
أيضا ثمن وقيمة الحرية والعدالة والمساواة غال جدا, لابد من أن ندفع هذا الثمن بالدم والمعاناة. ونكون مهيئين لقبول التضحية ولا نتوقف عند أول خسارة نلاقيها. فالبعض سيضحون بحياتهم, وآخرون سيعانون ويجرحون ويسجنون. ولكن هذا هو الثمن لهذه المبادئ.
أشار بقوله: ليمنحنا الرب يسوع المسيح الذي حمي شعبه علي مدار القرون, المعونة في جهادنا ويوصلنا الي اليوم الذي سيحتفل به الجميع بالحرية والعـدالة والمساواة.
والكاتبة ترجو أن تمس جميعنا هذه الكلمات والأمنيات… وتكون هذه خطوة في حركة البناء التي ابتدأها شبابنا وإخوتنا بالوطن الحبيب ويكون صوتنا من الوطن الآخر أمريكا بمثابة المكبرات الصوتية لروح الحكمة والحوار والتنمية التي يرجو كل محب للوطن مصر أن تسود آمالنا وأحلامنا وعملنا وصلواتنا… ويتحول الفكر المستنير الي خطوات عملية نخطوها معا في وحدة الفكر ويهب الله الحكمة لرؤسائنا ومنتخبينا كي ما تأخذ قراراتهم بالاعتبار مصلحة الشعب وأمان الدولة بالدرجة الأولي.
كنا بكل فخر بمثابة القدوة التي أشاد بها العالم بأكمله في السلام والرقي وحرية الفكر. ليمتد هذا الروح ويزدهر ويستمر في أن يقود خطانا ولا نتواني عن إبقاء شعلة الأمل والعمل كي نصل مهما طالت المدة إلي أمة لا يبيت فيها فقر أو جهل أو مرض أو جوع أو بطالة أو استغلال لقوت شعب أنار العالم بحضارته وتحضره علي مدي آلآف السنين.
ولم يكف…ولن يكف… في ضوء الحرية والعدالة والمساواة.
* رانيا حبشي – محللة و مستشارة أعمال