إن كان صعبا علي المواطن الصعيدي تتبع خطط وبرامج التنمية وقياس مردودها علي واقعه اليومي في ظل الكثير من المعوقات المتعلقة بآليات التنفيذ…فلم يكن صعبا في الآونة الأخيرة رصد استغاثات المواطنين بمدينة أسيوط بعد كشف النقاب عن الظاهرة البيئية الأكثر خطورة علي الصحة العامة وتأثيراتها السلبية علي برامج التنمية مستقبلا, فقد أصيب المواطنون بالذعر مع تفجير ظاهرة ري آلاف الأفدنة بمدينة أسيوط(قرابه10آلاف فدان حسب آخر التقديرات)المزروعة بكل أنواع الخضر والمحاصيل بالمياه الملوثة بالصرف الصحي في مناطق عرب المدابغ حتي ترعة علوان بمركزمنقبادويعتمد عليها المواطنون في طعامهم بصورة مباشرة…
أطلقت جامعة أسيوط سلسلة من الندوات والمبادرات دعي إليها مركز الدراسات والبحوث البيئية وكلفت بها لجان متخصصة مند بدايات الثمانينيات لعمل الدراسات اللازمة ميدانيا ومعمليا بعد التعرف علي حجم المشكلة واقترحت الحلول المناسبة.
دقت الندوات ناقوس الخطر مرارا وتكرارا تجاه المخاطر التي تتعرض لها زراعات المناطق الموبؤة بمخلفات الصرف الصحي والمخلفات الزراعية والنفايات الصناعية ,مخلفات المستشفيات والمصانع والتي تلقي مباشرة بمياه النيل واحتواء المياه علي ملوثات عضوية وغير عضوية وحرارية وإشعاعية لتصيب المنظومة البيئية للإنسان والحيوان والنبات في مقتل.
وطالبت هذه الدراسات المسئولين التنفيذين بحتمية معالجة مياه الصرف الصحي قبل الاستخدام في الري بأسلوب علمي وخطوات مدروسة ومنفذة في معظم دول العالم حفاظا علي الصحة العامة من الملوثات الخطيرة والعناصر الثقيلة السامة.
ورغم ما قامت به الأجهزة التنفيذية من جهود مضنية استنزفت ملايين الجنيهات والتي أثني عليها الدارسون والباحثون بالجامعة إلا أنها اضطرت مؤخرا للتخلي عن مسئولياتها تجاه محطة معالجة مياه الصرف الصحي وتسليمها للشركة القابضة للمياه والصرف الصحي التابعة لوزارة الإسكان.
وطرقنا باب جامعة أسيوط-قسم الأراضي بكلية الزراعة- والتقينا الباحثين الزراعيين لنتعرف علي المزيد,يقول الدكتور جلال أحمد الغرابلي- أستاذ الأراضي بكلية الزراعة جامعة أسيوط: نحن أول من فجر هذه الظاهرة بالجامعات المصرية وبدأنا دراستها في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي مع كلية الطب والعلوم أيضا مع مركز الدراسات والبحوث البيئية برئاسة الدكتور ثابت عبد المنعم,ولقسم الأراضي دراسات وافية للوضع الصحي والبيئي للمنطقة ابتداء من منطقة عرب المدابغ بمحطتها الرئيسية وحتي قرية علوان في15موقعا إضافة إلي العينات التي أخذت من ترعة نجع حمادي الغربية وترعة الزنار وترعة يمني وترعة علوان وبني حسين حتي منطقة جحدم… وحسب تصريحات المسئولين وقتئذ الذين أشاروا إلي اكتشاف فقدان 150ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي وكانت تستخدم في ري الزراعات كما هي, وذلك علي حد قول متخصص كلية الهندسة- بأن المشكلة في عدم استكمال محطة المعالجة الرئيسية وإذا نظرنا لأراضي عرب المدابغ سنجد أنبوبتين ضخمتين إحداهما تخص الصرف الصحي لمدينة أسيوط والأخري لمدينة مبارك وهما تصبان مباشرة(كما توضح الصورة) علي الأراضي الزراعية, علاوة علي سيارات الكسح والشفط والتي يراها المواطنون تمر بالشوارع وتلقي بمخلفاتها الأراضي الزراعية أو في الترع مباشرة.
ويؤكد قائلا إن محافظة أسيوط لا تستفيد من مياه الصرف الصحي رغم القيمة الاقتصادية فيقال إن مياه الصرف تروي50فدانا مزارع خشبية وهي ليست مقامة علي أسس علمية أو اقتصادية لأن الغابات الشجرية لها أسس وأنظمة تجلب عائدا اقتصاديا بالملايين..وقدمنا أول مشروع للمزارع الخشبية عام1994 ثم 2004 و2005 م وتم توقيعه من المسئولين وقتئذ وبعثنا به إلي جهاز البيئة بالقاهرة ولكن دون جدوي والأشجار المنزرعة حاليا لا تنتج أخشابا لها دورتها الزراعية والاقتصادية بل تنتج مجموعات خضرية من كثرة ما ارتوت من مياه الصرف…
وكون محطة معالجة مياه الصرف الصحي لا تعمل بالكفاءة المطلوبة-والكلام للدكتور جلال الغرابلي-يعني ذلك أن المشكلة ستظل قائمة لعشرات السنين لأن الأبحاث والدراسات العلمية تؤكد أن طرق تنظيف التربة ستستغرق وقتا لأن نسب التلوث تجاوزت الحدود وها نحن نعمل في محطة المعالجة بعرب المدابغ علي أحواض ترسيب المواد الثقيلة وهي خطوة أولية تتبعها مراحل أخري وعليه قدم قسم الجيولوجيا بكلية العلوم دراسات عن حركة المياه لإمكانية دق الآبار لأعماق أبعد للحصول علي مياه متجددة, وللأسف لدينا قانون يجرم زراعة أي خضروات ملامسة لسطح التربة الملوثة وهذا القانون لا ينفذ والمزارعون غلابة يقولون وفروا لنا مصدر مياه نظيفة نروي بها.
وعن الحلول المطروحة للمشكلة أضاف الدكتور حسانين جمعة-أستاذ كلية الزراعة وعميد معهد السكر بأن الوضع سيبقي كما هو حيث لدينا 13 طريقة علمية لتنظيف الأراضي الملوثة والدراسات موجودة بالفعل ولكن هل نحن علي استعداد لحل المشكلة التي تتفاقم يوما بعد يوم؟
فالحل أمامنا في إنتاج محاصيل بالهندسة الوراثية يمكن زراعتها في منطقة عرب المدابغ وقري منقباد ولا تمتص العناصر خاصة الرصاص والكاديوم الذي يسبب التخلف العقلي للأطفال وسبق وذكر الحل في سيمينار عقد بجامعة أسيوط سنة2001م وثبت نجاحه علي نبات الهالوفيد بمزرعة الجامعة وامتص كميات هائلة من الرصاص ونستخدم مخلفاته في الصناعة.
وأضاف: لدينا مشروع جاري العمل به بالتعاون مع الاتحاد الأوربي لاستخدام أنواع معينة من البكتيريا والطحالب والفطريات بجانب النباتات في معالجة الأراضي الملوثة والكائنات لتمتص العناصر الثقيلة فلا يتغذي عليها النبات, لكن المشكلة تكمن في عدم وجود قاعدة بيانات كافية حول أنواع الكائنات التي يمكن العمل بها في هذا المجال لتوفير غذاء صحي آمن للمواطنين.