في طريقي إلي بطريركية الأرمن الكاثوليك بوسط القاهرة مررت بميدان التحرير.. الميدان الذي ألبس مصر ثوب الحرية ..لحظات ووجدت قدمي تخطو باب البطريركية التي تبعد بأمتار من الميدان.. في الصالون البطريركي شاهدت علي الحائط مجموعة صور تاريخية لعدد من المطارنة الذين خدموا كنيسة الأرمن بمصر.. وأنا أتأمل في الصور المعلقة دخل إلي الصالون غبطة المطران الأنبا كريكور أوغسطينوس كوسا مطران الأرمن الكاثوليك بمصر والسودان ..أدرك للحظتها فيما أنا مستغرق, فقال لي:مصر احتضنت علي أرضها جنسيات عديدة وانصهروا في بوتقتها بعد أن ذابوا في عشقها, من هؤلاء العاشقين لمصر كانت الجالية الأرمنية وظل حوارنا داخل الصالون البطريركي لساعات تحدث فيها غبطة المطران من عمق قلبه الفياض بالمحبة وكان لنا هذا الحديث…
* كيف تري كنيستكم أحوال مصر بعد ثورة 25 يناير؟
** إن الثورة تحققت بالفعل ولكننا حتي اليوم لم نلمس أي نجاح لها ولم نر أهدافا واضحة لها, وعلي الشعب المصري أن يعرف جيدا أن التغيير يأتي إلا من داخل كل فرد, وهذا ما نراه علي الساحة السياسية.. فهناك أفراد يريدون التقدم والازدهار لمصر وآخرون يبحثون عن التراجع بل الدمار للبلاد.
** وكنيستنا الكاثوليكية دائما تدعو شعبها بأن يكون لهم إرادة قوية لبناء مصر المستقبل وعندما نقول إرادة قوية نقصد إرادة لمصلحة البلاد ليس لنا بل للأجيال القادمة, شبابنا بالجامعات, أطفالنا بالمدارس, علينا جميعا أن نتغير تغيرا جذريا ونمحو الفساد لتعيش مصر في أمان واستقرار.
* ما موقف غبطتكم من أحوال مسيحيي مصر؟
** أقباط مصر هم أصحاب أرض, هذه حقيقة تاريخية, وعند دخول الإسلام مصر استقبلتهم كل الطوائف المسيحية بكل ترحاب, وهذه هي صورة المعايشة الأخوية بمصر بصورتها الأصلية لا فرق بين مسلم ومسيحي, نعيش ألفة العمل الواحد والمشاركة, فحقوق القبطي ليست نعمة تمنحها مصر له بل هو فرض عليها ,لأنها الوطن الذي يعيش فيه ويعطيها جهده وحياته من أجل بنائها. وعلي كل قبطي يفكر أنه أقلية داخل مجتمعه عليه أن يتذكر قول السيد المسيح حينما قالأنتم ملح الأرض..ونور العالموعلي كل المصريين- مسيحيين ومسلمين- الثقة بأن مصر لن تنهض إلا بالتآلف سويا علي جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية…
* هل تشعرون بتخوف تجاه التيارات الإسلامية؟
** إطلاقا لماذا نخاف إذا وجد تحاور فلا خوف من أي تيار مهما كان فكره أو توجهاته, علينا أن نناقش سويا ونأخذ من الطرف الآخر الأراء, وإذا كانت هناك أشياء غير صحيحة علينا أن نتخذ موقفا لأن إيماننا قائم علي قول السيد المسيح قولوا الحق والحق يحرركم ..وأضيف أن هناك مثلا فرنسي يقول الحقيقة تجرحولكن عندما يكون الفرد علي خطأ, ولكنها تنصر من هو علي الطريق الصحيح.
* اقتربنا من ذكري أربعين يوما لاستشهاد أقباط ماسبيرو ,ماذا تقول غبطتكم لهولاء الشباب الذين استشهدوا من أجل أن تحيا كنيستهم؟
أحداث ماسبيرو لم تهز مصر فقط,بل هزت العالم أجمع وإني أندهش كيف يقتلون هؤلاء الشباب علي أرض بلادهم مدهوسين بالمدرعات وبطلقات نارية لخروجهم في مسيرة سلمية من أجل حريتهم الدينية, وأريد أن أوضح أن الحرية الدينية هي أن يكون للفرد حقوقه في العبادة مثل أخيه دون تمييز, ولكني مؤمن أن شهداء مصر منذ حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية حتي أحداث ماسبيرو المذبحة الكبري هم بذور تروي دماؤهم مصر لتنبت بالحرية وبالعدالة.
وهذا ليس بعيدا عن تاريخ الكنيسة الأرمينية, فنحن أيضا استشهد في كنيستنا عام1915 المليون ونصف المليون أرميني من أجل الحفاظ علي الكنيسة والإيمان, وكنيستنا اليوم تمد يدها للكنيسة المصرية وتسير معها طريقا واحدا من أجل الحفاظ علي تاريخها ووطنها التي أعطته الكثير.
* ماذا دار من حوار بين غبطتكم وقداسة البابا شنودة خلال الزيارة التي قمتم بها بعد مذبحة ماسبيرو؟
لقد ذهبت لقداسة البابا شنودة مرات عديدة وقدمت له العزاء باسم كنيستنا, ودائما يحدثني عن شعوره الحزين نحو فقدان كنيسته لهؤلاء الشباب وأري فيه حقا أبا فقد أولادا له وفي مذبحة ماسبير..و أكد قداسته للجميع خلال أحاديثه أن هولاء دالشباب كانوا في مسيرة سلمية, وأذاع الكثير من الفيديوهات التي تؤكد ذلك وعرضها جميعها علي القيادات المسئولة فقداسته قريبا لنا جميعا ونشعر دائما بعزاء في عيونه, ونفرح كثيرا عندما نزوره فهو الشقيق الأكبر والأدب الذي ننال منه الحكمة والمشورة.
* هل تشارككم الكنيسة الأرثوذكسية آراءها ومواقفها تجاه دراستكم لوضع مسيحيي مصر الفترة القادمة؟
** بالطبع, هناك اجتماعات بيننا وبين كنيستنا الشقيقة الإنجيلية فنحن جميعا نعيش في وطن واحد,وحياتنا مشتركة وكنائسنا علي أرض واحدة.
ونحن ندرس سويا أوضاع الأقباط في مصر ونطرح جميع الهموم المشتركة, وأنا أري أن ما حدث منذ 25 يناير حتي ماسبيرو هو شيء إيجابي لأننا جميعنا أصبحنا نلتفت مع بعضنا البعض لبحث أوضاع شعبنا ونبحث له الأفضل ليس من أجل كنيستنا فقط بل من أجل وطننا مصر.
* لقد مر عام علي أعمال مجمع الشرق الأوسط الذي عقد بروما بدعوة من قداسته البابا بنديكت السادس عشر لجميع بطاركة وأساقفة كنائس الشرق, كيف تري غبطتكم تفعيل توصياته علي مصر؟
** بالتأكيد الكنيسة في مصر محرومة من أشياء كثيرة أولها القوانين التي لم تفعل, والقوانين التي تعقد الأمور لدي الأقباط, بل الكنائس أيضا, فدائما تطلب الأشياء التعجيزية حتي تتراجع المطالبة, وهذا ما يبعد تماما عن توصياتنا.. ولكني أؤكد أن سفك دماء شهداء كنيستنا علي أرض مصر من أجل إيمانهم وكنيستهم سيظل إلي الأبد إذا ظل الوضع كما هو عليه.فالكنيسة دائما تقدم شهداء يقول عنهم الكتاب المقدس إنهم حبة الحنطة إن لم تمت تبقي وحدها..وأن ماتت أتت بفضائل كثيرة لذلك شهداء ماسبيرو هم قوة للخمسة والثمانين مليون مصري ليس فقط لأقباط مصر لأننا عندما نضحي ,نضحي بلا حساب.. نضحي من أجل كل إنسان, وعلينا أن نتأكد أن كنيسة بلا شهداء كنيسة لا حياة فيها, فدماؤنا تعيش عليها أجيال كثيرة.
* أقامت كنيستكم يوما للصلاة من أجل سلام العالم ومصر..لماذا كانت دعوتكم..وكيف مضي اليوم؟
** يوم 27 أكتوبوبر هو يوم للصلاة من أجل السلام في العالم, دعا إليه قداسة البابا يوحنا بولس الثاني منذ 25 عاما, وسارت عليه الكنيسة الكاثوليكية, واحتفالا باليوبيل الفضي لهذا اليوم وللظروف التي تعيشها البلاد من حروب واضطهادات وثورات دعا قداسة البابا بنديكت السادس عشر جميع البلاد للصلاة من أجل السلام.
ودعونا بكنيستنا سانت تريزا للأرمن الكاثوليك بمصر الجديدة جميع كنائس مصر للصلاة معنا فاشترك جميع كبير من الأقباط الأرثوذكس والإنجليين وحضر معنا للصلاة فضيلة الشيخ الدكتور سيد عبد الباري مندوبا عن وزارة الأوقاف وفضيلة الشيخ عمر الورداني مندوبا عن دار الإفتاء, وقد ترأس الصلاة من أجل العالم وأحوال مصر القاصد الرسولي مايكل فيتز جرالد رئيس الأساقفة وسفير الفاتيكان بمصر, ونيافة الآباء المطارنة الأنبا جورج بكر مطران الروم الكاثوليك بمصر والسودان, الأنبا فيليب نجم المدبر البطريركي للكلدان الكاثوليك بمصر, المطران منير حنا مطران الكنيسة الأسقفية بمصر,كما شارك الصلاة الأب أنطونيوس فايز من الكنيسة القبطية الكاثوليكية وحضر الأب كمال وليم رئيس الرهبنة الفرنسيسكانية بمصر وعدد كبير من الآباء الرهبان والراهبات, وقد أذاع التليفزيون المصري الصلاة كاملة اليوم التالي فكانت بادرة طيبة ليوم يمثل وحدة شعب مصر بكل طوائفه وأديانه.
هجرة مسيحيي مصر أصبحت أمرا واقعا مع الكنيسة تنصح شعبها بالتمسك بالوطن.. ما رأي غبطتكم؟
** لن نترك هذا الوطن ولن نهاجر إلي بلاد أخري, لأن هذا الوطن نحن منه وهو فينا,علينا أن نستمر في رسالتنا وحتي لو هاجرت أعداد كبيرة ستظل الكنيسة الأم التي ترشد أبناءها بالتمسك وعدم التخلي عن الوطن وهذا ليس كلاما أو أمرا, بسيطا نحن نتحدث عن ترك تاريخ أرض مقدسة, تراث, لغة..أريد أن أسأل من يفكرون في الهجرة إلي من ستترك وطنك, عندما ستذهب سوف تذهب بلا عودة.. عليك أن تثق أن دورك وعملك سوف ينهضان بمصر وسنظل مرتبطين بأرض بلادنا وستظل كنائسنا تصلي من أجل مصر.