مطار هيثرو مكان يصعب تجنبه. فالمطار هو الأكثر حركة في العالم هو أكثر المطارات اكتظاظا أيضا. وفي كل عام يمر نحو 67 مليون مسافر ـــ أي ما يصل إلي 200ألف مسافر يوميا ـــ عبر محطات ”صالة” طيرانه الأربع التي كان قد تم تصميمها في الأصل لاستيعاب 45 مليون مسافر سنويا. ويعمل المطار بنسبة 99% من طاقته الآن, ولما كان يحوي مدرجين فقط, فإن 65% من الطلعات الجوية منه تتأخر عن مواعيدها بمقدار 15 دقيقة. وحسب تقرير صدر العام الماضي, فإن شركة الطيران الرئيسية في مطار هيثرو, وهي شركة ”بريتيش إيرويز”, جاء ترتيبها في المرتبة الـ24 من بين 25 شركة طيران أوربية بالنسبة إلي سجلها في فقدان حقائب المسافرين. وقد توقف نحو مليونين من مسافري الدرجة الأولي ودرجة رجال الأعمال عن استعمال مطار هيثرو منذ عام .2006 وفي استطلاع للرأي شمل شخصيات بارزة في قطاع الطيران, تم تصنيف مطار هيثرو بأنه الأسوأ بين مطارات العالم البارزة.
ولكن كان من المفترض أن يتغير كل ذلك الأسبوع الماضي حين افتتحت محطة ”صالة” طيران مطار هيثرو الضخمة رقم (5), المخصصة لرحلات بريتيش إيرويز الجوية, أبوابها مستقبلة أول مسافريها. وهذه المحطة, التي تعتبر أكبر بناية منفصلة في بريطانيا كلها, صممت لإنهاء الطوابير اللامنتهية من المسافرين الذين ينتظرون عمليات التفتيش الأمني والتدقيق في أوراق المسافرين والتدقيق في تذاكر سفرهم قبل السماح لهم بدخول محطة الطيران, ولكي يتخطي المسافرون الإجراءات الرسمية في مدة وعد بأن لاتتجاوز الـ10 دقائق. أجهزة الأمن الفائقة التقدم التي ركبت في هذه المحطة كان يفترض أن تجعل تفتيش هؤلاء المسافرين أمرا مريحا وآمنا. وكذلك فإن ناقلات الحقائب التي بنيت تحت الأرض كان يفترض أن تخفف من اكتظاظ ناقلات الحقائب التي يشتهر المطار بها.
لكن بدلا من ذلك, فإن كل شيء كان يمكن أن يسير بصورة خاطئة قد وقع فعلا, عدا وقوع حادث تحطم طائرة. فقد ”حشر” المسافرون لمدة زادت علي 20 دقيقة في مصاعد المحطة الجوية التي توقفت بصورة متكررة تباعا. وبحلول اليوم الثاني من افتتاح المحطة الجوية, كان هناك مصعد واحد من مجموع مصاعد المحطة الـ15 يعمل, فاضطر عمال المطار إلي حمل المسافرين الذين يستعملون مقاعد المقعدين والصعود بهم علي سلالم المحطة. وأحزمة نقل المسافرين الكهربائية التي كان يفترض فيها أن تعمل علي نقل المسافرين بسرعة إلي مناطق التجمع للصعود إلي الطائرات توقفت بالكامل. وكانت نسبة 20% فقط من الرحلات الجوية المقررة قد تمكنت فعلا من الإقلاع. وفيما يتعلق بالطائرات القادمة, فقد ضاع كل أثر للحقائب. وقال المصمم الداخلي البريطاني هوارد بايك, الذي كان قد وصل إلي المطار قادما من مدينة أوسلو النرويجية في الليلة الأولي لتشغيل المحطة الجديدة وكان لا يزال يبحث عن حقائبه المفقودة في اليوم التالي لوصوله, إن ”هيثرو كان وصمة خزي دولية لسنوات, وكان يفترض في هذه صالة أن تكون بداية جديدة. لقد كنت أتجنب السفر عبر هيثرو في الماضي, واليوم سأعمل علي تجنبه أكثر”.
شركة بريتيش إيرويز قامت بكل جهدها لضبط الضرر الناتج عن هذا,فعمالها الذين يرتدون القمصان الصفراء اللون المكتوب عليها سؤال: ”كيف يمكنني أن أساعدك؟” بدأوا يطوفون أرض المحطة المكتظة بالمسافرين الذين تقطعت بهم السبل أو الذين تأخرت رحلاتهم. ولكن حسب قول ديفيد ويلشاير, وهو عضو محافظ في البرلمان تقع منطقة مطار هيثرو في دائرته الانتخابية, فالأمر ”لم يكن ليحدث بأسوأ مما حدث فعلا”.
بطريقة ما, فإن بريتيش إيرويز وسلطة المطارات البريطانية وقعتا ضحايا للحملة الإعلامية التي أطلقتاها قبل افتتاح المحطة الجديدة. فقد جاء افتتاح المحطة بعد حملة طويلة توجت بافتتاح احتفالي رعته الملكة قبل أسبوعين, وهو افتتاح سار كما كان مرسوما له بالضبط. وكانت التوقعات عالية جدا بأن بناية محطة جوية كبيرة بما يكفي لاستيعاب 30 مليون مسافر سنويا وحدها ستؤدي بسرعة إلي وقف الاكتظاظات البشرية وغير ذلك من المذلات التي يشعر بها المسافرون إلي لندن.
الشركة البريطانية والشركة المشغلة للمطار ــ التي تشغل أيضا مطاري جاتويك وستانستيد البريطانيين ــ ألقت كل منهما باللائمة علي الأخري, كما يقول ويلشاير. ولكن المشكلة الحقيقية هي أن تلك العملية كانت أكبر عملية إعادة هيكلة لمطار ”علي وجه الأرض”.
وربما كان افتتاح المحطة الجوية رقم (5) هو مجرد بداية عملية المخاض التي يمر بها مطار هيثرو. فتحويل الرحلات الجوية إلي المحطة رقم (5) تم التخطيط لحدوثه علي مرحلتين, إذ كان من المقرر للمرحلة الثانية أن تبدأ في منتصف مايو المقبل. ففي الأساس كانت سلطة المطارات البريطانية تعتزم بناء محطة جوية ضخمة جديدة لتحل محل المحطتين القديمتين 1 و2 اللتين يعود تاريخ بنائهما إلي عام 1955, وأملت أن تنجز بحلول موعد بدء دورة الألعاب الأوليمبية في لندن في 2012 ولكن حتي ذلك الحين فإنه سيكون علي مسئولي مطار هيثرو أن يواجهوا المشكلة الكبري التي تواجه مطارهم: الحكومة البريطانية تود أن تري بناء مدرج ثالث من شأنه أن يرفع طاقة المطار من 480ألفا إلي 720ألف رحلة جوية سنويا. ويتوقع إصدار قرار بذلك هذا الصيف, ولكن حتي حسب أفضل السيناريوهات, فإن من غير المرجح بناء مدرج ثالث قبل حلول عام .2012 وفي ظل وجود مدرجين فقط, فلن يساعد أي توسيع لهذين المدرجين علي حل مشكلة تأخر الطائرات في حالتي الإقلاع والهبوط في المطار.
ويقول بيتر موريس من شركة الاستشارات الجوية ”أسند” إن ”البنية التحتية في هيثرو لم تواكب الطلب قط”.
الأنباء السيئة لهيثرو هي أنباء طيبة للمطارات المنافسة له. فالمطارات عبر القارة, مثل فرانكفورت وأمستردام وباريس, تواقة لاستقبال أي حركة جوية لا تستطيع لندن استيعابها. الكثير من المطارات الجوية البديلة تخدم عددا من المقاصد الدولية أكثر من هيثرو, كما أنها في وضع أفضل لاستيعاب الحركة الجوية الإضافية. فمطار سكيبهول في أمستردام لديه خمس مدرجات, ومطار شارل ديجول في باريس لديه أربعة, وفاز مطار فرانكفورت بترخيص لبناء مدرج رابع. وليس هناك مطار واحد من هذه المطارات يعمل بنسبة تزيد علي أكثر من 75% من الطاقة التشغيلية. ويقول أوليف سولي من مؤسسة فيوتشر هيثرو, وهي جماعة ضغط سياسي تضغط باتجاه بناء مدرج ثالث في المطار, إن ”المشكلة هي أن هيثرو في تراجع مقارنة بمطارات الربط الأخري. ففي عام 1990 كان المطار يخدم 227 مقصدا دوليا, وانخفض هذا العدد اليوم إلي .180 وإذا ما تواصل ذلك, عليك أن تسأل نفسك في أي مرحلة يتوقف هيثرو عن كونه مطار الربط الرئيسي لأوربا. فمطارات ميلانو وروما وميونخ ستتغلب علينا سريعا. من دونه (المدرج الثالث) فإننا سنهمش في أوربا وفي الاقتصاد المعولم. لندن مدينة عظيمة ومركز مالي عظيم ولكن فيها نظام نقل سئ جدا فعلا”.
والحقيقة أن الأمور قد تصبح أسوأ. فبحلول الأول من أبريل, ستتمتع شركات الطائرات الأمريكية والأوربية بحقوق أكبر في الهبوط في مطارات الدول الأخري, وذلك بفضل اتفاقية ”الأجواء المفتوحة” بين بروكسل وواشنطن. ولكن لا سبب يدعو أي شركة طيران لاختيار مدينة لندن حين تكون المدن الأخري قادرة علي توفير فضاء أوسع. وتجادل مؤسسات الضغط السياسي الآن بأن مكانة لندن كعاصمة عالمية ستصبح في خطر ما لم يتم الحصول علي ترخيص بتوسيع مطار هيثرو. ولكن أي اقتراح بتوسعة المطار سيواجه معارضة شديدة من المدافعين عن البيئة. ففي فبراير, صعد الناشطون إلي سطح مبني مجلس العموم البريطاني للاحتجاج علي بناء المدرج الثالث والزيادة المرجحة للتلوث والضجيج والازدحام المروري في المدينة بسبب هذا التوسع. احتج آخرون في المطار وهددوا بمنع عمال البناء من القيام بعملهم.
وبالنسبة إلي مراقبي الصناعة الجوية, فإن هذه المشاكل مألوفة تماما إلي حد روتيني. فالحكومات تتحدث عن توسيع طاقة مطار هيثرو التشغيلية منذ ستينات القرن الماضي, بما في ذلك الاقتراحات الطموحة لبناء موقع جديد تماما عند مصب نهر التايمز شرق لندن. ولكن كل واحد من هذه الاقتراحات تم إهماله تقريبا لأسباب اقتصادية أو بسبب المعارضة المحلية. وكانت الخطط الأصلية لبناء المحطة الجوية الخامسة في مطار هيثرو قد وضعت في نهاية ثمانينات القرن الماضي, وتم افتتاحها بتأخر بلغ ست سنوات علي الأقل. ومهما يحدث الآن فإنه أن يخفف المعاناة الشديدة التي يواجهها المسافرون عبر مطار هيثرو في أي وقت قريب.
بمشاركة صوفا جروف و كريستوفر ورث في لندن
نيوزويك