بداية هناك عوامل محددة لقيام بحث علمي حقيقي و هي :
-قدرة فكرية إبداعية.
-مناخ أكاديمي عام ملائم لنمو واستمرارية البحث العلمي.
و في تقديري أننا نعاني عجزا شديدا في هذين العاملين وخصوصا العامل الثاني .
نعم زاد عدد الجامعات وزادت حرية التعبير في مصر,ولكن مازالت الحرية الأكاديمية تعاني الكثير , فقد ذكر تقرير هيومان رايت ووتش عن الجامعة المصرية لعام 2005 أن القمع المستمر علي مدي سنوات أدي إلي خلق مناخ من الرقابة الذاتية في الجامعات المصرية.
ويعترف الأساتذة والطلاب بأن هناك قضايا بعينها, وهي أساسا قضايا السياسة والدين والجنس, لا يمكنهم مناقشتها إلا في أضيق الحدود, ويقولون إنهم أحرار في أن يقولوا ما يريدون ولكن بشرط ألا يتجاوزوا أيا من ##الخطوط الحمراء## المحرمة.
ويمكن أن تلحق الرقابة الذاتية ضررا بالتعليم العالي و بالتالي بالبحث العلمي لا يقل عن ضرر القمع المباشر, كما أنها دليل علي أن كثيرا من الأكاديميين المصريين قد كفوا عن مقاومة انتهاكات الحرية الأكاديمية, بل وأصبحوا يقرونها في بعض الأحيان. و يؤكد التقرير تفاقم انتهاكات الحرية الأكاديمية في الجامعات المصرية من جراء القيود المؤسسية, مما أسهم في تدهور مستوي التعليم في مصر. إذ تتحكم السلطات الأمنية في تعيين أعضاء هيئة التدريس وترقياتهم, ويؤدي تبني منهج صارم بخصوص التعليم إلي إعاقة الإبداع في مختلف مراحل النظام الجامعي, من امتحانات القبول إلي برامج الحصول علي درجة الدكتوراه, كما يحرم الطلاب من الحق في اختيار مجالاتهم الأكاديمية بصورة حرة. وأدي الافتقار إلي الاعتمادات المالية الكافية إلي تردي المرافق الجامعية, كما حدا بالأساتذة إلي البحث عن أماكن أخري للعمل.
نعم زادت ميزانية التعليم و البحث العلمي من3.%من الدخل القومي في عام 1981 إلي 1% منه بما يعادل 2.6 مليار جنيه في عام2003 و لكن مازالت الميزانية المخصصة للتعليم و البحث العلمي ضعيفة سواء بالمقارنة بالدول المتقدمة أو بدول الجوار و بعيدة جدا عن المتوسط العالمي (2-3.5%) من الدخل و جدير بالذكر أن المخصص من هذه النسبة الضعيفة لبند المرتبات و الحوافز يصل إلي 70% منها فماذا يتبقي للبحث العلمي.
نعم مصر تمتلك علماء قادرين علي أن يكونوا علي المستوي العالمي (عدد العاملين في مجال البحث العلمي في مصر 122 ألفا ),ولكن لعدم وجود المناخ العلمي فإن فرصة ظهورهم علي المستوي العالمي ضعيفة جدا ,ويضاف إلي ذلك الخلل الكبير في توزيع القوي البشرية من العاملين في قطاعات البحث العلمي . حيث تتركز النسبة الكبري(73.25) في قطاع التعليم العالي- و انخفاضها في قطاع الإنتاج (13.43%) و قطاع البحث العلمي(13.32) _ و هي نسب مخالفة لما هو كائن في البلدان المتقدمة حيث تزداد النسبة في قطاع الإنتاج عن باقي القطاعات.
نعم مصر من أكثر الدول النامية إصدارا للأوراق العلمية و رسائل الماجستير و الدكتوراه و هناك أرقام يتفاخر بها الوزراء المعنيين دائما بها كدليل علي الإنجاز و لكن هذا من ناحية الكم أما من ناحية الكيف فالصورة معاكسة تماما ,حيث تقاس القيمة العلمية للبحث بدورية النشر,فعلي سبيل المثال المجلتان العالميتان Science, Nature لم تنشر خلال النصف الأخير من القرن العشرين و حتي الآن بحثا مصريا أو عربيا واحدا و هذا مؤشر دقيق يبين المكانة العلمية لمصر و العالم العربي علي الخريطة العلمية العالمية.
ويضاف إلي ذلك عدم امتلاك مصر والبلدان العربية لجامعة واحدة من ضمن أفضل500 جامعة علي مستوي العالم و بالتالي نحن في حاجة إلي: أولا : تعليم جامعي جيد,ثانيا : ربط البحث العلمي في مصر بحاجة المجتمع و التنمية و تفعيل الميزة النسبية التي يمكن أن يتمتع بها البحث العلمي في مصر,ثالثا : اعتماد سياسة الجزر العلمية المضيئة ,رابعا: إعادة هيكلة مؤسسات البحث العلمي الحالية بما يتوافق مع معايير البحث العلمي الدولية.
مشكلة البحث العلمي في مصر ##مشكلة إدارة و نظام ## قبل أن تكون ##مشكلة إمكانات ## و سوف يكون من اللازم أن نحلل عناصر المشكلة الإدارية التي قادتنا لما نحن عليه الآن من تأخر في مجالات البحث العلمي , وأن تكون لدينا شجاعة الاعتراف بأنه دون تشخيص العلل و تغيير المناخ العام السائد في مجالات البحث العلمي , فإنه سيكون من المستحيل تجاوز الأوضاع الحالية . مع ضرورة ألا تشكل القيادات الحالية (بمستوياتها المختلفة) الأغلبية في اللجان التي يعهد إليها تشخيص الأزمة وإقتراح الحلول,والاستعانة بوجهة نظر خارجية محايدة (مصرية أو أجنبية ) حتي نتجنب عبارة ## كله تمام ياأفندم## و كذلك تأثير قوي الواقع في إعاقة قوي التغيير.
أستاذ علم النباتات بجامعة الأزهر