مصر رايحة علي فين؟ سؤال سأله لي أكثر من مائة مصري, وجميعهم يظنون أن لدي إجابة واضحة. قلت لأحدهم إن مصر تشبه سيارات التاكسي التي تجوب شوارع القاهرة, قديمة وبطيئة ويخرج منها عادم كثير يلوث الهواء, وكانت قبل الثورة مثل سيارة أجرة تعمل باليومية لمصلحة مجموعة معينة من الأقارب والأصدقاء ممن يديرون عجلة الحكم والفساد معا. من أولي نتائج الثورة وربما آخرها عزل سائق هذه السيارة القديمة (المواطن حسني مبارك) في شرم الشيخ والتحقيق معه ومع أسرته فيما يخص بعض الحوادث والأعطال التي سببوها لهذه السيارة. وبدلا من إجراء أي تعديلات لهذه السيارة القديمة, من موتور جديد أو مرشحات للعادم الملوث للبيئة, تركنا السيارة كما هي وغيرنا السائق فقط. إذن وبهذا الوضع, فإن أي فرد سيأخذ المفتاح ويحاول أن يركب هذه السيارة القديمة فسيتحرك بنفس السرعة القديمة, ويثير ذات الضجيج في الشارع, وينتج عن تلك الحركة نفس العادم الملوث للبيئة.
المشكلة في السيارة ذاتها التي بهدلها السائق السابق, وضيعتها قوانين الطرق السابقة والسير في الممنوع. ما الجديد اليوم, السائقون الجدد لم يلتفتوا لما أصاب السيارة من عطب, فقط يريدون تغيير السائق. قرروا أن يغيروا بعض قواعد السير من خلال بعض التعديلات الدستورية والإعلان الدستوري, ومع ذلك فهذه القواعد تصلح للسيارة القديمة المهلهلة, بمعني أنه ليس هناك نية لتغيير السيارة, فقط تسييرها لفترة حتي يختار الوطن سواقا جديدا. يا عم المشكلة كانت زمان في السواق, أما الآن وبعد خراب السيارة المشكلة في السيارة, غيروا السيارة كلها, أو هاتوا موتورا جديدا.
البلطجة في مصر اليوم ليست بلطجة سيوف وسنج ومطاو, البلطجة في مصر هي نظام كامل, بلطجة سياسية وبلطجة إعلامية, فالبلطجي في مصر اليوم ليس مجرد شخص من الأحياء الشعبية رافع سنجة وعلي كتفه وشم مخيف, البلطجي اليوم هو أستاذ لابس بدلة ثلاث قطع, أو يملك فضائية, أو عنده برنامج تليفزيوني أو عنده صحيفة, البلطجة أوسع بكثير. مبارك أسس لنظام يقف علي عمودين, العمود الأول هو الفساد والثاني هو البلطجة. وفي هذه الأجواء من البلطجة, أيا كانت مهارة القائمين علي الحكم, فالحل ليس في تلصيم السيارة أو تغيير السائق, الحل في تغيير السيارة كلها.
غيروا السيارة يا جماعة. كذلك غيروا قوانين المرور كلها. أيضا لا بد أن نعي في مصر أن تغيير السيارة وحده لا يكفي, فمهما غيرنا في السيارات لا بد من رصف الطرق وتغيير قوانين السير, فقط عندما يكون الطريق واضحا نستطيع أن نعرف مصر رايحة علي فين. أما الآن فمصر مش رايحة أي مكان, وربما من الأفضل لها ألا تتحرك من مكانها. من الأفضل إنها ماتروحش حتة وتفضل في مكانها, لأنها لو تحركت من موقعها الآن في ظل الطرق السيئة وفي ظل موتور السيارة المهلهل, وأجواء البلطجة السائدة التي تشكل البيئة الحاكمة للمشهد, والمنزلقات التي أمامنا في الطريق, فإن مصر لن تروح إلي أي مكان آمن, مصر اليوم ومتي ما تحركت في أي اتجاه, ومهما كانت مهارة السائقين الذين هم في الأساس وحتي هذه اللحظة كلهم من نظام مبارك القديم, فإن مصر مش هتروح أي مكان لو تحركت.