في عام 1937 كتب عميد الأدب العربي طه حسين كتابه الشهير ## مستقبل الثقافة في مصر## واضعا معالم علي طريق النهضة والتقدم في مصر, وموضحا أن الخط الرئيسي عبر اتباع طريق الغرب الأوربي في الأخذ بأسباب وأساليب الرقي, وشارحا باستفاضة انتماء مصر المتوسطي ومجالها الحيوي مع دول المتوسط الاوربي بعد أن طرح سؤالا واضحا ##أمصر من الشرق أم من الغرب. وأنا لا أريد بالطبع الشرق الجغرافي والغرب الجغرافي, إنما أريد الشرق الثقافي والغرب الثقافي## , وحسم طه حسين خياراته التي يريدها لمستقبل مصر بقوله ##فإذا كنا نريد الاستقلال العقلي والنفسي الذي لا يكون إلا بالاستقلال العلمي والأدبي والفني فنحن نريد وسائله بالطبع. ووسائله أن نتعلم كما يتعلم الأوربي, لنشعر كما يشعر الأوربي, ولنحكم كما يحكم الأوربي ثم لنعمل كما يعمل الأوربي ونصرف الحياة كما يصرفها…ومعني ذلك أننا بين اثنين: فإما أن نريد حياة الحرية والعزة وإذا فلنسلك إليها السبل التي سلكتها الأمم الحرة العزيزة. وإما أن نريد حياة الذلة والاستعباد وإذا فالأمر يسير وهو أن نترك أمورنا فوضي تمضي كما تستطيع علي غير نظام وفي غير طريق##.
مشروع طه حسين قاومته جماعة الإخوان المسلمين التي ظهرت عام 1928 بمشروعها السلفي لإعادة أسلمة مصر, ثم جاء مشروع عبد الناصر العروبي العسكري مفضلا زعامة وهمية لدول متخلفة عن الالتحاق بركب الدول الغربية المتقدمة.. وكان طبيعيا أن يتطور مشروع الإخوان وعبد الناصر لتظهر معالم أخري خطيرة علي طريق الجهاد العالمي والإسلامية الدولية, وهكذا حدث تحول جذري لحلم طه حسين.
يقول المحلل السياسي المصري سلامة أحمد سلامة في جريدة الشروق المصرية بتاريخ 6 أبريل
2009 ##لقد بات العالم الإسلامي كله قطعة من الظلام الدامس##, ومن المؤسف أن الكثيرين في مصر ينادون ويعملون لغرز مصر ضمن نادي أعضاء الدول المظلمة هذه التي تحدث عنها سلامة احمد سلامة.
في 11 مارس 2009 كتب الدكتور مأمون فندي مقالا في المصري اليوم بعنوان ## مصر دولة خليجية## مفتتحا المقالة بقوله ## قد تبدو فكرة أن مصر دولة خليجية نوعا من الخيال الاستراتيجي## , وقد شرح فندي في مقالته تبريرا لتصنيف مصر كدولة خليجية مثل وجود مليون ونصف مصري في الخليج ونقلهم للعديد من العادات والقيم الخليجية إلي داخل مصر.
إذا كان هناك مليون ونصف يعيشون في الخليج, فإن هناك حوالي ثلاثة ملايين من المصريين يعيشون في الغرب, مع الاختلاف طبعا في مستوي الطرفين, ففي الغرب اثنان من المصريين الحاصلين علي جائزة نوبل والعشرات من الحاصلين علي جوائز مرموقة أخري ومئات الآلالف من المهن المتميزة. ورغم استقرار المصريين في الغرب وحصول معظمهم علي جنسيات أخري إلا أن تحويلاتهم لمصر تزيد علي نصف مجمل تحويلات المصريين في الخارج كما تقول بيانات ميزان المدفوعات المصري. ومنذ توقيع معاهدة السلام عام 1979 حصلت مصر علي ما يقرب من 200 مليار دولار من الغرب ولم تحصل حتي علي عشر هذا المبلغ من الخليج.
والمصريون في الغرب يتمتعون بحقوق المواطنة في أوطانهم الجديدة بينما في الخليج يعاملون كالرهائن عند الكفيل حتي يحصل علي ما يريده منهم. وفي الغرب لا يجلد المصريون, ولكن في السعودية يجلد أطباء مصريون بدعوي مخالفة قوانين الشريعة. (بالمناسبة هل سمعتم عن مواطن إماراتي يجلد في السعودية) إن اعتبار مصر دولة خليجية يعني أن دول الخليج ترحب بالمصري وتسمح له بالدخول بسهولة ويسر, وهذا في الواقع غير موجود, فالمصري مهان هناك, وغير مسموح له بالإقامة إلا في إطار العمل وبقيود تجعله رهينة لدي من يوظفه, والمصري يحصل علي دخل شهري أقل حتي من نظيره العربي فما بالك بالأمريكي والأوربي. ودول الخليج ترفض أي درجة من درجات الاتحاد أو التكامل مع مصر فكيف تعتبر مصر نفسها دولة خليجية في حين إنها غير مقبولة حتي علي مستوي التكامل الإقتصادي؟.
الواقع يقول إن هناك مشروعين يتجاذبان مصر حاليا, الأول المشروع الوهابي والثاني المشروع الخوميني, وقد نشط كل من اللوبي السعودي واللوبي الإيراني لجذب مصر إلي معسكره.
السعودية تري الخطر الحقيقي علي الخليج قادم من إيران وليس من إسرائيل, وهذا صحيح تماما, ولهذا دعا الأمير سعود الفيصل لمواجهة التحدي الإيراني في المنطقة. والخطر الإيراني هو الهاجس الرئيسي لدي السعوديين والخليجيين, وقد صرحت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني للواشنطن بوست أثناء حرب غزة الأخيرة ##بأننا نحارب حماس نيابة عن الأنظمة العربية المعتدلة##, وتقصد بالتحديد مصر والسعودية والأردن, في حين أن جوهر المشروع الإيراني هو تثوير المنطقة العربية ضد إسرائيل من أجل مصالح إيرانية خالصة.
لم يعد أمام اللوبي السعودي سوي تجهيز المصريين لكي يكونوا وقودا للحرب السعودية الإيرانية.
أما اللوبي الإيراني في مصر فهو يعمل بكل جهده لجر مصر إلي مواجهة مع إسرائيل حتي يستطيع استكمال هيمنته علي المنطقة.
كل من المشروع الوهابي والمشروع الخوميني خيارات مدمرة بالنسبة لمستقبل مصر, ولكن ويا للحسرة هذه هي الخيارات التي تتجاذب مصر حاليا بعد أن مات مشروع طه حسين ورفاقه من عمالقة الفكر التقدمي, الوطنيين المخلصين الأحرار .
[email protected]