آلاف من أبناء المصريات ولدوا في مصر وعاشوا فيه وماعرفوا وطنا غيره ليصبحوا مصريين بالنشأة والإقامة والانتماء, ورغم ذلك هم في نظر القانون أجانب ليس من حقهم حمل الجنسية المصرية يحييون كأغراب عن وطنهم الحقيقي وذنبهم الوحيد أنهم من أب فلسطيني..ومضت سنوات ولاتزال تناضل المرأة المصرية لإكساب حقها وحق أبنائها في منحهم الجنسية المصرية في وجه الحكومة التي تتعامل مع القضية بشكل تعسفي دون مبرر واضح.
فلماذا التعمد في استثناء منح الجنسية لأبناء المصرية من أب فلسطيني؟ وهل من إجراء من قبل وزارة الداخلية لتفعيل القانون علي أرض الواقع لإنهاء الأزمة؟
خلل قانوني ودستوري يخلق تمييزا
تقول هالة عبد القادر- رئيسة مؤسسة تنمية الأسرة ظلت تعمل المؤسسات المعنية بقضايا المرأة علي تعديل قانون الجنسية عام1975 لمنح الجنسية المصرية لأبناء المصرية إلي أن جاء القانون المعدل برقم 154 لسنة 2004 اعتقدنا أننا بصدور القانون الجديد نقضي علي التمييز ضد المرأة المصرية لنستيقظ علي واقع مرير بأننا نعيش في ظل خلل قانوني ودستوري حينما استثني أبناء الفلسطيني واستبعادهم من القائمة كتمييز فئوي غير مبرر يدفع بهؤلاء أن يعيشوا حياة منتقصة وهم داخل وطنهم بلا حق في التعليم والصحة والعمل ويتحملوا كل النفقات كأجانب.
وأن الآوان أن يتغير موقف الحكومة وتعسفها في التعامل مع ذلك الملف وإعادة النظر فيه. فأين المواطنة الحقيقية؟ وأين المساواة في الحقوق والواجبات الذي كفله الدستور؟ لتنتهك الطلبات المقدمة من أبناء المصرية لأب فلسطيني بهذه الصورة ليعاملوا كأجانب يتطلب منهم الحصول علي إذن إقامة يستوجب تجديده من فترة لأخري وهم مصريين100%.
في المقابل نجد الفلسطينية حينما تتزوج من مصري وبمجرد تقديمها لطلب الحصول علي الجنسية المصرية تكتسبها بعد سنتين من تقديم الطلبات فلماذا التمييز؟
القانون برئ لولا الاعتبارات الأمنية
يذكر محمد منيب-المحامي والناشط الحقوقي أن القانون رقم 154 لسنة 2004 المعدل لقانون الجنسية رقم 26 لسنة 1975 ينص في مادته الثالثة علي منح من ولد لأم مصرية وأب غير مصري الجنسية المصرية علي أن يعلن وزير الداخلية برغبته في الحصول علي الجنسية ويعتبر مصريا بصدور قرار الموافقة من الوزير إذا لم يصدر وزير الداخلية قراره المسبب بالرفض, وهذه إجراءات إدارية تنفيذية حفاظا علي الأمن العام.
أما من حيث التطبيق الفعلي فقد تم استثناء أبناء الأم المصرية لأب فلسطيني من منحهم الجنسية المصرية رغم صدور قرار نهائي من قبل محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة بمنح أبناء الأم المصرية المتزوجة من فلسطيني الجنسية المصرية واعتبار عدم منحهم الجنسية حفاظا علي الهوية الفلسطينية كما جاء في قرار الجامعة العربية رقم 1547 لسنة 1959 لايشكل قيدا علي نص القانون, كما يعد لاغيا في ضوء قانون الجنسية الجديد.
ويستطرد منيب حديثه أن الأمر يخضع لاعتبارات أمنية مع ملف إعطاء الجنسية للأبناء الفلسطينيين يستلزم معه توخي الحذر وبموجبه يتم دراسة كل حالة علي حدة قبل أن يتخذ قرار بمنح الجنسية فربما من المتقدمين بطلب يحمل جنسية إسرائيلية لكونه إسرائيلي الأصل أو كان يعمل ضابطا في إحدي المؤسسات العسكرية أو ثبت تورطه في أعمال تخريبية للمصريين أو للعرب, ومن ثم يمثل خطرا علي الأمن القومي لذا يتطلب الأمر موافقة وزير الداخلية مستندا في ذلك علي تقارير المخابرات ما أن يمنحه الجنسية من عدمه حفاظا علي الأمن القومي.
أتوقع أنه أمر ينبغي إعادة النظر فيه لكون هناك الكثير من الحالات الإنسانية ما تتجاوز المحاذير الأمنية حينما تستقر الأمور مع انتخابات مجلس شعب جديدة سيصبح هناك رؤي وتوجهات جديدة يتم بمقتضاها إعادة تعديل التشريعات واتخاذ الإجراءات لكي تتفق مع روح المرحلة المقبلة.
الإدارة ملتزمة بقانون 1975
يحدثنا اللواء شريف عبد الحميد- مدير إدارة الهجرة والجنسية أن مسألة رفض وزارة الداخلية ممثلة في إدارة الهجرة والجنسية لمنح أبناء المصرية من أب فلسطيني الجنسية المصرية جاء إعمالا لما جاء بقرار جامعة الدول العربية رقم 1547 لسنة 1959, والذي يفيد عدم منح الدول الأعضاء جنسيتها للفلسطينيين حفاظا علي هويته وكيانه الفلسطيني تحقيقا للعديد من الاعتبارات القومية التي استلزمت ذلك. أيضا ما جاء في قانون الجنسية رقم 26 لسنة 1975, والذي ينص صراحةأن يعمل بأحكام المعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة بالجنسية التي أبرمت بين مصر والدول الأجنبية ولو خالفت أحكام هذا القانون وهذه المادة ذكرت في كافة القوانين السابقة.
وبسؤاله عن تعديل قانون الجنسية عام1975 بآخر برقم 154 لسنة 2004 وعدم فرض أية قيود علي جنسية الأب بشرط أن يكون الأبناء لأم مصرية ذكر اللواء عبد الحميد أن قانون الجنسية عام2004 المعدل لقانون 1975 تم فيه تعديل لبعض الأحكام وليس تعديلا كاملا ولم يتطرق لهذه القضية, وبالتالي هنا نرجع للأصل في المواد السابق ذكرها في قانون 1975 والذي يمنع فيه منح الجنسية لأبناء المصرية لفلسطيني.
منح الجنسية مشروط بحكم القضاء
ما نشير إليه أنه بقيام بعض الفلسطينيين برفع قضايا وأخذت فيها أحكام مذيلة بالصيغة التنفيذية ومعلنة لهيئة أعضاء الدولة من قبل محكمة القضاء الإداري أو المحكمة الدستورية العليا, تم استدعاؤهم تباعا وقاموا بتنفيذ تلك الأحكام وحصلوا علي الجنسية المصرية والذي بلغ عددهم حوالي 265 حالة حتي الآن اعتبارا من شهر مارس الماضي. وهذا ما بإمكاننا اتخاذه فقط تنفيذ مايبت فيه حكم المحكمة من القضايا المرفوعة في وقتنا الحالي إلي أن يتخذ قرار حاسم لحل المشكلة بعدما وعد الوزير العيسوي بطرح القضية علي مجلس الوزراء لدراسة الأزمة لإنهاء معاناة المصريات المتزوجات من فلسطينيين الذين يواصلن الاعتصامات لاكتساب حقهن والتي أسفرت عن صدور قرار منذ أسبوعين بحسم الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بأنه لامانع من منح الجنسية المصرية لأبناء المصرية سواء كان لأب فلسطيني أو لغيره من الجنسيات وهو ما يعطي بارقة أمل لحل المشكلة في الفترة المقبلة.