يشكل التمييز عارا علي المجتمعات الإنسانية وإهانة للمجتمعات الديموقراطية وخصما من حضارة الدول وتدميرا للاندماج الوطني ويتناقض مع أسس ومقومات الدولة الحديثة المتمثل في حقوق المواطنة.ورغم تعدد أنواع التمييز إلا أن أسوأها والأكثر انتشارا في العالم حاليا هو التمييز الديني.
وفي مصر ينتشر التمييز الديني بشكل سرطاني واسع في كافة مناحي الحياة.
وفي وسط هذا المناخ الكئيب تظهر بقاع مضيئة في أرجاء مصر لتعلن تحديها لهذا القبح المترامي الأطراف ومن هذه مجموعة ” مصريون ضد التمييز الديني” التي أعلنت عن نفسها في أبريل 2006 بعد الاعتداء الآثم علي ثلاثة كنائس في الإسكندرية في ذلك الوقت, لتكتسب مصداقية خلال فترة قصيرة وليلتف حول رسالتها الكثير من العقول المصرية التي ترفض هذا التدهور في وضع الحقوق والحريات الدينية لكافة المصريين . ولهذا جاء البيان التأسيسي لهذه الجماعة المهمة ليعلن ” أن أخطر أنواع التمييز علي مستقبل مصر هو التمييز الديني, لأنه يشطر المجتمع ويكرس ثقافة الفرز ثم العزل ثم القطع والبتر الكامل, مما يقوض دعائم الوطن والمواطنة ولهذا نعلن تأسيس مصريون ضد التمييز الديني كيانا ديموقراطيا مفتوحا لكل المصريين المناهضين للتمييز الديني,
وحذر البيان من إشاعة مناخ هستيري ضد المسيحيين في مصر بواسطة التيارات السلفية علي اختلافها, ومن الحض علي كراهية المسيحيين في مصر عبر الخطب في الجوامع والكاسيت الديني وعبر الإعلام الرسمي والمؤسسات التعليمية”.
ومنذ صدور بيانها الأول في 30 أبريل 2006 أصدرت مصريون ضد التمييز الديني أحد عشر بيانا تناولت إدانة واضحة للكثير من أوجه التمييز الديني في مصر ومن بين هذه البيانات المهمة بيان بعنوان ” لا للاستبعاد من الوظائف علي أساس الديانة” الذي صدر في 28 فبراير 2007 تضامنا مع ميرا رؤوف من كلية طب المنيا وغادة عاطف من كلية تربية عين شمس لاستبعادهما من التعيين في هيئة التدريس بالجامعة لأسباب طائفية واضحة بالرغم من تفوقهما وأحقيتهما العلمية. وأيضا ”النداء لتخليص القوانيين من كل ما يميز بين المصريين علي أساس الدين” والذي صدر في 1 يونية 2007 تضامنا مع محنة المصريين البهائيين وحرمانهم من تسجيل ديانتهم في الأوراق الرسمية. وأيضا البيان الذي صدر بتاريخ 20 ديسمبر 2007 بشأن الاعتداءات علي الأقباط في إسنا , ومن قبله البيان الذي صدر في 28 نوفمبر 2007 تضامنا مع رجل الأعمال نجيب ساويرس ضد الحملة الطائفية التي تحركت ضده , والنداء من أجل الإفراج الفوري عن شادية السيسي في 13 يناير 2008 ضد الحكم الظالم ضدها, وأخيرا الرسالة التي سلمت لوزير التربية والتعليم في 4 مارس 2008 بخصوص الاضطهاد الواقع علي هالة طلعت السيد محمد.
والملاحظ أن هذه البيانات جاءت لتشمل مساحة واسعة من التمييز الديني سواء وقع علي أقباط أو مسلمين أو بهائيين, وسواء تعرضت له امرأة بسيطة مثل شادية السيسي أو رجل أعمال معروف مثل نجيب ساويرس.
وبعد مرور سنتين علي البيان الأول تعقد ” مصريون ضد التمييز الديني” مؤتمرها الأول في 12,11 أبريل 2008 لتنطلق بذلك نحو العمل المؤسسي الفاعل في إتجاه محاربة التمييز الديني في مصر.
عندما بادر محمد منير مجاهد بتكوين جماعة ” مسلمون ضد التمييز الديني” لإدانة ما يقع علي الأقباط من اعتداءات نتيجة إشاعة مناخ هستيري ضد المسيحيين في مصر وبتشجيع من الدولة كما جاء في البيان الأول وقتها , لمست الرسالة الأقباط وأدركوا نبل المقصد فبادروا برغبتهم في المشاركة في هذا الجهد من أجل مصر ديموقراطية خالية من التعصب والتمييز والاضطهاد الديني ومن هنا جاءت جماعة ” مصريون ضد التمييز الديني” أو بروز ما يمكن تسميته بـ ” الجماعة المصرية”. وجاءت الجماعة المصرية للدفاع عن الوطن ضد الأعداء الداخليين,… ضد الفساد والاستبداد وإغلاق العقل ومحاكم التفتيش.
والسؤال: هل ستنجح الجماعة المصرية؟
الأمر ليس بالسهولة ويحتاج إلي جهد جبار وعمل متواصل وقبل ذلك الحرص علي تفادي الآفات التي أصابت العديد من الجماعات والمؤسسات وتسببت في تدميرها من الداخل, ومن هذه الآفات والمحاذير, أولا يجب تحصين العمل ضد الانقسامات, فبمجرد نجاح أي عمل تظهر الأنا ومحاولات الكثيرين نسبة النجاح لأنفسهم والاستحواذ عليه والبحث عن بطولات, فالنجاح ألف أب كما يقولون. وثانيا الانقسامات قد تأتي من الاختراقات الأمنية للمجموعات والتي طالت أغلب الجماعات الفاعلة في مصر بما في ذلك الأحزاب السياسية, فنحن نعيش عصر الدولة البوليسية في مصر وليس عصر ليبرالية ما قبل يوليو, والأجهزة الأمنية المصرية لا تترك جماعة أو منظمة أو حزب أو مؤسسة إلا وتحاول اختراقها وتقسيمها من الداخل إذا فشلت في احتوائها وتدجينها, وثالثا يجب الحذر من المزايدات وفي حالتنا تأتي من فريقين بعض المسلمين المتعصبين الذين يبررون ما يقع علي الأقباط من مظالم والأخطر من هؤلاء هم الأقباط المزايدون, وأي انحراف للجماعة عن إدراك هذا الوضع ومحاولة تغييره هو تضييع وتشتيت للجهد والوقت وحذارا من بعض الأقباط في المجموعة التي تحاول تغيير المسار الحقيقي لإظهار أن الأقباط يضطهدون أنفسهم… فهذا عبث ومناقشته ستؤدي إلي خروج الشخصيات المحترمة من المجموعة ليبقي هؤلاء للسفسطة والمزايدات وفي النهاية عدم إنجاز شئ يذكر.ورابعا يجب التحذير من أي انحيازات سياسية أو أيدولوجية فهذا يفتت المجموعة إلي عدد كبير من المجموعات الصغيرة. وخامسا يجب التحذير من سياسة التوازنات, فهذا بيان يجامل المسيحيين وذاك بيان يجامل المسلمين, فالجماعة اسمها مصريون ضد التمييز الديني ويجب أن تحصر نشاطها أولا وأخيرا في مقاومة هذا التمييز داخل مصر وحدها, ولن تستطيع الجماعة أن تركز في مهمتها لإنجاز شئ معقول وهي تلتفت إلي الخارج, فالتمييز الديني في العالم من الكبر بشكل يصعب حتي متابعته ومن الأجدر والأفيد التركيز علي مصر. وأخيرا أحذر من تحويل الجماعة إلي ناد للتسلية, فالذي يرسل رسالة بريدية أو يوقع علي بيان بدون مشاركة حقيقية في العمل الحقيقي هو شخص يقوم بالحد الأدني أو يتسلي, فكل عمل حقيقي له ضريبة إما وقت أو مال أو تعرض للمخاطر أو تضحية بشكل ما, والذي دخل للمجموعة للتسلية أو تمضية وقت في الدردشة وهو علي المعاش أو في وقت فراغه سيأتي وقت ويمل من هذه الدردشة أو ينسحب بمجرد تكليفه بمسئولية ما.
إن هذا يتطلب من قائد هذه المجموعة دكتور مهندس محمد منير مجاهد أن يتصرف بعقل القاضي وبرؤية المفكر الناضح وصرامة وحزم المدير الناجح … ولحسن الحظ لمست هذه الصفات في شخصيته من متابعتي له علي مدي العامين الماضيين علاوة علي حسه الوطني العميق, ولحسن الحظ أيضا أن حوله مجموعة محترمة تعمل بنشاط وإخلاص… العمل كثير والتحديات أكثر….
[email protected]