هل يتذوق محمد سعد العسل الأسود؟
موسم سينمائي قصير بسبب كأس العالم وشهر رمضان… أفلام تتساقط من دور العرض مثل أوراق الخريف من بينها أفلام لا تخرج عن النكات التي ينتهي أثرها سريعا. وعلي الجانب الآخر نجد أفلاما حتي وإن ظلمها العرض والإقبال الجماهيري المحدود إلا أنها سوف تعيش كثيرا في ذاكرة الفن السابع. وفي هذا التقرير أضع بعض الملاحظات النقدية عن عدد من هذه الأفلام.
اللمبي يعود
يمتلك الممثل محمد سعد موهبة فنية حقيقية وقدرات تمثيلية عالية… ولكنه للأسف لا يريد أن يتعلم من التاريخ, هو يبحث فقط عن الإيرادات وبأي ثمن, ولذلك يعود إلي تقديم الشخصية التي رفعته إلي القمة عام 2002 شخصية اللمبي المترنح دائما دون سكر والذي تتداخل حروفه مكونة كلمات لا معني لها وإن كانت مضحكة وهو بذلك يقتل موهبته في سجن شخصية واحدة. وهو أمر تكرر كثيرا في صفحات تاريخ الفن المصري. فلا أحد يستطيع أن ينكر موهبة الفنان علي الكسار ولكنه سجن نفسه في شخصية البربري عثمان عبد الباسط. الأمر الذي مع الوقت جعلها شخصية تفقد بريقها ووجهها, وجعل الجمهور يمل منها, وانتهي الأمر بالكسار للعمل كومبارس في بعض الأفلام!!. وكرر الفنان محمد عوض شخصية العبيط ووصل لنفس النهاية. بل إننا نجد ممثلين سجنوا أنفسهم في كلمة واحدة وضاعت حياتهم الفنية سدي ومنهم الممثل سيف الله المختار الذي كان يشارك في الكثير من الأفلام بكلمة الله ينطقها بطريقة متفردة. والممثل مظهر أبو النجا المعروف بكلمة يا حلاوة… هكذا فقط.
فلماذا لا يضع محمد سعد هذه الأمثلة نصب عينيه ويخرج من سجن اللمبي الذي قدم علي مدار 8 سنوات متتالية كل التنوعات والاستنساخات الممكنة منها مثل عوكل وبوحة وكتكوت وبوشكاش وعصرها إلي آخر نفس حتي لفظت أنفاسها الأخيرة وشيعها الجمهور في فيلمه الأخير اللمبي 8 جيجا إلي مثواها الفني!!… فهل ينتبه سعد إلي هذا المنزلق ويطور نفسه باحثا عن نص جيد -لا يؤلفه لنفسه- ولا يكون المخرج الفعلي له, أو أن يستمر في طريقه ويكتفي بـالحلاوة.
الثلاثة يشتغلونها
من الوهلة الأولي يبدو الفيلم من أفلام الإفيهات ولكن مع الاستمرار في مشاهدته نجده فيلما كوميديا جيد الصنع… استطاع أن ينتقد بمهارة أسلوب التعليم التلقيني في مصر, وذلك من خلال شخصية نجيبة -المتألقة ياسمين عبد العزيز- والتي تحفظ الكتب من الجلدة للجلدة, وتحقق بذلك نجاحا كبيرا في الثانوية العامة, وتلتحق بكلية الآثار, وفي محاولة للبحث عن عريس تقع في فخاخ ثلاث شخصيات متناقضة, ولأنها لم تتعلم قواعد التفكير السليم فالثلاثة يشتغلونها ويستطيعون ملأ رأسها بما يريدون, فهناك من يجعلها تتنقب ويؤكد لها أن دراسة الآثار حرام وكفر, وهناك من يجعلها تقتنع بالاشتراكية وتحفظ كل مراجعها فهي قادرة علي الحفظ… لكن لا تناقش ولا تفكر ولا تقدر أن تدخل في حوار قصير أو أن تجيب علي سؤال بسيط إذا كان خارج الحفظ. نجح يوسف معاطي في هذا الفيلم أن يقدم كوميديا راقية, ووضع يده علي جرح غائر في مستقبلنا المخيف نتيجة لخروج أجيال عديدة تعلموا بنفس الأسلوب الذي أجادته نجيبة!!.
عسل أسود
نضج أحمد حلمي بعد أن حقق جماهيرية واسعة بكوميديا راقية. استطاع أن يقدم أفلاما ذات أفكار تنتقد المجتمع وخرج بمهارة من دائرة الضحك للضحك ليصبح الجوكر الذي يجمع بين العمق النقدي والإقبال الجماهيري. وفي فيلمه الجديد عسل أسود تأليف خالد دياب وإخراج خالد مرعي نجد سؤالا ملحا طوال أحداث الفيلم هو لماذا نحتفي بكل من هو غير مصري, ونتعامل مع أبناء جلدتنا باحتقار شديد. يأتي ذلك من خلال المواطن المصري -حلمي- الذي يعود من أمريكا بعد غياب دام عشرين عاما رافضا أن يحمل الباسبور الأمريكي في بلده, ولكنه يكتشف من خلال العديد من المواقف أن المصري مواطن درجة ثالثة… وليست له نصف حقوق أي مواطن آخر وذلك داخل بلده!!. وبعد أن يمر بالعديد من المفارقات ويستطيع أن يصل إلي منزله القديم ينضم إلي أسرة جارته أم سعيد -إنعام سالوسة- ليجد الدفء في الأم التي تتكفل بابنها الذي يعاني البطالة -إدوار- وابنتها وزوجها اللذين لا يجدان شقة… ولكن هذا الدفء (العسل) أود لأنه محاظ بالفساد والرشوة والنصب والفهلوة. وكل ما عبرت عنه الكلمات الجميلة في أغنية الفيلم التي وصفت مصر بأنها بلد معاندة نفسها… كل حاجة وعكسها!!. وفي سبيل الوصول إلي بعض الإفيهات والمواقف تمت التضحية بمنطق الأحداث خاصة في تأخير وصول الباسبور الأمريكي الذي تركه في أمريكا.
في سبيل الوصول إلي أن مصر بها أمور جميلة جدا رغم كل سلبيات الحياة فيها… فهي صاحبة اختراع العسل الأسود هذا الفيلم أدعو محمد سعد أن يتذوق منه لعله يعرف مدي أهمية الفن الهادف.
رمضان
ثلاثة مسلسلات أدعوكم لمتابعتها في رمضان القادم رغم زخم الإنتاج المنهمر… هي مسلسل الجماعة الذي يرصد تاريخ وأفكار جماعة الإخوان المسلمين, ولأنه من تأليف وحيد حامد. ومسلسل كليوباترا الذي يقدم حياة أشهر ملكة في تاريخ مصر وتقوم ببطولته سولاف فواخرجي. ومسلسل شيخ العرب همام للنجم يحيي الفخراني الذي لا يكتمل جمال رمضان إلا بأدائه.
em:[email protected]