يري البعض أن تخمة المسلسلات الرمضانية علي قنوات التليفزيون ما بين الأرضية والفضائية يضعف من أثر الدراما علي تشكيل العقول وتكوين الآراء والاتجاهات,ذلك الأثر التراكمي الذي نعني به دائما في تأثير الدراما علي المجتمع,بينما يري آخرون أن هذا التنوع ظاهرة صحية تفيد المجتمع ولا تضره من منطلق أن أحادية الفكر والعرض أشد خطورة علي المجتمع لأنها لا تعطيه بدائل للتفكير ولا تساعده علي توسيع أفقه,والتعرف علي جوانب مختلفة للقضية الواحدة…وإن كنت من أنصار الرأي الأخير فإنني أري أنه رغم التنوع والتعدد في الدراما الرمضانية المتزايد عاما بعد آخر,فقد لاحظت أن هناك عددا محدودا من القضايا التي طرحتها تلك المسلسلات المتعددة,وأنها الأكثر إلحاحا في المجتمع اليوم.
قضية أطفال الشوارع أحد أبرز هذه القضايا التي ناقشتها الدراما الرمضانية في عدة مسلسلات منها في أيد أمينةوبنت من الزمان ده,وقد برعت المسلسلات في تجسيد واقع هؤلاء الأطفال والاقتراب من حياتهم ومشكلاتهم وتداعيات ذلك في مجتمعهم الصغير من ضغوط وانحرافات وظهور فئة بنات الشوارع,وما ينتج عن ذلك من تفريخ أطفال جديدة للشارع لا يعرف لهم أب بعينه,وتشابك خيوط المشكلة التي تحتاج إلي مناضلين في التصدي لها…وقد كشفت الفنانةيسرافي مسلسلها الكثير والكثير من أبعاد القضية,منها عدم الأمانة والصدق لبعض المتظاهرين بالدفاع عن هؤلاء الأطفال,فرجل الأعمال الذي أنفق علي إعلانات البحث عن الطفل المفقود ليرده لأمه كان هو ذاته الذي سرق الطفل!!…كما فجر المسلسل قضية طلاق الزوجين وأنها قد تؤدي إلي انحراف الابن بل وانضمامه إلي صفوف أطفال الشوارع مثلما حدث مع ابن شقيقتها المطلقة..ناهيك عن جرائم الإتجار بالبنات الصغيرات كخادمات للمنازل والذي عبر عنه المسلسل في الطفلة الصغيرة التي لقيت مصرعها عندما سقطت من الشباك وهي تنظف ستائر مخدومتها.
وارتباط ظاهرة عمالة الأطفال بحاجة الأسرة وكثرة الإنجاب…مشكلات طفولية كثيرا ما نوقشت في المؤتمرات إلا أن اهتمام الدراما بها يأتي في وقته رغم ما قدم من انتقاد للفنانةيسراعلي أنها كررت نفسها مابين مذيعة في مسلسل سابقلقاء علي الهواءوصحفية في هذا المسلسل,إلا أنها في الواقع نجحت في عرض قضايا مجتمعية شائكة وملحة مثلما حدث العام الماضي في مسلسلقضية رأي عامالذي ناقش جريمة الاغتصاب.
الصراع بين الخير والشر داخل الإنسان,وضيق ذات اليد,وسيادة الفساد,وتخفيض العمالة الذي يعصف بحياة أسر مستورة,صورة إنسانية اجتماعية تمتعت بدرجة مذهلة من المصداقية في كل صغيرة وكبيرة من تفاصيل الحياة اليومية في مسلسلشرف فتح الباب,الذي تربع علي عرش المسلسلات هذا العام وأثار جدلا مجتمعيا حول أحقية الموظف الأمين الشريف طوال عمره الوظيفي في المليونين اللذين أخذهما في لحظة ضعف واحدة في حياته تحت ضعوظ حياة رهيبة خار تحتها…المسلسل يصلح من وجهة نظري إلي التأمل فكيف تعري الخطيئة صاحبها وتخزيه أحيانا,وكيف تغزل شباكها حوله طالما قبل التفاوض معها,وكيف يستطيع الإنسان أن يحلل لنفسه الحرام أحيانا,ويصر أن يحتفظ بصورة التقوي والشرف والنزاهة أمام الناس رغم أنه يعرف حقيقته الخادعة !!والطامة الكبري أن يصدق كذبته ويعتقد في نزاهته وشرفه!! والأفظع أن الإنسان قد يدخل بنفسه في الحرام فيتورط ولا يعرف منفذا للخروج حتي وإن أراد ذلك يوما,فيصبح الفكاك من شباك الشر أصعب كثيرا جدا من مقاومته أولا…ولكن في النهاية هؤلاء هم البشر وهذه هي تنوعاتهم ومقدراتهم المختلفة..هي صورة واقعية بكل التفاصيل.
الهجرة غير الشرعية ووهم السفر بدون عقد عمل وضياع الأمل تجسد في عدة مسلسلات أيضا.
سفر الزوجين لهثا وراء المال واعتقادا في أنه يؤمن حياة الأبناء ومستقبلهم,بينما الحقيقة أنه يعصف بكيان الأسرة كلها وينسف الحب,ففي مسلسلقصة الأمسللفنانةإلهام شاهينتكتشف الزوجة التي ظنت أنها تملك قلب زوجها الذي تنازلت من أجله عن عملها في السلك الدبلوماسي أنه خانها وتزوج بأخري..وكما يبدو لنا في اسم المسلسلقصة الأمسأنها قضية ليست جديدة إلا أن المسلسل نجح أيضا في عرض ما يختلج في قلب الزوجين كل من وجهة نظره,فإن كان المجتمع يبرر للزوج الزواج بأخري في غربته,فإنه يظهر أيضا ما تعانيه الزوجة من جهة أخري من حاجات نفسية متعددة وضغوط كثيرة لا يغفر لها المجتمع ضعفها إذا حدث مثلما يبرر ذات الفعل لزوجها,كما يناقش المسلسل أثر الفلوس في تغيير النفوس-كما يقال-لأنه الثروة التي كونها الزوجان في الغربة فرضت عليهما أسلوب تفكير مختلفا فيما يخص زواج ابنتهما,إذ رفضا زواجها من ابنه خالتها الذي تحبه منذ الصغر لأنه لم يعد مناسبا!!..ومثل كثير من المسلسلات وجدت الزوجة المطلقة ضالتها في الرجوع إلي عملها وتحقيق ذاتها.
اعترض بعض النقاد علي كم النكد في المسلسلات,وعرضت بعض البرامج لآراء علماء نفس واجتماع معترضين علي التمركز حول التراجيديا..وإن كنت لا أوافقهم الرأي لأنني رأيت مسلسلات كثيرة وبرامج كوميدية..وفي النهاية التنوع يتيح الاختيار حسب ذوق كل إنسان.
[email protected]