تبدو مشاكل العراق أكثر تعقيدا من أي وقت في ضوء القرار الذي اتخذته الحكومة برئاسة السيد نوري المالكي والقاضي بالسيطرة بالقوة علي معسكر أشرف التابع لحركة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة. يطرح القرار تساؤلات كثيرة… في مقدم التساؤلات مدي النفوذ الإيراني في العراق وعمق التغلغل فيه. فما لا يمكن تجاهله أن القرار العراقي جاء في وقت ركزت السلطات الإيرانية علي الدور الذي لعبته مجاهدي خلق في الاضطرابات التي شهدتها ولا تزال تشهدها طهران ومدن إيرانية أخري منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي فاز فيها الرئيس محمود أحمدي نجاد, أقله من وجهة النظر الرسمية.
من الضروري التأكيد, قبل الخوض في النتائج المترتبة علي القرار العراقي والأبعاد المرتبطة به, أن المعسكر يقع علي الأرض العراقية وهو من مخلفات عهد نظام صدام حسين العائلي- البعثي الذي أدخل العراق في متاهات لا يزال البلد يدفع ثمنها حتي الآن. في مقدم هذه المتاهات المغامرة المجنونة التي تمثلت باحتلال الكويت صيف عام 1990 وهي مغامرة جلبت الويلات علي العراق والعراقيين وأنهت النظام نفسه.
مجرد وجود المعسكر علي الأرض العراقية يعني أن من المفترض أن يكون تحت سيادة الدولة, وألا يكون بمثابة جزيرة أمنية في العراق. لا يمكن لأي دولة في العالم, تحترم نفسها بعض الشيء, القبول بالجزر الأمنية علي أرضها, وجود الجزر الأمنية, أيا يكن نوع العناصر المقيمة فيها, يتعارض مع مبدأ السيادة كما يعتبر مؤشرا إلي بداية تفتت السيادة. يظل لبنان أفضل مثل علي ذلك. بدأ انهيار مؤسسات الدولة اللبنانية, كل المؤسسات, لدي توقيع اتفاق القاهرة في عام 1969, وضع هذا الاتفاق المخيمات الفلسطينية خارج سلطة الدولة اللبنانية بحجة أن المقاومة في حاجة إلي حماية نفسها, ومع الوقت تكرس هذا المبدأ وباتت الجزر الأمنية قاعدة معمولا بها في لبنان بحجة المقاومة وما شابه ذلك من مبررات لا تصب في نهاية المطاف سوي في خدمة إسرائيل.
من هذا المنطلق, يمكن القول من حيث المبدأ أن الحكومة العراقية علي حق عندما يتعلق الأمر بوجود معسكر يضم عناصر معادية للنظام في إيران وغير إيران. لا مصلحة لأي حكومة عراقية في أن تكون هناك قاعدة عسكرية تستخدم نقطة انطلاق للمعارضة الإيرانية, خصوصا أن منظمة مجاهدي خلق تعتبر في نظر دول عدة بما فيها الولايات المتحدة منظمة إرهابية. ولكن يظل السؤال الأساسي لماذا الآن, لماذا الهجوم علي المعسكر بهذه الطريقة الوحشية بدل العمل بالاتفاق مع الأمريكيين الذين ما زالوا يحتفظون بما يزيد علي مئة وثلاثين ألف جندي في الأراضي العراقية علي إيجاد مخرج ما يحفظ ماء الوجه لحكومة المالكي؟
ظهرت الحكومة العراقية بعد الهجوم الذي تعرض له المعسكر وكأنها تنفذ تعليمات إيرانية لا أكثر. لماذا لم يساعد الأمريكيون العراقيين في تفادي الوصول إلي الوضع الراهن, علما بأن مسألة مستقبل الوجود العسكري لـ مجاهدي خلق في العراق مطروحة منذ اليوم الأول للاحتلال الأمريكي لهذا البلد في إبريل من عام 2003, أي منذ ما يزيد علي ستة أعوام.
لم يكن تصرف الحكومة العراقية مستغربا, كان التصرف طبيعيا بكل معني الكلمة. كل ما في الأمر, أن إيران كانت المنتصر الوحيد من الحرب الأمريكية علي العراق. أدي الاحتلال الأمريكي إلي فراغ في العراق, سارعت إيران إلي ملء الفراغ لا أكثر ولا أقل. من يتحمل مسؤولية ما حصل هو الإدارة الأمريكية التي تأخرت في معالجة قضية شائكة من نوع معسكر مجاهدي خلق.
في مرحلة معينة تلت الاحتلال مباشرة, بدا أن الأمريكيين يريدون التخلص من المعسكر, فجأة غيروا رأيهم في ذلك ووجدوا أن في الإمكان الاستفادة من مجاهدي خلق ضمن عملية التجاذب بين واشنطن وطهران. ترك الأمريكيون العبء للحكومة العراقية التي لم يعد أمامها سوي القرار القاضي باقتحام المعسكر, خصوصا أن قياديي مجاهدي خلق معروفون بأنهم ليسوا من النوع الذي يحب الأخذ والرد كثيرا… بكلام أوضح لا وجود لما يسمي مرونة لدي مجاهدي خلق انها منظمة فاشية من مخلفات الماضي تؤمن بالعنف والانضباط الحديدي.
كشف اقتحام المعسكر مدي النفوذ الإيراني في العراق, خصوصا بعد خروج الأمريكيين من المدن في اليوم الأخير من يونيو الماضي. سيتوجب علي الأمريكيين الآن أخذ العلم بأن خروجهم من العراق لن ينهي مشاكل العراق ولا مشاكلهم في العراق أو مع العراق. صحيح أن الوضع في إيران مقبل علي تغييرات كبيرة وأن إيران ستكون في غضون بضعة أشهر مختلفة نظرا إلي أن علي أي رئيس جديد سيخلف أحمدي نجاد الانصراف إلي معالجة الوضع الداخلي للبلد وهو وضع مهترئ إلي حد كبير, لكن الصحيح أيضا أن مشاكل العراق عائدة إلي عوامل أخري, من بين هذه العوامل الغرائز المذهبية التي أفلتت من عقالها والتي لم تفعل حكومة المالكي شيئا من أجل كبحها. علي العكس من ذلك, يتبين يوميا أن ثمة مخاوف من قيام نظام جديد يشبه إلي حد ما نظام صدام حسين مع فارق أنه سيكون ذا طابع شيعي صرف ومتزمت.
إن قيام مثل هذا النظام هو الذي سيثير مشاكل كبيرة للأمريكيين مستقبلا, بغض النظر عما ستؤول إليه الأوضاع في إيران, خاصة وأن الأكراد بدأوا يعون أن مجال التفاهم مع الحكومة الحالية ضيق جدا, هذا إذا لم يكن معدوما, علي الرغم من الزيارة الأخيرة التي قام بها السيد المالكي لكردستان. من يستطيع التكهن بكيفية إيجاد حل لمشكلة اسمها مدينة كركوك, علي سبيل المثال وليس الحصر؟
ما الذي فعله الأمريكيون بالعراق؟ من الباكر الإجابة عن السؤال. الأكيد أن مشاكل العراق لن تنتهي باكرا. كان اقتحام معسكر مجاهدي خلق القريب من بغداد مثلا حيا علي ذلك, وعلي وجود وضع في غاية التعقيد يسعي الأكراد إلي الحد من انعكاساته عليهم.
* الرأي العام الكويتية