ورد فى أكثرمن مشهد أنّ الإخوان المسلمين كانوا ضد الإنجليز، وهذا يؤدى إلى إعجاب المشاهد بهم باعتبارهم جماعة وطنية ضد المحتل، بينما ماحدث عكس ذلك تمامًا. إذْ كيف كانوا ضد الإنجليز، بينما بدايتهم قبول تبرعهم؟، حتى ولوكانت الحجة “هذا ما لنا لا مال الخواجات والقناة قناتنا إلخ”، يؤكد ذلك أنّ الإخوان لم يكن لهم أى موقف إيجابى ضد الإحتلال، وفى شهادة مؤرخ محايد هو طارق البشرى كتب “الحقيقة أنّ الجماعة برغم ما كان يصدرعن قادتها من تعريض بالاستعمار أحيانًا أو الهجوم عليه. كانت أقل التنظيمات السياسية المصرية تعرضًا للمسألة الوطنية وتحديدًا للموقف إزاءها.. وفى رسالة (نحو النور) ما يُسمى بالموبقات العشر، ورد الاستعمارعلى رأسها . ثم تضمنتْ خمسين مطلبًا، لم يرد بها مطلب واحد يتعلق بالجلاء أو الاستقلال. واكتفت بعبارة “تقوية الروابط بين الأقطار الإسلامية والعربية تمهيدًا للتفكيرالجدى العملى فى شأن الخلافة الضائعة” ومطلب عودة الخلافة كان يصب فى صالح الملك فؤاد الذى تمنى أنْ يكون هوالخليفة بعد إلغاء الخلافة فى تركيا عام 1924″. وكان تعليق البشرى “إنّ مطلبًا كمطلب الخلافة رغم الغموض البادى فى تحديد علاقته بمفهوم القومية المصرية ومفهوم الحرية.. هذا المطلب لم يكن فى ذاته ليُثيرعداء الاستعمارمالم يتضمن موقفًا صريحًا معاديًا للاستعمار”، وفى عام 1947رأت الجماعة تكوين إتحاد يجمع الهيئات الإسلامية فى تنظيم واحد ، فكتب أ. البشرى ((يُلاحظ على البرنامج الذى أعلنه اتحاد الهيئات الإسلامية أنه لم يكن هدفه تكتيل هذه الهيئات فى مواجهة الاستعمار ومن أجل الحركة الوطنية. فى ذات الوقت الذى كان مجلس الأمن ينظر فيه مسألة مصر. كما حرص البرنامج على مهاجمة التنظيمات والهيئات الوطنية والشعبية باسم “محوالعصبيات الحزبية والمذهبية والآراء الهدامة”، وعندما خرجتْ الجماهيرالشعبية تهتف :”لا مفاوضات ولا معاهدة.. يسقط الاستعمار.. الجلاء بالدماء”، استعان سليم زكى حكمدار العاصة بالشيخ حسن البنا لتهدئة الحال، فطلب البنا من المتظاهرين الانصراف، فطاوعه البعض ولكن بقيتْ المظاهرات مشتعلة إلخ”، وعندما رفع اليسارشعار (الكفاح المسلح) كانت قيادات الإخوان “تجمع السلاح خفية فى تنظيم سرى دون أنْ تُعلن منهجًا يتعلق بالكفاح المسلح لانتصارالحركة الوطنية”، وبناءً عليه “بقيتْ الجماعة فى عمومها بعيدة عما تتطلبه موجبات الكفاح الشعبى”، كما أنّ موقف الجماعة بعد إلغاء معاهدة 1936كان بالغ الميوعة بل “وعزوفها الصريح عن الارتباط بالحركة الثورية. وسياسة المرشد العام وقيادة الجماعة فى الابتعاد عن خوض الكفاح المسلح فى وقت نادتْ فيه جميع التيارات الثورية بالدعوة إليه” (الحركة السياسية فى مصر- 45/1952- دارالشروق- ط 2 عام 83- أكثرمن صفحة).
ورد فى المسلسل أنّ الإخوان مع محاربة اليهود فى فلسطين، وكان المؤلف موضوعيًا عندما ذكر هجومهم على محلات اليهود المصريين (مع أنهم جزء من الاقتصاد المصرى ويعمل لديهم مصريون) ولكنه لم يتعرّض (دراميًا) لحقيقة موقفهم التاريخى الذى لخصه البشرى قائلا: إنه لما احتدمتْ أزمة فلسطين نشطتْ جماعة الإخوان التى وجدتْ فى الأزمة فرصة لها للتوسع، وذكر د. هيكل أنه خلال حرب فلسطين قويتْ شوكة الإخوان (قوة يُخشى بأسها) واعتبروها حربًا دينية وتطوّع عدد غير قليل منهم. أما أحمد حسين فذكرأنّ معركة فلسطين أمدتهم بفرصة ذهبية لحشد السلاح والتمرن على استعماله تحت ستار تجهيزالمتطوعين إلى فلسطين، بينما يعدونها لإحداث انقلاب فى مصر بالقوة (المصدرالسابق ص 269، 270)
وبالنسبة للجهاز السرى ركز المسلسل على دورعبد الرحمن السندى، بينما الوقائع تؤكد أنّ هذا الجهاز كوّنه حسن البنا عام 1942 ليكون كتيبة عسكرية سرية مسلحة للتدريب على حمل السلاح وإلقاء القنابل (كما أشار المسلسل)، وكان يقود هذا الجهاز حسين كمال الدين، وصالح عشماوى، وإبراهيم الطيب، وعبدالرحمن السندى، ولكنه كان خاضعًا لسيطرة البنا شخصيًا. وإنّ نظام الجماعة يُركزالسلطات كلها فى يد (المرشد) وليس لمكتب الإرشاد إلاّ وجود استشارى، ويتولى المرشد القيادة طوال حياته بغير تحديد لمدة معينة (كتأكيد على الطابع المنافى للديموقراطية) يتسق مع هذا قول البنا إنّ “لشورى غيرملزمة”، وأنه كان حريصًا على تربية الأعضاء على (الطاعة العمياء)، واعترف البنا فى (مذكرات الدعوة والداعية) بأنّ المخالفين له فى الرأى يتبعون الشيطان الذى زيّن لهم ذلك. وأنهم من (الخوارج) ووجوب أخذهم بالحزم. وأنّ من يشق عصا الطاعة (فاضربوه بالسيف كائنًا من كان) ووفق صياغة المرحوم خليل عبد الكريم فإنّ مثل هذا الآخرالمختلف “لا دواء له إلاّ السيف. ولذلك لم يكن من باب المصادفة أنْ يحمل شعارالإخوان سيفان حول المصحف. إنهم المصحف ومن عداهم سيفان : أحدهما لمخالفيهم من المسلمين والسيف الآخر لغيرالمسلمين وهذه هى المهمة التى قام بها الجهاز الخاص كما تنطق بذلك صفحات حزينة من تاريخ مصرالحديث”، (الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية- سينا للنشر- ص 39)، وعن الجهازالخاص الذى اغتال مصريين ودمّر ممتلكاتهم، أشار معظم المؤرخين إلى خطورته من بينهم صلاح عيسى الذى ذكر “أنه تنظيم حديدى نادرالمثال” (من مقدمته لكتاب الإخوان المسلمين لـ ريتشارد ميتشيل- ترجمة عبد السلام رضوان- ص 21)، وذكرصالح عشماوى أنه عندما هاجم إحدى هيئات الحكومة، طلبتْ منه أنْ يعدل عن هجومه أو تقديمه للمحاكمة فرفض، ولكن البنا قال له :”كتب يا صالح مايُطلب منك”، وذكر أحمد حسين أنّ حكومات الأقلية موّلتْ جيش (الجوالة الإخوانى) لمحاربة شباب حزب الوفد.
يُحسب للمؤلف الدخول إلى أرض الألغام الأصولية. وكان مسلحًا بالعديد من المراجع ، ولكنه دخل مقيدًا بسلاسل المحظورات التى تفرضها الثقافة السائدة، وعلى رأسها حظر ترسيخ (الحقائق كاملة)، وإنْ كنت أشكرالمؤلف على محاولته، فإنّ عقلى الحر يتطلع إلى يوم تتحطم فيه سلاسل المحظورات، ودون ذلك ستظل الدراما الشعبية (حتى الجادة) تدورحول أنصاف الحقائق، الأمر الذى يؤدى إلى التعتيم من ناحية ويتسبّبْ فى بلبلة (جمهور المشاهدين) الذين لم يطلعوا على الوثائق من ناحية أخرى.
——————-
م.م
16-9-2010