الأهوار العراقية أكبر الأنظمة الطبيعية للأراضي الرطبة البحيراتفي العالم وكانت تغطي مساحة تتراوح ما بين 15و20 ألف كيلو متر مربع أي ضعف مساحة مستنقعات إيفرجليدزفي ولاية فلوريدا الأمريكية وتشكل مثلث عظيم تقع رؤسه في ثلاث محافظات منها البصرة وهي موطن لحضارة وثقافة ضاربة في أعماق التاريخ تمتد لأكثر من خمسة آلاف عام.
تعود بدايات المشاكل التي واجهت تلك المنطقة إلي خمسينيات القرن الماضي عندما بدأت مياه الصرف الزراعي تتسرب إليها لكن التهديدات الأكثر جدية جاءت في عام 1991 عندما شرع نظام صدام حسين في تأديب عرب الأهوار الذين تمردوا علي حكمه بتجفيف الأهوار لحرمانهم من سبل العيش والبيئة الطبيعية التي تسهل لهم الانتقال والاختباء وذلك من خلال بناء شبكة كبيرة من السدود والقنوات لتحويل المياه بعيدا عن المنطقة التي قدرت مساحتها حينذاك بنحو تسعة آلاف كيلو متر مربع,كما جلبت مشاركة أبناء الأهوار في انتفاضة الجنوب العراقي عقب حرب العراق مع الكويت غضب صدام فقام بترحيلهم وتدمير قراهم.
وترافقت جهود نظام حسين لتجفيف الأهوار آنذاك مع مشاريع تحويل المياه وتخزينها التي أقيمت علي نهري دجلة والفرات في الدول المجاورة للعراق وإقامة مالايقل عن 60 سدا للتحكم في سريان المياه في النهرين الأمر الذي أفضي إلي تراجع كبير جدا في كميات المياه المتدفقة إلي الأهوار وكان الدمار شاملا للبيئة والبشر,ليس في العراق وحده وإنما في المنطقة بأكملها كما أدي إلي تملح التربة وافتقارها للطمي وبالتالي الخصوبة وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلي أن نحو 200 ألف من عرب الأهوار أجبروا علي الرحيل من موطن أجدادهم.
تنبه المجتمع الدولي للمشكلة متأخرا نسبيا, ففي عام 2001 قام برنامج الأمم المتحدة للبيئة بتنبيه العالم وإلي تلك الكارثة, ونشر صورا بالأقمار الصناعية يظهر فيها زوال 90% من هذه المناطق الرائعة والنظام المعالج لمياه نهري دجلة والفرات قبل أن تصب في الخليج العربي الموطن الأصلي لأنواع نادرة من الكائنات الحيةومع بداية عام 2003 كانت حالة الأهوار تسير من سييء إلي أسوأ, وخشي الخبراء زوال الأهوار نهائيا بحلول عام .2008
ميلاد جديد
مع سقوط نظام صدام حسين في منتصف عام 2003 كان لحظة ميلاد جديد للأهوار, إذ سارع أبناؤها إلي فتح السدود التي كانت تمنع المياه عن المنطقة وتدفقت الحياة مجددا إليها وبعد عقد من التدهور عاد 40% منها إلي الحالة الأصلية التي كان عليها في السبعينيات هذا ما أظهرته صور الأقمار الصناعية للمنطقة التي التقطتها برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
تنقسم الأهوار إلي :أهوار شرقيةهور الحويزةوتقع شرق دجلة, وأهوار وسطي تمتد من غرب دجلة حتي الفرات, وأهوار جنوبية هور الحمار وتشغل جنوب الفرات وغرب شط العرب, أما من الناحية البيئية فيمكن تصنيفها إلي أهوار دائمة تنتشر فيها نباتات البوص والقصب بكثافة, وأهوار موسمية يغطي قصب البردي أقساما كبيرة منها إلا إنها جفت في الخريف والشتاء, وأهوار مؤقتة يرتبط وجودها بحدوث الفيضانات وارتفاع مستوي المياه في الأنهار.
جنات عدن
تقول التوراة إن مكان الأهوار كان موقع جنة عدن وتاريخيا تعد أكبر نظام بيئي مائي في غرب أوراسيا وهي جنة مائية وسط الصحراء القاحلة وكانت تزخر بكل أشكال التنوع والثراء البيولوجي وتحتضن العديد من أنواع الحياة البرية المهددة بالانقراض .كما أن لها دورا بيئيا هائلا علي المستوي الكوني لاعتبارها محطة في رحلة الطيور المهاجرة ودعم مصايد الأسماك علي شواطيء الخليج.
لذلك كان تأثير تجفيفها مدمرا علي الحياة البرية وربما يكون قد أفضي إلي انقراض عدد غير قليل من الثدييات والطيور والأسماك وأدي إلي تهديد بقاء نحو أربعين نوعا من الطيور المهاجرة وانخفاض أعدادها علي مستوي الكون علي نحو خطير.
جزر من القصب
ولسكان الأهوار أسلوب حياة فريد منذ آلاف السنين, وقد خلدت الحضارة السومارية البيوت والقوارب المصنوعة من القصب, وعلي مر السنين طور سكانها أسلوب التعايش مع البيئة المائية المحيطة بهم والاستفادة منها, فكانوا يعيشون علي جزر في الأهوار شيدت كلها بالقصب.
مشاريع لاستعادة الأهوار
في أواخر يوليو 2005 أعلن برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة عن مشروع بتمويل ياباني قيمته 11 مليون دولار هدفه توفير مياه الشرب وشبكات الصرف في منطقة الأهوار.
تتصاعد الجهود الإقليمية والدولية لإعادة الحياة لأهوار العراق التي تحتاج إلي مالا يقل عن 250 مليون دولار خلال فترة زمنية تتجاوز عشرة أعوام, فقد خصصت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أربعة ملايين دولار في إطار برنامج للإصلاحات الهندسية وللتخلص من السدود لزيادة تدفق المياه إلي مناطق الأهوار مرة أخري وإعادة بناء منازل في تلك المناطق التي هجرها سكانها.
فساد مالي
اشتكي برلمانيون عراقيون من فساد مالي وإداري وسرقات أضاعت مليارات الدولارات خصصتها الدول المانحة لإعمار العراق والتي بلغت 56 مليار دولار, وأشاروا إلي أن هناك ملايين الدولارات تم تخصيصها لإعادة تأهيل الأهوار لكنها ضاعت ولا أحد يدري أين ذهبت, أيضا سوء التخطيط الذي رافق إعادة المياه إلي الأهوار, فمثلا لم يتم حفر الأنهار الزيادة عمقها وتنظيمها بل تدفق الماء بصورة عشوائية مما كلف الحكومة مبالغ إضافية تشتمل علي تنظيفها كذلك تعتبر المدن المحيطة بالأهوار منخفضة المستوي قياسا لمدن أعالي ووسط العراق مما يهددها بالغرق لأي زيادة في منسوب المياه وكان الأحري قبل غمر الأهوار مد زيادة رقعة الأراضي لتلك المدن وبناء السدود والأكتاف الواقية التي تبعد خطر الفيضانات المحتملة.
مبادرة سكان الأهوار
يبدو أن سكان الأهوار أصابهم الملل من انتظار من يعيد الحياة لأراضيهم لذلك بدأوا بأنفسهم غمر خمس مناطق بالمياه مجددا من خلال فتح بوابات السدود الصغيرة وإحداث ثغرات وفتحات في الضفاف الاصطناعية المانعة لتدفق المياه بعد أن جفت إبان النظام السابق.
وبينما يذكر الخبراء أن الحياة بدأت تعود للنباتات الطبيعية في المناطق التي أعيد غمرها بالمياه أعربوا عن قلقهم من أن الجهود غير المنسقة قد تؤدي إلي تلوث الأهوار بالأملاح وعناصر معدنية أخري ودعوا إلي مراقبة المناطق التي أعيد غمرها لفترة قد تطول وذلك لتسجيل مستوي الأملاح والمعادن والمواد السامة.
معاناة من نوع آخر
لم تلبث هذه المنطقة أن تستعيد حيويتها حتي صارت مطمعا لوجود احتياطات نفطية غير مستغلة بها لذلك اتجهت الأنظار نحوها ومن المتوقع أن تشهد أنشطة تنقيب مكثفة وبعد أن عانت من التجفيف في عهد صدام حسين يبدو أنها ستعاني من الأنشطة النفطية قريبا مع وجود دلائل علي أن شركات النفط بدأت منذ سنوات قليلة في الانقضاض عليها في ثياب مشروع براهه وهو عدن تعود تحت دعوي الإصحاح البيئي في الأهوار باستخدام جانب من أرباح النفط المستخرج منها, ورغم أن المجتمع العالمي لايستطيع كشف النوايا لكن بإمكانه استقراء المستقبل علي ضوء خبرات الماضي.
لذلك علي المجتمع الدولي التنبه حتي لا تنهار الأنظمة البيئية لهذه المنطقة بعد أن عانت سنوات طويلة,وذلك ليس من أجل العراق فقط,ولكن لارتباطها الوثيق بالنظام الكوني العالمي.