تثار في هذه المرحلة تساؤلات عديدة: ماذا بعد انتهاء انتخابات اليونسكو سواء نجح الوزير فاروق حسني في معركة الترشيح أو فشل… هل ستبقي وزارة الثقافة علي ما هي عليه؟… وما موقف المثقفين من الوزارة باعتبارهم يمثلون عقل ووجدان المجتمع؟..
ماذا فعلت الوزارة طوال السنوات الماضية,هل حققت الهدف المنشود منها وهو إكساب الشخصية المصرية معارف حول تاريخها وصيانة مقدرات هذا الوطن من تراثه ورعاية مكتسباته الإبداعية الناتجة عن عطاء أفراده,أم كان لها توجه آخر.
أجرت وطني هذا التحقيق عن الوزارة لمعرفة ما لها وما عليها, وما الدور المطلوب منها في الفترة القادمة…
اللحاق بالثقافة الرقمية ضرورة
يؤكد الدكتور عصام عبد الله – أستاذ الفلسفة بآداب عين شمس – أنه مطلوب من وزارة الثقافة في المرحلة القادمة أن تتخلي عن فكرة المهرجانات وإقامة المعارض والاحتفالات وأن تتحول إلي نشاط هدفه الأساسي إنتاج ثقافة حقيقية,ورعاية المثقفين وإبداعاتهم… وهنا يتساءل: كيف لوزارة بقيمة وثقل وزارة الثقافة أن تكون معظم أنشطتها إقامة الاحتفاليات,إن هذا ليس دور مصر,مصر غنية بالمبدعين,فأين وزارة الثقافة من هؤلاء,يجب أن تحدد موقفها وبوضوح هل هي مع الإبداع أم ضده؟ إن موقفها محير جدا,لأنه ليس من المنطق أن ندافع عن الدكتور سيد القمني والشاعر حلمي سالم وفي نفس الوقت نصادر مجلات وكتبا لكتاب آخرين,فلا يجب أن يكون دورها رقابيا بل بالعكس يجب أن تراعي الإبداع وأن يكون شغلها الشاغل هو احتضان المبدعين.
ويستطرد الدكتور عصام قائلا: إن العالم العربي سبقنا,ويجب أن نحاول اللحاق به,وأن نركب موجة الثقافة الرقمية,فأين نحن من النشر الإلكتروني ومن الثورة الإلكترونية؟ يوجد علي عدة مواقع إلكترونية كل ما كتب من بداية الخليقة وحتي الآن,فما الذي يمكن أن تفعله وزارة الثقافة لمواكبة هذا التطور الهائل في عالم الثقافة؟
لا شك أن الوزارة تهتم بالترجمة,لأنها أساس التواصل مع الآخر ولكن يجب عليها أن تختار الكتاب المناسب للترجمة,فالكتاب الصعب لا داعي لترجمته,كما أنه مطلوب عملية مسح للخريطة المعرفية في العالم. وأن نواكب الدول العربية التي سبقتنا كمصدر للإنتاج الثقافي مثل (تونس – لبنان – الخليج – المغرب) إن نسبة التطرف الفكري في تزايد,فيجب أن نطلق يد الثقافة,فالفكر لا يقاوم إلا بالفكر,ولأن للثقافة تأثير السحر علي العقول, يجب أن يكون هناك تنسيق بين وزارات الثقافة والتعليم والإعلام لعمل استراتيجية وتكوين منظومة متكامل للقضاء علي أمراض المجتمع,والذي يأتي في مقدمتها الهوس الديني فإن الوزارة تحتاج إلي خطة جديدة من أشخاص جدد والبحث عن المثقفين الحقيقيين والمبدعين لأنه كما قال أينشتاين الذي صنع المشكلة لا يستطيع أن يحلها.
أين حركة الترجمة؟
وقال الأديب فؤاد قنديل رؤية مثقفة إلي حد كبير ورؤية الدكتور عصام عبد الله: إن وزارة الثقافة وزارة ضخمة – الدور المنوط بها كبير للغاية – ونشاطها ملموس ومهم ولكن غير كاف بالمرة,فهناك مهام كثيرة يجب أن تلتفت إليها الوزارة,أولها أن تعيد التفكير في الطريقة التي يتم بها اختيار القيادات التي تتولي الإشراف علي المؤسسات والهيئات لأنه مشوب بعيوب كثيرة,وليس هناك دراسات كافية لاختيارهم,ومن ثم يترتب عليها الكثير من الأخطاء,فضلا عن كثير من النفقات المهدرة,ومن عيوب الوزارة أيضا وجود عدد كبير من المستشارين,دورهم غير محدد ولا يقومون بتنفيذ مهمتها الأساسية وهي التثقيف,وهذا لا تقوم به في الغالب أي جهة فالدور يلقي علي عاتق هيئة قصور الثقافة,لكن في الحقيقة دورهم محدود جدا.
أما المكتبات عددها محدود للغاية كما أن المكتبات التي تقام لا يتم تدريب العاملين فيها علي كيفية التعامل مع الرواد أو اجتذاب القراء,وعلي الرغم من الجهود المبذولة لترميم الآثار والحفاظ عليها,إلا أن مازال البعض منها يتعرض للسرقة.
ويضيف: لكن هذا لا ينفي أن الوزارة قامت بإنجازات كثيرة ومؤثرة من ينكرها يكون جاحدا فاهتمت بنشر الكتب وإقامة الندوات وتنظيم مؤتمرات للإبداع سواء للرواية أو الشعر أو القصة,كما أنها خصصت سلاسل كثيرة لنشر الإبداع ولكن أقل مما يجب.
أطلب من الوزارة في المرحلة القادمة – والكلام ما زال لفؤاد قنديل – ترجمة الأدب المصري إلي اللغات العالمية,فقد قامت بترجمة 100 كتاب,ولم تكن موفقة من حيث الترجمة والتوزيع والدعاية لذا عليها أن تختار بعناية نوعية الكتب وأن تتفق مع دور نشر أجنبية للترجمة مع الاشتراك في التمويل كما أرجو أن تبذل جهودا أكبر لخدمة الثقافة المصرية لاسيما في مجال التثقيف وكذلك يجب أن يكون للتعليم دور تثقيفي,لأن التعليم الآن ينفر الشباب من القراءة والفنون والثقافة والعلوم.
المسارح المغلقة… لماذا؟
ويذكر الأديب والناقد المسرحي أمين بكير أن الفنان فاروق حسني من أنجح وزراء الثقافة فهو امتداد لثروت عكاشة,وابن بار من أبناء مصر,فهو اهتم بالآثار والثقافة ونظم المهرجانات والمسرح الثقافي والتجريبي,كما اهتم بالسينما واتسعت دائرتها من مصر إلي الدول العربية والعالمية وأصبح صوت الثقافة المصرية مسموعا.
ولكن يجب علي الوزارة أن تقوم بإعادة فتح المسارح المغلقة بسبب الهدم,والمسارح غير المتطورة مثل (مسرح القاهرة – عماد الدين – سينما ستوديو مصر) والتي أصبحت وكرا للحرامية والباعة الجائلين,كما يجب أن نقوم ببناء مسارح جديدة وأن يكون في العاصمة أكثر من مسرح متميز.
ويستنكر أمين بكير موقف معهد الفنون المسرحية الذي يقبل الحاصلين علي الثانوية العامة أو ما يعادلها ليلتحقوا بأقسام المعهد المختلفة في التمثيل – النقد – الإخراج! والنتيجة خروج ممثلين بلا عمل,بعكس المسرح القومي الذي يلتحق به يعرف علي الفور طريقه للنجومية وأن مأساتنا الحقيقية مع التعليم العالي والتعليم المفتوح اللذين يؤديان إلي تراجع المستوي العلمي والثقافي.
ويشير أمين بكير إلي ضرورة محو الأمية الثقافية بين الشباب,فالوزارة مهمتها الأولي هي الثقافة وهيئة الكتاب نشطة جدا في هذا المجال خاصة مشروع القراءة للجميع,ولكن نحن في احتياج لتخفيض سعر الكتاب والجريدة بشكل خاص.
رسالة
أما الكاتبة سلوي بكر تحدثت عن أن المطلوب كثير جدا وقالت: أوجه للوزارة رسالة قصيرة,فحواها إذ لم تكن المؤسسة الثقافة بالدولة معنية بأنها وسيلة من وسائل التنمية,فأن كل الأدوار سوف تكون هامشية وغير مجدية,لذا يجب عمل خطة لتغيير المفاهيم السائدة وكل الحياة والعمل والثقافة والعلاقات الإنسانية. لأن التنمية الثقافية هي أساس تقدم الشعوب ورقيها.