يسمع كثير منا عن مستعمرة الجزام ومستشفي الجزام بأبي زعبل بالقيلوبية وكلما سمع أحد عن الجزام فزع من الكلمة ومن المرض لأنه مازال راسخا في الأذهان أنه مرض معدي ومخيف…ولكن الأمر بات مختلفا مع التقدم في العلاج الذي حد كثيرا من المرض وساعد كثيرا من المرضي علي ممارسة حياتهم إلي حد ما بشكل طبيعي, أيضا لم تكن مستعمرة الجزام بمن فيها من مرضي ومستشفي معزولة كما في السابق,ولكنها أصبحت جزءا من مجتمع بدأ يخرج للنور ويصنع سعادة وفرحا من الحزن ليقدم شبابا وأطفالا أصحاء يشاركون في بناء الوطن,وذلك بفضل خدمة المجتمع المدني في تلك المنطقة…ذهبنا إلي مستعمرة الجزام بمن فيها لنقترب وندنو خطوة خطوة من ذلك المجتمع البسيط لنتعرف عليه أكثر.
عند وصولنا إلي مستعمرة الجزام والتي يطلق عليهاعزبة صفيح أوعزبة الشهيد عبد المنعم رياض وجدنا حياة عادية جدا و أشخاصا أصحاء ومباني حديثة, القليل منها من الطوب اللبن وشبكة مياه وكهرباء,ويرجع الفضل الأكبر في ذلك لكاريتاس -مصر والتي غيرت كثيرا من حال المستعمرة لما كانت عليه في السابق.
داخل مركز كاريتاس- مصر بمستعمرة الجزام قالت الراهبة فاتيما ماريا: إن المركز هنا به حضانة لأطفال المستعمرة,تبدأ من عمر 3سنوات إلي 6سنوات وتضم 150 طفلا نقوم بتعليمهم القراءة والكتابة,وفي محاولة منا لسد النقص في الغذاء الذي يعاني منه الأطفال نقدم لكل طفل كوب لبن,وأيضا يوجد بالمركز مستوصف طبي يتم من خلاله الكشف علي الأطفال بالقرية والحضانة وأهل المستعمرة بأجر رمزي,وتقديم بعض الأدوية مجانا بالإضافة إلي وجود ناد بالمركز للأطفال والشباب,بالإضافة إلي رحلات ترفيهية للشباب إلي القاهرة والمصايف,مشيرة أنه كان لا توجد مدارس بالمستعمرة حتي العام الماضي حيث تم إنشاء مدرسة إعدادية ونظرا لصعوبة المواصلات والفقر نقوم بنقل جميع التلاميذ بسيارة تابعة للمركز إلي المدارس في المناطق المجاورة ذهابا وإيابا, ويتلقي عدد كبير الآن من شباب المستعمرة قسطا من التعليم ويحصلون علي مؤهلات متوسطة وأيضا بعض المؤهلات العليا,بالإضافة إلي فصول التقوية التي نقدمها ومحاضرات التوعية الصحية.
أضافت: يوجد بالمركز مشغل لتعليم فتيات وسيدات المستعمرة أعمال التريكو والحياكة وأشغال الإبرة ويتم تعليمهم القراءة والكتابة وفي هذا الإطار ذكرت أنعام أحمد منصور زوجة أحد مرضي الجزام المتوفين أنها تعمل هنا في المشغل منذ16 عاما وتقوم بحياكة الملابس نظير أجر يساعدها علي الحياة.
تحدث إلينا مجدي جرس المدير العام المساعد لكاريتاس- مصر والذي رافقنا طوال الرحلة قائلا: تعمل كاريتاس في مستشفي الجزام ومستعمرة الجزام منذ عام 1979 بموجب شراكة مع الهيئة الألمانية لمساعدة مرضي الجزام وأسرهم والهيئة البلجيكية ووزارة الصحة-قطاع مكافحة الجزام, موضحا أن المستعمرة تكونت عبر السنوات الطويلة الماضية بشكل تلقائي من أهالي وأسر وأقارب المرضي أنفسهم,لأن قديما كان أي مريض يأتي للعلاج داخل المستشفي يستغرق علاجة وتأهيلة بعض الوقت,يرتحل معه زوجته وأبناؤه ويعيشون خارج أسوار المستشفي في عشش بسيطة حتي يكونوا قريبين منه وقادرين علي رعايته والحياة بجواره,ومن هنا تكونت المستعمرة والتي يقطنها الآن 450 أسرة بعدد4000 نسمة من قدامي مرضي الجزام,مؤكدا أن مريض الجزام الآن يتم علاجه,ويمكن أن يعمل في بعض الأعمال التي توفر له حياة كريمة,ولابد للمجتمع أن يغير نظرته للمريض وأن يزيل وصمة العار التي ترافقه.
أوضح أنه توجد مزرعة موالح وتين وشوكي ومانجو علي مساحة 125 فدانا قامت كاريتاس بزراعتها وإعدادها بكل المعدات اللازمة حتي تحقق الهدف منها,وهو النفع العام للدولة وتأهيل المرضي ويقوم بزراعتها مرضي الجزام بأنفسهم ويحصلون علي مقابل مادي نظير ذلك, أيضا قامت كاريتاس,والكلام مازال لمجدي جرس بتجديد محطة المياه الرئيسية التي تغذي المستشفي والمزرعة والمساكن بوحدة كاملة,وأيضا شراء جرار زراعي ومقطورة ومحراث لخدمة المزرعة والمستشفي, وشراء موتور للرش بالمزرعة, بالإضافة لإنشاء جراج خاص لسيارات المستعمرة.
تركنا المستعمرة ومازال برفقتنا مجدي جرس متوجهين إلي مستشفي الجزام لنشاهد حياة متكاملة من مشاريع صغيرة داخل المستشفي يقوم بالعمل بها مرضي الجزام,أيضا مباني المستشفي حديثة حيث قامت كاريتاس بعمل دهانات وتنظيم وتجديد مباني وعمل مستوصفات داخل كل قسم وشراء أجهزة طبية وأدوات لغرفة العمليات وأدوات لعيادة الأسنان.كما تم إنشاء 18 عيادة خارجية لعلاج مرضي الجزام نصفهم في محافظات الصعيد والباقي في محافظات الدلتا.
التقينا داخل المستشفي بالراهبة ماريا بيا وهي واحدة من فريق عمل كاريتاس -مصر تعمل ممرضة في قسم الرجال قائلة:في بداية اليوم نقوم بتوزيع العمل علي الممرضات والعاملين في الأقسام المختلفة ونقوم بتهيئة كل الظروف لاستقبال المرضي والاستماع لهم ونقوم بعمل الغيارات اللازمة للمرضي علي الجروح وصرف الأدوية اللازمة لهم, ومتابعة الذين لا يستطيعون الحضور من غرفهم إلي المستوصف بالمستشفي نذهب إليهم داخل غرفهم, ونقوم بمتابعتهم وإعداد الوجبات اللازمة, وقيامنا بعمليات النظافة والتنظيم لكل الممرضات داخل العنابر والحجرات.
يوجد بالمستشفي ورشة أحذية قامت كاريتاس بإقامتها لمساعدة المرضي تحدث عنها العاملان بها وهما إبراهيم حسن وأسامة الصاوي من مرضي الجزام قائلين أنهما يقومان بتفصيل صنادل وأحذية للمرضي نظير مرتب شهري حيث تقوم كاريتاس بشراء الجلود وجميع المستلزمات ويتم توزيعها مجانا علي المرضي,أيضا يوجد داخل المستشفي مخبز يعمل به مرضي الجزام وإنتاجه يباع لأهل المستعمرة…هنا انتهت رحلتنا لنخرج من المستشفي متوجهين إلي القاهرة.
الجدير بالذكر أن مرض الجزام يصيب الجلد والأعصاب, وتشبه أعراضه كثيرا من الأمراض الجلدية والعصبية, والأعراض الجلدية تكون علي هيئة بقع باهتة اللون أو عقد جلدية أو ارتشاحات بالجلد يختلف شكلها وعددها بحسب نوع الجزام, أما الأعراض العصبية فتكون نتيجة إصابة الأعصاب الطرفية, وينتج اختلال في الإحساس مثل فقد الجلد للإحساس بالحرارة أو البرودة واللمس والألم, وقد يحدث شلل لبعض العضلات, وقد يصيب العين,وأصبح الجزام من الأمراض القابلة للعلاج والشفاء بواسطة الأدوية الحديثة, فإذا تناول المريض العلاج المناسب وبانتظام ولمدة كافية يمكنه أن يتغلب تماما علي المرض, ولا يبقي منه أي أثار بعد الشفاء, ويتحقق هذا الأمل خاصة إذا تم التشخيص في المراحل المبكرة للمرض.