كان الرئيس باراك أوباما محقا في إلقاء خطابه الأخير في غانا, مشددا علي قصة النجاح الأفريقية بدلا من التركيز علي الفقر والبؤس. إحدي القصص العظيمة التي لم تلق اهتماما إعلاميا كافيا في العقد الماضي كانت نشوء أفريقيا الجديدة هذه. عام 2007, قبل حصول الأزمة الاقتصادية, كان 37 بلدا في القارة ينمو بنسبة 4% سنويا أو أكثر, وكان 34 بلدا هناك مصنفا من قبل منظمة فريدم هاوس علي أنه ##حر## أو ##حر جزئيا##. وتفيد منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي أن أفريقيا حصلت من المستثمرين للمرة الأولي علي أموال تفوق تلك التي حصلت عليها من المساعدات الأجنبية. لا تزال القارة فقيرة وتنتشر فيها الأوبئة وغالبا ما تكون إدارتها سيئة. لكن للمرة الأولي منذ زمن بعيد, هناك زخم نحو الأمام.
أكثر ما يصح ذلك في رواندا. إن كان يبدو أن بلدا ما علي شفير الانهيار, فهو رواندا. فقبل أكثر من 15 عاما بقليل, عاني البلد من أكثر المجازر الجماعية وحشية منذ المحرقة. في غضون 100 يوم, ذبحت عصابات من مجموعة الهوتو العرقية أكثر من 800ألف شخص من مجموعة التوتسي, أي عشر الشعب, وهي إبادة بكل معني الكلمة. وظن الكثيرون أن رواندا ستغرق في دوامة من القتل كغيرها من البلدان ##بعد النزاعات##, مثل الصومال.
غير أن رواندا أصبحت نموذجا للنهضة الأفريقية في الواقع. إنها تتمتع بالاستقرار الآن وهي حسنة التنظيم ويعاد بناؤها شهرا بعد شهر. لقد ازداد متوسط الدخل بنسبة 30%. وللبلد نظام عناية صحية علي نطاق وطني, وقطاع تعليم مزدهر, ومستوي الفساد فيه أقل مما هو معتاد في أفريقيا. وقد أصبح أكثر جاذبية للشركات والسياح. عام 2007, نشرت مجلة فورتشون مقالا بعنوان ##لماذا يحب المديرون التنفيذيون رواندا##. فمديرو ##ستارباكس## وGoogle و##كوستكو## من بين مؤيدي البلد.
اسأل أي شخص درس رواندا -سواء كان أفريقيا أو غربيا- عن سر نجاحها وسيقولون إنه القيادة, ويعنون بذلك بول كاجامي. لقد قاد كاجامي جيش الثوار الذي وضع حدا للإبادة الجماعية, وكان القوة الأساسية علي الساحة السياسية منذ ذلك الحين. فلسفته قائمة علي الاعتماد علي النفس, مما يعني أنه من الذين ينتقدون المساعدات الأجنبية, مثل الانتقاد الذي كتبه عالم الاقتصاد الزامبي دامبيزا موبو أخيرا. وقد قال لي عندما زار نيويورك الأسبوع الماضي: ##الجدال بشأن المساعدات الجيدة والسيئة خارج عن الموضوع. علي الإعانات أن تقلل من اعتماد الناس علي المساعدة, وإلا فهي فاشلة##. لقد اعترف بأن المساعدات الأجنبية تشكل 50 بالمائة من ميزانية حكومته لكنه أشار إلي أن هذه النسبة كانت 85 بالمائة, وهي تتضاءل بشكل مطرد.
لم يعتمد كاجامي علي الأجانب لتحقيق نجاحه الأساسي المتمثل بالمصالحة السياسية. بدأ باتباع المقاربة النموذجية حيث تتم محاكمة الذين اقترفوا أعمال عنف ثم سجنهم. ##لكن سرعان ما أصبح لدينا 130ألف شخص في السجون, وعدد أكبر من [المشتبه بهم] خارجها. لقد شاركت نسبة هائلة من شعبنا في الإبادة الجماعية, سواء كانوا من الذين قتلوا أو الذين قتلوا##, كما قال كاجامي. لذا قرر اللجوء إلي نظام محلي يسمي بمحاكم جاكاكا, وهي عبارة عن مجالس قروية محلية حيث يعترف الناس ويعاقبون لكن غالبا ما يسامحون ويعاد دمجهم في المجتمعات التي أتوا منها. وقد أدي ذلك إلي وضع فريد من نوعه في البلدان في أعقاب الإبادات الجماعية, كما أشار فيليب جوريفيتش من صحيفة نيويوركر. في ألمانيا, هرب اليهود (إلي أمريكا وإسرائيل). وفي البلقان, تم توزيع الأطراف المختلفة علي مناطق عرقية أو بلدان منفصلة. لكن في رواندا, يعيش القتلة وأقرباء ضحاياهم جنبا إلي جنب, في كل قرية من البلد, ومعا يعيدون بناء مستقبلهم.
هناك نوع من التطرف في استقلالية كاجامي. فهو لا يصغي إلي النصائح الدولية, مشيرا إلي أن الخبراء الغربيين قالوا له إن خططه التصالحية مشوبة وإن بلده ##غير قابل للاستمرار## اقتصاديا. لقد أجج النزاع في الكونغو المجاورة من خلال دعمه لزعماء الحرب والمليشيات المحلية, وهو يتهم قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بمفاقمة المشاكل هناك. إنه لا يؤيد المحكمة الجنائية الدولية, مع أنها أدانت الرئيس السوداني عمر البشير بسبب أفعال تشبه الإبادة الجماعية في رواندا, لكن علي نطاق أصغر. وقد قال لي كاجامي: ##العدالة الدولية زائفة##, مجادلا بأنه يجب محاكمة المسئولين الفرنسيين مثلا لأنهم ساهموا في تدريب وتسليح الجيش المؤلف بأغلبيته من الهوتو الذي اقترف الإبادة الجماعية في رواندا. ##لماذا يبدو مستغربا الكلام عن تطبيق العدالة علي شخص في أوروبا إن كان مسؤولا؟ إنهم معصومون عن الخطأ وبالتالي لا تنطبق العدالة عليهم##.
لكاجامي عيوبه. مع أنه منتخب, فهو يحكم كاستبدادي. لكن من خلال تشديده علي الاعتماد علي النفس, يعكس صورة مثيرة للاهتمام عما قد يكون عليه مستقبل أفريقيا الواعد, الذي تحركه الرأسمالية والكبرياء والتقاليد المحلية وحس وطني متطرف يصر علي شق طريقه نحو النجاح.
واشنطن بوست