تعد مدينة سانت كاترين من أكثر مدن سيناء خصوصية وتميزا فهي أعلي الأماكن المأهولة في سيناء حيث تقع علي هضبة ترتفع 1600 متر فوق سطح البحر وتحيط بها مجموعة جبال هي الأعلي في سيناء بل وفي مصر كلها, ولعل هذا الارتفاع جعل لها مناخا متميزا أيضا. فهو معتدل في الصيف شديد البرودة في الشتاء مما يعطي لها جمالا,خاصة عندما تكسو الثلوج قمم الجبال. وقد أعلنت المنطقة محمية طبيعية لقيمتها التاريخية والدينية حيث شيد بها دير سانت كاترين في القرن السادس الميلادي.
ومازال من أعظم الآثار المسيحية في مصر والعالم…ولعل هذا التميز في الموقع والمناخ إلي جانب التاريخ والجغرافيا انعكس علي حاضر سانت كاترين التي تعد منطقة سياحية ذات طابع خاص, وتقع سانت كاترين في قلب جنوب سيناء علي بعد 300كم من قناة السويس, وتبلغ مساحتها 5130كم مربع وتشتهر المدينة بالسياحة الدينية وسياحة السفاري وتسلق الجبال.
تعتبر السياحة الدينية في مقدمة أنواع السياحة التي تتمتع بها المدينة ويمثل دير سانت كاترين مزارا مهما للسائح الذي يتوق للسياحة الدينية, وتعتبر جنوب سيناء منذ العصور المسيحية الأولي أحد أهم مناطق الجذب للرهبان المسيحيين, وأقام هؤلاء الرهبان العديد من الأديرة والكنائس في أودية سيناء أشهر ما بقي منها دير طور سيناء المعروف باسم دير سانت كاترين.
ويقع الدير أسفل جبل سيناء, في منطقة جبلية وعرة المسالك حبتها الطبيعة بجمال أخاذ مع طيب المناخ وجودة المياه العذبة. وإلي الغرب من الدير يوجد وادي الراحة وللدير سور عظيم يحيط بعدة أبنية داخلية بعضها فوق بعض تصل أحيانا إلي أربعة طوابق تخترقها ممرات ودهاليز معوجة, وبناء الدير يشبه حصون القرون الوسطي, وسوره مشيد بأحجار الجرانيت وبه أبراج في الأركان.
ويعود بناء الدير إلي القرن الرابع الميلادي عندما أمرت ببنائه الإمبراطورة هيلانة والدة الإمبراطور قسطنطين سنة 432 ثم أكمل في عهد الإمبراطور جوستيتيان سنة 545م ليكون معقلا لرهبان سيناء وقد سمي في العصور التالية باسم دير القديسة كاترين إحدت شهيدات الإسكندرية لرؤية رآها أحد الرهبان في منامه بأنها نقلت إلي هذا الموضع فتم نقل رفاتها بناء علي ذلك وأطلق اسمها علي الدير وعلي المنطقة كلها.
ومن أهم مباني الدير الكنيسة الكبري, وكنيسة العليقة, والجامع, والمكتبة بالإضافة إلي قلالي الرهبان ومعصرة وطاحونتين ومخازن حبوب ومؤن وآبار للمياه.
الكنيسة الكبري.. أقدم الآثار المسيحية
تعد الكنيسة الكبري أقدم الآثار المسيحية وترجع إلي عهد الإمبراطور جيستيان في القرن السادس الميلادي وصممت علي شكل البازيليكا الرومانية الذي كان شائعا وقت بنائها عام 527 وتقع في الجزء الشمالي من الدير وتسمي أحيانا الكنيسة الكبري أو الكاتدرائية. وقد عرفت باسم كنيسة التجلي وبداخل الكنيسة صفان من الأعمدة وهي 12 عمودا تمثل شهور السنة وعلي كل جانب يوجد 4 هياكل يحمل كل منها اسم أحد القديسين, ورغم ما تعرضت له هذه الكنيسة في مختلف العصور, فإن الجزء الأكبر من سقفها ظل محفوظا, وتوجد بعض الكتابة القديمة علي أجزاء منه.
وفي صدر الكنيسة حنية مستديرة حلي سقفها وجوانبها بالفسيفساء هي أهم ما في الدير كله حيث إنها من أشهر الفسيفساء المسيحية في العالم كله, ولا يضارعها في قيمتها الفنية إلا فسيفساء أياصوفيا في اسطنبول, وتمثل هذه الفسيفساء مناظر من العهد القديم والعهد الجديد, والمنظر الرئيسي فيها يمثل السيد المسيح في الوسط وعلي يمينه العذراء وعلي يساره موسي بينما بطرس مستلقيا عند قدميه وعلي الجدار يوجد منظران يمثل أحدهما موسي يتلقي الشريعة فوق جبال سيناء, والثاني يمثل موسي وقد ركع أمام الشجرة وامتدت إليه من فوق لهيبها يد الله مشيرة إليه.
وتحت سقف هذه القبة يوجد التابوت الذي وضعت داخله بقايا جثة القديسة كاترين داخل صندوقين من الفضة في أحدهما جمجمة القديسة وفوق الصندوق تاج من الذهب المرصع بالأحجار الكريمة ويحتوي الآخر علي يدها اليسري وحليت بالخواتم الذهبية والفصوص الثمينة, وفي الناحية الأخري صندوقان كبيران من الفضة علي كل منهما صورة القديسة كاترين وداخلهما هدايا ثمينة مما أهداه الملوك إلي الدير, وفي كل مكان بالكنيسة تنتشر الأيقونات الجميلة ذات الأهمية التاريخية الكبري حيث تعرض نحو 150 أيقونة من مجموع حوالي 2000 أيقونة من بينها أيقونات نادرة صنعت في القرن السادس كما يعود جزء منها إلي أوائل العهد البيزنطي وقسم إلي الفترة من القرن الحادي عشر حتي الخامس عشر.
وتتدلي الثريات الثمينة حتي تبدو الكنيسة أشبه بمتحف للفنون, أما أقدس مكان في الكنيسة فيقع خلفها ويمكن الوصول إليه من الجانبين وهو هيكل الشجرة أي المكان الذي يعتقد أن موسي وقف فيه عندما تجلي الله له وخاطبه أما الكنيسة الصغيرة شيدت فوق جبل موسي, هذا إلي جانب كنيسة الموتي وهي عبارة عن حجرة لحفظ جماجم الموتي وتوجد 6 مقابر فقط بالدير خاصة بالرهبان والمطارنة, بالإضافة إلي كنيسة العليقة التي تقع خلف كنيسة الدير الرئيسية وبجوار العليقة المقدسة.
مكتبة الدير.. غنية بالمخطوطات
ويرجع الكثير من شهرة دير سانت كاترين إلي مكتبته الغنية بالمخطوطات وتقع في بناء قديم جنوب الكنيسة الكبري, وهي عبارة عن ثلاث غرف في صف واحد تضم آلاف المخطوطات الأثرية باللغات العربية واليونانية والسيريانية ويبلغ عدد المخطوطات 6000 مخطوط نادر من بينها مخطوطات تاريخية وجغرافية وفلسفية إضافة إلي نحو 2000 وثيقة وفرمان أعطاها الولاة للدير ومعظمها من العصر الفاطمي, إلي جانب ذلك يضم الدير معصرة لاستخراج الزيت من الزيتون, وبئر ماء وشجرة العليقة ومخزن قديم للطعام.
سياحة السفاري
ونظرا لما تحتويه المدينة من مناظر طبيعية خلابة قلما توجد في أي بقعة أخري حيث الجبال الشامخة وما يتخللها من أودية تجعل السير فيها متعة للنفس ومرورا للقلب فقد انتشرت في الآونة الأخيرة رحلات السفاري, ومن هذه الجبال جبل موسي الذي يعتبر من أكثر الجبال الموجودة في جنوب سيناء شهرة ويحب كل زائر إلي دير سانت كاترين أن يعتلي قمة هذا الجبل الذي يعلو نحو 7363 قدما فوق سطح البحر وأطلق عليه هذا الاسم نسبة إلي موسي النبي, ويقال إن هذا الجبل كانت تخرج منه رعود ويهتز بشدة ويستطيع المرء حين يصعد إلي قمته أن يشاهد أبدع منظر تراه العين خاصة في الصباح الباكر أما جبل كاترين فيعتبر أعلي جبال مصر كلها حيث يبلغ ارتفاعه 8563 قدما فوق سطح البحر سمي كذلك لأنه كما ورد في تقاليد الرهبان أن الملائكة قديما حملت جثة القديسة كاترينا من مكان استشهادها في الإسكندرية عام 307 ونزلت بها إلي هذا الجبل ولم يبق منه حاليا سوي الجمجمة وعظم إحدي اليدين وهما محفوظان في صندوق داخل الكنيسة حتي يومنا هذا ويمكن للمرء أن يشاهد من فوق قمته علي مرمي البصر خليج العقبة وخليج السويس.
المحميات الطبيعية في سانت كاترين
تبلغ مساحة محمية سانت كاترين حوالي 4300كم2 من جنوب سيناء وقد أعلنت هذه المنطقة محمية طبيعية منذ عام 1988 لتمتعها بمقومات طبيعية وحضارية ذات طابع خاص, وتقع في نهاية لقاء وادي الإسباعية مع وادي الأربعين علي هضبة مرتفعة تحيطها ارتفاعات شاهقة تتمثل في عدة جبال متباينة الارتفاع هي جبل سانت كاترين أعلي قمة في مصر وجبل موسي وجبل الصفصافة وجبل الصناع وجبل أحر وجبل عباس, وتعد محمية سانت كاترين محمية تاريخية ذات تراث حضاري يتمثل في دير سانت كاترين بمحتوياته المعمارية وكنوزه الفنية والأثرية.
وفي نفس الوقت تعد منطقة سانت كاترين محمية طبيعية مهمة حيث إنها من أهم الملاجئ الطبيعية لمعظم النباتات النادرة التي تستوطن سيناء التي يقتصر وجودها في مصر علي المنطقة مثل النباتات الطبية والنباتات السامة وغيرها, وتذخر أيضا بالعديد من الحيوانات البرية مثل الثعالب والضباع والتياتل والغزلان والوعول والأرانب البرية وكذلك أنواع شتي من الطيور أهمها اللقلق والنسر والصقر والعقاب وغيرها.