المساعدة الحقيقية التي يمكن أن تقدم للأطفال والشباب ذوي الاحتياجات الخاصة هي عدم الاستهانة بقدراتهم وإمكاناتهم.وأعطاؤهم فرصة للتعبير عن أنفسهم,وكذلك توفير الأدوات اللازمة لتفجير هذه الطاقات الكامنة,ليس علي المستوي الفني فقط,ولكن في جميع المجالات.
هذا بالفعل ما حدث مع مجموعة من الأطفال والشباب المصريين من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يمتلكون موهبة فنية بالاشتراك مع شابين من النمسا,تجلت موهبتهم عندما سنحت لهم الفرصة لتنفيذ جداريتين من السيراميك بعنوانمدينة السلام,والتي تم إزاحة الستار عنهما يوم10ديسمبر2007في محطة مترو أنفاق أنور السادات.
جاءت هذه الخطوة تنفيذا لفكرة فنانين شابين هما أيمن وعماد عاطف الميري بعد أن طرحاها علي المركز الثقافي النمساوي,والذي عضد الفكرة ونفذها بالتعاون مع وزارة الثقافة المصرية..أيمن حاصل علي بكالوريوس تربية فنية,وعماد ماجيستير تربية فنية.
يقول أيمن وعماد الميري إن الفكري ظهرت عندما رأوا أن المجتمع دائما ما ينظر لذوي الاحتياجات الخاصة بنوع من التهميش,واعتبارهم-في بعض المجتمعات غير المثقفة-أنهمبركة البيت,أو أنهم عقاب من الله لأسرهم عن ذنب ربما اقترفوه في الماضي…لكنهم مثل باقي الأطفال الطبيعيين,لهم حقوق يجب أن يحصلوا عليها.
وعن الجداريتين يقول أيمن وعماد إن مساحة الواحدة5.6م*2م,نفذتا خلال خمسة أيام,بعد توفير الخامات اللازمة قبلها بعشرة أيام,مستخدمين قطعا من السيراميك بعد تعرضه للحرق لتثبيت الألوان عليه…وهذا العمل الفني عبارة عن قطع سيراميك متلاصقة,كل فنان صغير ساهم في تنفيذ قطعة…والألوان معظمها تميل إلي الإشراقة والبهجة,أما الموضوعات فتنوعت لتصور معالم مصرية جميلة مثل برج القاهرة,ضفاف النيل,والأهرامات,وحتي علم مصر.
وقبل إزاحة الستار عن الجداريتين,ألقي بعض المسئولين والمثقفين كلماتهم للتعبير عن قيمة مثل هذا العمل وأهمية الحدث…فقال الفنان محسن شعلان-رئيس قطاع الفنون التشكيلية-إننا في حاجة لمثل هذه التجربة في هذا العصر…لأن هذا هو شكل التجارب التي تنفذ في العالم كله ومصر جزء مهم من هذا العالم,ويجب أن تسير علي هذا النهج…وعندما نكشف الستار عن قطعتين فنيتين تحت الأرض في محطة مترو أنفاق وفي حضور جمع غفير يمثل الشعب المصري بجميع طبقاته,فإننا بذلك نؤدي رسالة جيدة,كلها ربح معنوي حميد العواقب…الجمهور محتاج لمثل هذه الاحتفاليات.
وهذا ما أكدتهإيريس موستيجل-نائبة مدير المركز الثقافي النمساوي-حينما قالتإننا نريد أن يصل الفن إلي الأفراد العاديين الذين قد لايمتلكون الوقت أو المال نتيجة ظروف الحياة الصعبة,خاصة أن مثل هذه الأمسيات الثقافية تقدم غالبا لصفوة المجتمع…الشعب المصري من حقه أن نقدم له الفن,حتي ولو في محطة مترو.
أما المهندسمجدي عزب-رئيس مجلس إدارة مترو الأنفاق-يقول:إننا نحب أن نرعي مثل هذه الأمسيات,لأننا نؤمن أن الفن قادر علي ربط الأطفال في العالم كله باختلاف ثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم…وهذا هو السلام الذي نتمناه في العالم كله…وأفضل دليل علي ذلك وجود ذوي الاحتياجات الخاصة الذين ليس لديهم أي غرض أو أفكار خبيثة وسطنا,فقلوبهم بيضاء…وبالرغم من عدم معرفتهم للغة مشتركة للحوار مع نظرائهم النمساويين,استطاعوا أن يحققوا هدفا رائعا ورمزا جميلا-وهو جداريةمدينة السلام..ونتمني أن تكون القاهرة بالفعل هيمدينة السلام.
وفي كلمته,أكد السفير النمساويتوماس نادرأن وجود الاختلاف بين الشعوب هو إثراء للتجربة الإنسانية,والتي نحن في حاجة إليها فعلا..لقد جاء شابان من النمسا من ذوي الاحتياجات الخاصة ليعملا جنبا إلي جنب مع شباب مصري ليبدعوا قطعة فنية رائعة..قد يقول البعض إنهم مختلفون,ولكنني أقول إنهم متميزون…وعندما تختلطون بهم,سوف تدركون أنهم أطفال وشباب غاية في اللطف.وإذا قمنا بهذه التجربة وخطونا خطوة نحو هؤلاء الشباب وتواصلنا معهم,سوف نكتشف ولا محالة هذا الجمال الكامن في هذا المجتمع..وعندما ترون هذه الجدارية,ستتغير فكرتكم عن هؤلاء..سترون شخصا مختلفا سترغبون في التقدم إليه,لتمدوا إليه أيديكم.
بعد الانتهاء من عبارات الشكر والتقدير,كانت هناك مفاجأة أسعدت الحضور,هي ظهور الفنانمصطفي حسين-نقيب التشكيليين-في الاحتفال,والذي شارك في رفع الستار عن الجدارية..وعندما أزيح الستار عن الجداريتين علي جانبي محطة المترو,صفق الحاضرون بحرارة,مبدين إعجابهم بفن هؤلاء الشباب المتميز.
وعن سعادة هؤلاء الفنانين,تقول سامية فهمي سكرتيرة جمعية الحق في الحياة-والتي اشترك معظم أعضائها في هذا العمل الفني-إنها تري شيئا مختلفا في هذه الاحتفالية,وهو أن عمل هؤلاء الفنانين سيوظف توظيفا جيدا…لأن اختيار محطة مترو أنفاق لعرض أعمال متميزة,هو شئ غير عادي..انظر إلي عيونهم…إني لم أر فيها مثل هذا الشعور من قبل,فهم يشعرون بالانتصار والافتخار لما أنجزوه,ويعرض أمام الجمهور وهذا هو حقهم الطبيعي.