فساد المحليات استشري وزاد,وكما قال مسئول محترم-فساد وصل للركب-ولذلك تتعاظم مسئولية وقفه والقضاء عليه,وصورة الفساد التي تشد انتباه شعبنا تتمثل في عشوائية إقامة المباني وأيضا تهدم المقام من المنشآت,فكلما تهدم بناء علي من فيه اتضح هذا الفساد سواء كان أصلا في تنفيذ الإنشاءات أو في متابعة إقامتها أو في تنفيذ إزالتها لاحقا,وكم من أبراج ارتفعت دون مراعاة لقواعد الأمان؟وكم من تراخيص خولفت ومنازل تصدعت ولا شئ في الحسبان؟
بصيص نور ظهر عندما استعمل محافظ الجيزة الآن صلاحياته وأمر بجديته علي تنفيذ القانون,وأسمع أن سيادته لا يحب الاستئناءاث من ثم فله الاحترام والتحية إذ أعطي أملا بعودة الإدارة القوية.
يكاد يكون القانون106 لسنة1976بشأن تنظيم أعمال البناء هو أشهر قانون في بلادنا وهذا القانون استلزم لأقامة أي بناء أو تعليته أو هدمه أو توسعته أو حتي تشطيبه خارجيا وجود ترخيص بذلك من السلطات المختصة,وقد عدل مرات أهمها بالقانون رقم30لسنة1983استلزم هذا القانون-في حالات ما-تقديم خطاب ضمان من طالب الترخيص وفي حالات أخري وثيقة تأمين ضمانا لالتزامه باتباع الأصول الفنية في التنفيذ توفيرا للسلامة,ومنح هذا القانون السلطات المختصة حق وقف الأعمال المخالفة إداريا(مادة15).
وأجير التحفظ علي الأدوات المستعملة في ارتكاب المخالفة وأعطي القانون للمحافظين سلطة إصدار قرارات الإزالة وبل تشدد فيما تعلق بالإزالات المواجهة للمباني المخالفة لقيود الارتفاع إذ منع التجاوز عن هذه الارتفاعات ومنع التصالح في المخالفات(م16)المتعلقة بها ومنح المحافظ حق إصدار القرار في هذه الحالة دون الرجوع إلي أي لجنة(قرار فوري)وأجاز تنفيذه إداريا وعلي نفقة المخالف,ويلاحظ أن وزير الإسكان أصدر القرار30لسنة1984 واستثني منطقة ولم يحدث ذلك مرة أخري.وعلي كل حال يتبين من الصلاحيات الإدارية المعطاة للسلطات سالفة ذكرها أنه لو تم استغلالها فعلا لتوقف هذه المخالفات-أعتقد أن أي مخالف الآن سيراجع نفسه مرات ومرات قبل ارتكاب المخالفة في ظل ما أتاه السيد محافظ الجيزة-وكذلك لو استجابت السلطات الإدارية-الشريفة-لشكاوي جيران المخالفين ولو كانت شكاوي شفاهية لانتفت العشوائيات ولو صدقت النيات لتم حبس المخالفين ونصفهم من الإداريين المفسدين من بين المناط بهم مراقبة تنفيذ القوانين ويلاحظ أن التشدد الذي أورده القانون في استخراج التراخيص يقابله تسهيل أوجده لذوي الشأن وهو أنه في حالة تقدمهم بأوراق الترخيص صحيحة وعدم رد جهة الاختصاص عليهم في خلال شهر فأنهم يكونوا قد حصلوا علي رخصة بقوة القانون وأيا كانت المتاعب العملية من وراء اعتبارهم كذلك فأننا وبنظرة قانونية ثاقبة ومتخصصة نري أن هناك-وللأسف-اضطرابا قانونيا وتشريعي في تحديد جهات إيقاع العقاب أو تدارك عسف هؤلاء الإداريين,فالشرع أناط بالحكمة الجنائية سلطة عقاب المخالف جنائيا بالغرامة أو الحبس أو السجن,وأناط بمحكمة القضاء الإداري-المختصة مكانيا ودوائرها لا تتوافر في كل المحافظات-صلاحية الفصل في قرارات وقف أعمال البناء أو قرارات الإزالة والتصحيح علي وجه السرعة,وكلمة علي وجه السرعة لا تعني في لغة القانون,وفي فهم المحاكم سوء مجرد الاستعجال أو الإسراع قدر الإمكان في حسم النزاع,وهذا مجرد أمر تنظيمي فقط,وكان يلزم تحديد حد أقصي للوقت الذي ينظر فيه النزاع ويصدر فيه والحكم الحاسم له وإلا لا معني للاستعجال.
ولنا في هذه الجزئية ملاحظات:
-قد تتريث المحكمة الجنائية-أحيانا-في إيقاع العقاب علي المخالف لحين استبيان مدي صحة القرار الإداري الصادر من السلطة المختصة بالترخيص أو رفض الترخيص أو الإزالة.
-قذ تنتظر محكمة القضاء الإداري ما يسفر عنه الحكم الجنائي من بترئة أو إدانة للمحال للمحاكمة.
-لا تتوافر دوائر لمحكمة القضاء الإداري بعواصم كل المحافظات فتأخر الفصل في النزاع فضلا عن الإرهاق الذي يلاقيه من يلجأ إليها ويقيم بعيدا عن مقرها.
-إن المحكمتين قد تتأخر أن في الفصل في النزاع بأي صورة ويتقادم العهد,وتقل وطأة المخالفة سواء أكانت ممن أقام المبني أو طالب إقامته أو عمن المسئولين عن منحه الترخيص وفي هذه الحالة تصبح المخالفة أمرا واقعا فرضها صاحب الشأن رقد تؤدي إلي استشراء فساد بعض الإداريين إذا تواطئوا معه أو تساهلوا في الإجراءات ضده.
-ونتيجة لبطء التقاضي قد تقوم الإدارة بتنفيذ قرارها-وأباح القانون لها ذلك-لأن مجرد طلب وقف التنفيذ ولو بصفة عاجلة لا يؤدي حتما لإيقافه وبعد التنفيذ قد يتضح صحة موقف المخالف ويصاب المواطن بضرر فادح يتعذر تداركه.
ويزيد الفساد الإداري بالضغط من المرتشين علي المواطنين وإرهابهم بإصدار قرارات ضدهم ولذلك نري أنه يلزم التدخل التشريعي ليس بتغليظ العقوبات فهي قوية فعلا -لو أحسن استخدامها وإيقاعها وتنفيذها- إنما بوضع تنظيم خاص لهذه المسائل,وعلي النحو التالي:
في نظرنا ونراه صحيحا وإن كان مبتكرا:
أولا:تشكيل لجنة قضائية بها عناصر إدارية وفنية وقضائيةبكل إدارة محلية للبت في مسائل جدية التراخيص ومدي سلامتها نظريا وتنفيذيا علي أن تصدر قراراتها في آجال محددة وأن يكون لأعضائها بعض الحصانات.
ثانيا:إصدار قانون بإنشاء محاكم خاصة لبحث كافة الأمور المتعلقة بالبناء والبت في قرارات اللجان سالفة الذكر بحكم يصدر علي درجة واحدة ويكون من اختصاصاتها أن تبحث في الأمر إداريا وجنائيا وهندسيا وتأديبيا عن طريق الاستعانة بعضو هندسي بها وعلي أن يتم تشكيلها مناصفة من رجال القضاء العادي والإداري معا لسلامة ولشمول نظرتها القانونية وعلي أن تكون هذه المحاكم في جميع عواصم المحافظات والمراكز الكبري قدر الإمكان,ويتعين تحديد ميعاد ما كحد أقصي زمنيا لصدور أحكامهافي قرارات اللجان المشار إليها, واعتقد أنه ليس هناك حل بديل أو سريع أو قانوني لمنع فوضي البناء ومشاكله غير ذلك.
المحكمة العليا لمجلس الدولة