تحدثنا في العددين الماضيين عن محبة الله لنا.ويسرنا اليوم أن نتابع تأملاتنا في نفس الموضوع
محبة الله لنا3
0 محبة الله لنا,محبة مملوءة عاطفة:
لعل من أعمق مظاهرها,تلك العبارة المؤثرة التي قيلت في معجزة إقامه لعازر من الموت,أعني قول البشير بكي يسوعيو11:35إنها كلمة تدل علي عمق المشاعر,عمق الحنان,عمق القلب…وتكرر نفس التعبير بالنسبة إلي أورشليم التي كان ينتظرها الخراب بعد سنوات.وقد قيل في ذلكوفيما هو يقترب من المدينة بكي عليها وقالستأتي أيام ويحيط بك أعداؤك…ويحاصرونك من كل جهة ويهدمونك وبنيك فيك ولا يتركون فيك حجرا علي حجرلو19:41-44.
ومثل عبارة بكيفي إظهار محبة الرب لأولاده,كذلك عبارةتحنن.
ومن أجمل مواقفها قول الإنجيلولما رأي الجموع تحنن عليهم,إذ كانوا منزعجين ومنطرحين,كغنم لا راعي لهامت9:36لذلك قال لتلاميذه من أجلهم اطلبوا إلي رب الحصاد أن يرسل فعلة لحصاده…
ويكرر معلمنا متي البشير هذه العبارة في شفاء المرضي,فيقول عن الرب إنه تحنن عليهم وشفي مرضاهممت14:14.إذن كانت معجزات الشفاء ناتجة عن حنان قلب وحب.وهكذا يقول أيضا في شفاء الأعميين فتحنن يسوع ولمس أعينهما فللوقت أبصرت أعينهما فتبعاهمت20:34وفي إقامة ابن أرملة نايين-وكانت أمه تبكي وهو وحيد لأمهفلما رآها الرب تحنن عليها,وقال لها لاتبكي وأقام الشابودفعه إلي أمهلو7:12-15.
حاولوا يا إخوتي أن تتبعوا كلمة تحننفي معاملات الرب.بل في العهد القديم وردت كثيرا عبارةالرب حنان ورحيممز111:4مز145:8…وكما يقول عنه نحميا إنهإله غفور,حنان ورحيم,طويل الروحنح9:17ويقول عن مغفرته للشعب وعدم إفنائهم علي الرغم من صلابة رقابهمولكن لأجل مراحمك الكثيرة لم تفنهم ولم تتركهم لأنك إله حنان ورحيم نح9:31.
من محبة الله لنا أيضا أنه ينادينا بأسمائنا:
فيقول أعرف خاصتي وخاصتي تعرفنيخرافي تسمع صوتي,وأنا أعرفها فتتبعنيويقول أيضا إن الخراف تسمع صوته فيدعو خرافه الخاصة بأسماء ويخرجهايو10.
جميل أن الله يعرف كل منا باسمه ويناديه باسمه ويقولافرحوا بالحري أن أسماءكم كتبت في السمواتلو10:20.
وجميل أيضا أننا نري في الكتاب سفرا اسمه سفر العدد,فيه يحصي الله أولاده ويكتبهم بأسمائهم.كذلك في سفر أخبار الأيام نراه يكتب الأسباط وتفرعاتها بالأسماء 1أي1-9…ليس أحد غائبا أمامه .وإن غاب أحد يبحث عنه حتي يجده ويحمله علي منكبيه فرحالو15:5.
0 ومن محبة الله لنا,أنه جعلنا واحدا معه.
فيقولأثبتوا في.وأنا فيكميو15:4كما يثبت الغصن في الكرمة.ويقول للآبأنت أيها الآب في وأنا فيك,ليكونوا هم أيضا واحدا فينايو17:21ويقول أيضاأنا فيهم وأنت في,ليكونوا مكملين إلي واحد يو17:23.
ومن محبته أنه اعتبرنا كشخصه…
فلما اضطهد شاول الطرسوسي الكنيسة,قال له الربلماذا تضطهدني؟أع9:.4وعن الفقراء قالمهما فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الصغار فبي قد فعلتم مت25:40لذلك قال عنهمكنت جوعانا فأطعمتمونيمت25:35وقال من يقبلكم يقبلنيمت10:40.
ومن محبة الله أيضا الدالة العجيبة بينه وبين أولاده:
ومن أمثلتها أنه قبل أن يحرق سادومقال الرب هل أخفي عن عبدي إبراهيم ما أنا فاعله؟!وأخبره بما سيفعله وقبل أن يدخل إبراهيم معه في حوار,حتي أن يقول له حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر,أن تميت البار مع الأثيم…أديان الأرض كلها لايصنع عدلا؟!تك18:25,17.
ونفس الوضع مع موسي,إذ قال له بعد أن عبد الشعب العجل الذهبيالآن اتركني ليحمي غضبي عليهم فأفنيهم,ولم يتركه موسي بل حاوره في الأمر,قال له ارجع يارب عن حمو غضبك واندم علي الشروقبل شفاعتهخر32:9-14.
وإلي جوار هذه الدالة,دفاعه أيضا عنهم فقد دافع عن يوحنا المعمدان فقالماذا خرجتم إلي البرية لتنظروا؟إنسانا لابسا ثيابا ناعمة ؟!هوذا الذين يلبسون الثياب الناعمة هم في بيوت الملوك..أنبياء…أقول لكم وأفضل من نبي..الحق أقول لكم لم يقم من بين المولودين من النساء من هو أعظم من يوحنا المعمدان…مت11:8-11.
ودافع عن موسي النبي لما تقول عليه هرون ومريم:
بعد زواجه من امرأة كوشيه فوبخهما الرب قائلا:إن كان منكم نبي للرب فبالرؤيا استعلن له.في الحلم أكلمه وأما عبدي موسي فليس هكذا بل هو أمين في كل بيتي فما إلي فم وعيانا أتكلم معه,لا بالألغاز وشبه الرب بعاين فلماذا لاتخشيان أن تتكلما علي عبدي موسي؟!عد12:6-8وضرب الرب مريم بالبرص,فحجزت خارج المحلة سبعة أيام…
ودافع عن إبراهيم,لما أخذ أبيمالك الملك زوجته…
فظهر له في حلم وقال لهها أنت ميت بسبب المرأة التي أخذتها,فأنها متزوجة ببعل..فالآن رد امرأة الرجل فإنه نبي فيصلي لأجلك فتحياتك20:7,3
ودافع عن أيوب الصديق ضد أصحابه الثلاثة:
فقال لأليفاز التيماني:قد احتمي غضبي عليك وعلي كلا صاحبيك لأنكم لم تقولوا في الصواب كعبدي أيوب والآن فخذوا لأنفسكم سبعة ثيران وسبعة كباش واذهبوا إلي عبدي أيوب,وأصعدوا محرقة لأجل أنفسكم.وعبدي أيوب يصلي من أجلكم لأني أرفع وجهه لئلا أصنع معكم حسب حماقتكم.لأنكم لم تقولوا في الصواب كعبدي أيوب…أي42:8,7
بل دافع الرب عن أيوب لما اشتكي عليه الشيطان
وقال لههل جعلت قلبك علي عبدي أيوب؟لأنه ليس مثله في الأرض.رجل كامل ومستقيم ,يتقي الله,ويحيد عن الشر,وإلي الآن هو متمسك بكماله..أي2:3.
وأمثلة دفاع الرب عن أولاده كثيرة جدا:
دافع عن الشعب في مصر ضد فرعون…ودافع عنهم في أيام القضاة ,ودافع عن دانيال والثلاثة فتية في سنوات السبي ودافع عن تلاميذه ضد كل اتهامات الكتبة والفريسيين وقال لبولس لاتخف…لأني أنا معك,ولايقع بك أحد ليؤذيكأع18:10,9ودافع عن الكنيسة في كل زمان ,ووعد بأن أبواب الحجيم لن تقوي عليهامت16:18.
والأعجب من هذا كله دفاع الرب عن الخطاة:
دافع عن المرأة الخاطئة التي بللت قدميه بدموعها في بيت سمعان الفريسي.ووبخ الفريسي الذي أدانها وأراه أن تلك الخاطئة كانت أبر منه,لأنها أحبت كثيرالو7:36-47بينما كانت تلك المسكينة صامتة لاتملك الدفاع عن نفسها…
ودافع أيضا عن المرأة التي ضبطت في ذات الفعل:
وقال للقساة الذين قدموها إلي حكم الموتمن كان منكم بلا خطية فليرمها أولا بحجريو8:7ولما أراح المرأة من الذين أدانوها إذ انصرف الجميع قال للمرأة ولا أنا أدينك اذهبي ولا تخطئي أيضا…
كذلك المرأة التي سكبت عليه الطيب في الأسبوع الأخير:
لما تذمر عليها البعض وقالوالماذا هذا الإتلاف؟!لأنه كان يمكن أن يباع هذا الطيب بكثير ويعطي للفقراء!فدافع الرب عن هذه المرأة وقال لماذا تزعجون المرأة!!فأنها قد عملت بي عملا حسنا فإن الفقراء معكم في كل حين…فأنها سكبت هذا الطيب علي جسدي …لأجل تكفينيمت26:6-12ولم يدافع عن المرأة فقط,وإنما طوبها أيضا بقولهالحق أقول لكم حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم ,يخبر أيضا بما فعلته هذه تذكارا لها…حقا إن الرب في محبته يرفع وجوه المساكين
ومن محبة الرب لنا,أنه منحنا التوبة للمغفرة:
تظهر محبته هذه في قول الرسول إن اللهيريد أن جميع الناس يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون1تي 2:4بل أن السيد الرب نفسه يقول في سفر حزقيال النبي,إنه لايسر بموت الشرير بل برجوعه عن طرقه فيحيا حز18:23لذلك منحنا الله التوبة للحياةأع11:18.
حقا من محبة الله إنه لم ينه حياتنا ونحن في خطايانا.
وإنما رأي وصبر وأطال أناته علينا لكي نتوب وإنما بغني لطفه وإمهاله وطول أناتهإنما يقتادنا إلي التوبة رو2:4…كان يمكن أن يمسك بشاول الطرسوسي وهو يضطهد الكنيسة ويلقي به في الجحيم!!ولكنه أطال أناته عليه حتي تحول إلي القديس بولس الرسول,الإناء المختار,الذي تعب أكثر من جميع الرسل1كو15:10.
بل إن ضل أحد يذهب ويبحث عن ليرجعه:
كما هو واضح من قصة الخروف الضال والدرهم المفقود.وبحث الرب عن الخطاة يتضح من قوله :أنا واقف علي الباب وأقرع إن فتح أحد لي,أدخل وأتعشي معهرؤ3:20بل أن الرب من محبته أرسل الرسل والأنبياء كسفراء عنه,وأعطاهم خدمة المصالحة لكي ينادوا أن اصطلحوا مع الله2كو5:20,18بل إنه يمد يده طول النهار لشعب معاند ومقاومرو10:21.
وعن محبته يدعو الناس لكي يتوبوا فيغفر لهم ويقول هلم نتحاجج-يقول الرب إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كلثلج…أش1:18.
ومن محبة الله أنه يفرح بالراجعين إليه:
لايعاتبهم,بل يفرح بهم.كما قال في عودة الابن الضالينبغي أن نفرح ونسر.لأن ابني هذا كان ميتا فعاش,وكان ضالا فوجد لو15:32,24وهكذا لما وجد خروفه الضالحمله علي منكبيه فرحالو 15:5بل تفرح الملائكة أيضا معه.وهكذا يقول الكتاب إنه يكون فرح قدام ملائكة الله بخاطيء واحد يتوبلو15:10.
والرب في قبوله للخطاة يكون في محبته عميق المغفرة:تغني داود النبي بهذه المغفرة فقالباركي با نفسي الرب ولا تنسي كل إحساناته الذي يغفر جميع ذنوبك..الرب رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة لايحاكم إلي الأبد ولا يعقد إلي الدهر لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب آثامنا لأنه مثل ارتفاع السموات فوق الأرض قويت رحمته علي خائفيه كبعد المشرق عن المغرب أبعد عنا معاصينا…لأنه يعرف جبلتنا يذكر أننا تراب نحنمز103ومن محبة الله,فأنه في مغفرته لخطايانا يمحوها ولايعود يذكرها وهكذا يقول في سفر أرمياء النبيلأني أصفح عن إثمهم ولا أذكر خطيئتهم بعدأر31:34.
ويقول في سفر حزقيال النبي عن الشرير التائبكل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليهحز18:22حز33:16.ويقول بولس الرسول إن الله في المسيح-كان مصالحا لنفسه,غير حاسب لهم خطاياهم2كو5:19.ويتغني المرتل في المزمور بهذه المغفرة التي تمحي فيها الخطايا فيقولطوبي للذي غفر إثمه وسترت خطيته,طوبي للإنسان الذي لا يذكر له الرب خطيةمز32:2,1وقد اقتبس بولس الرسول هذا التطويبرو4:8,7.
بل أحس داود بعمق مغفرة الله في محبته فقال:أغسلني فأبيض أكثر من الثلجمز51:7.
ما أعظم هذه المحبة التي تغسل الخاطيء من خطيته فيبيض أكثر من الثلج…
0 بل أكثر من هذا كله فإن الله-لكي يغفر خطايانا-صلب بدلا منا:
وكما قال إشعياء النبيكلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلي طريقه والرب وضع عليه إثم جميعناأش53:6وقال عنه يوحنا المعمدان هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالميو1:29…وهذا قال القديس بولس الرسول إنالله بين محبته لنا,لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنارو5:8.
إذن المسيح-بالفداء-كان علي الصليب ذبيحة حب,إن عمل الصلب والفداء,كان عملا يدل علي عمق محبة الله لناهكذا أحب الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد لكي لايهلك كل من يؤمن به,بل تكون له الحياة الأبديةيو3:16وهكذا يقول القديس يوحنا الرسول عن المحبة بيننا وبين اللهليس إننا نحن أحببنا الله.بل إنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة عن خطايانا1يو4:10لهذا نقول قبل أن يصلب اليهود المسيح,صلبته محبته للبشر:
هو صعد علي الصليب بإرادته دفعته إلي ذلك محبته للبشر ورغبته في خلاصهم لقد قال عن نفسهأضع نفسي لآخذها ليس يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي لي سلطان أن أضعها وسلطان أن آخذها أيضايو10:17-18.إذن عقيدة الفداء التي هي أعظم عقائد المسيحية كان أساسها وسببها الحب,حب الله للناس…
الحب هو الذي سمر المسيح علي الصليب:
لقد تحدوه قائلينلو كنت ابن الله,انزل من علي الصليب مت27:40-42وكان يستطيع أن ينزل ولكنه لم يفعل لأن محبته هي التي كانت تسمره علي الصليب وليس المسامير…المحبة التي أشار إليها بقوله:ليس حب أعظم من هذا:أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه15:13.
بل هو قد وضع نفسه عن المسيئين إليه,عن الخطاة الذين كسروا وصاياه.وهكذا يقول بولس الرسولإنه بالجهد يموت أحد عن بار ولكن الله بين محبته لنا,لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنامات في الوقت المعين لأجل الفجاررو5:6,8,7
ولكن لكي يموت,كان لابد أن يلبس جسدا قابلا للموت ونحن نقول:إن محبة الله للبشر هي سبب التجسد:من أجلنا ومن أجل خلاصناأخفي ذاته,وأخذ شكل العبد,وظهر في الهيئة كإنسان…وأطاع حتي الموت,موت الصليبفي 8,7,4.
من أجلنا وبسبب محبته قبل الآلام وتعرض للإهانات ليس عن ضعف,وإنما عن قوة حب لكي يدفع ثمن خطايانا…وبعد عندي كثير لأقوله,ولكني أفضل أن أختم مقالي اليوم …بالفداء والتجسد كدليل علي محبة الله لنا.
وأرجو أن تعذروني يا إخوتي فقد كنت أظن أن الموضوع سينتهي بهذا المقال.ولكن يبدو أن له بقية…