محبة بلا حدود,هنا وفي الأبدية
يكفي أن المحبة هي أحد أسماء الله1يو4:8,16وقد اظهر الله محبته للبشر بأنواع وطرق شتي,مما لست أستطيع أن أشرحه,لأن محبة الله غير محدودة.ومهما كتبنا عنها فكتاباتنا محدودة.لذلك أوجز الشرح فأقول:
0 ظهرت محبة الله أولا في الخلق.لماذا؟وكيف؟
منذ الأزل كان الله وحده,وكان مكتفيا بذاته.ولكنه لم يشأ أن يبقي وحده.ومن أجل محبته لنا قبل أن نوجد,شاء فأوجدنا.ولم نكن شيئا جديدا بالنسبة إليه,فالله لايجد عليه شيء.إنما كنا في عقله فكرة,وفي قلبه مسرة,قبل أن يكون لنا وجود مادي فعلي…فكان وجودنا هو ثمرة حبه وثمرة كرمه.
ومن دلائل محبة الله للإنسان,إنه خلقه في اليوم السادس..
أقصد أنه خلقه بعد أن خلق كل شيء من أجله,حتي لايكون معوزا شيئا من أعمال كرامته.خلق له السماء سقفا,ومهد له الأرض لكي يمشي عليها.خلق له الطعام الذي يأكله.والماء الذي يشربه,والهواء الذي يستنشقه,والحيوان الذي يستخدمه أو يؤنسه.خلق الله النور:الشمس لضياء النهار,والقمر والنجوم لضياء الليل.ووضع لكل ذلك قوانين الفلك وضبط البحار والأنهار.وأخضع له طبيعة الحيوان..وأخيرا خلق الإنسان بعد أن أعد له كل شيء.وما أجمل تأملاتنا في ذلك في القداس الغريغوري,تحت عبارةمن أجلي…
ما أجمل أن نتأمل كل هذا فنقول:
لو أن الملائكة سألوا الله قائلينلماذا يارب تخلق الشمس والقمر والنجوم؟لأجابهممن أجل الإنسان حبيبي,الذي سأخلقه فيما بعدوبنفس الإجابة يجيبهم عن خلقه للأرض والثمار والأزهار والأطيار,والطبيعة الجميلة…كلها من أجل راحة الإنسان حبيبي…لذلك نستطيع أيضا أن نقول:إن عطايا الله لنا,سبقت خلقه إيانا.
من دلائل محبة الله لنا أيضا في الخلق,أنه خلقنا علي صورته ومثاله:
إذ قال في ذلكنعمل الإنسان علي صورتنا كشبهنافخلق الله الإنسان علي صورته,علي صورة الله خلقهتك1:27,26.
علي صورته من حيث إنه ذات وعقل وروح.ومن حيث أن له روحا خالدة,ومن حيث النقاوة والطهارة وحب الخير ومن حيث القيادة والسلطة.
فمن محبة الله للإنسان حينما خلقه,إنه منحه السلطان ومنحه البركة أيضا.
وفي ذلك يقول سفر التكوينوباركهم الله,وقال لهم أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها.وتسلطوا علي سمك البحر,وعلي طير السماء,وعلي كل حيوان يدب علي الأرضتك1:28وهكذا صار الإنسان وكيلا لله علي الأرض, وسيدا لكل الخليقة الأرضية وبنفس هذه البركة والسلطة بارك الله أبانا نوحا وبنيه بعد الطوفان ورسو الفلكتك9:2,1
إذ كان الإنسان قد فقد بعضا من هذه السلطة الآن,فهذه نتيجة للخطية ولكنه في البدء لم يكن هكذا…
ومن محبة الله في خلق الإنسان,إنه وضعه في جنة:
وفي ذلك يقول سفر التكوينوغرس الرب الإله جنة في عدن شرقا.ووضع هناك آدم الذي جبلهوأخذ الرب آدم,ووضعه في جنة عدنتك2:15,8وكانت الجنة مليئة بكل أنواع الثمار,وجميلة جدا يكفي أنها جنة.
ولم يكتف الله بهذا,بل خلق لآدم معينا نظيره:
خلقها من جنبه,وغرس بينه وبينها حبافقال آدم:هذه الآن عظم من عظامي,ولحم من لحمي.هذه تدعي امرأة,لأنها من امرء أخذتتك2:23.
وكان خلق حواء لآدم يشمل لونا آخر من محبته للبشرية إذ خلقهما ذكرا وانثيتك1:27لكي يكثروا ويثمروا ويملأوا الأرض ويكون هناك نسل فيما بعد,كعدد نجوم السماء ورمل البحر,لا يعد من الكثرةتك22:17.
وحتي بعد سقطة الإنسان الأول لم يتخل الله عن محبته.
ففيما هو يعاقب, فرج العقوبة بوعد بالخلاص فقال إن نسل المرأة سيسحق رأس الحيةتك3:15حقا كما يقول في القداس الغريغوريحولت لي العقوبة خلاصا.ولم يلعن الله آدم وحواء كما لعن الحيةتك3:14وإلا كانت اللعنة قد أصابت البشرية كلها.
وحتي عندما عاقب الله قايين, ولم يتخل الله عن رأفته فلما قال له قايينإنك قد طردتني اليوم عن وجه الأرض فيكون كل من وجدني يقتلني فقال له الرب:كل من قتل قايين فسبعة أضعاف ينتقم منهوجعل الرب لقايين علامة لكي لايقتله كل من وجدهتك4:15,14.
ومن محبة الله للإنسان رعايته بالناموس والأنبياء.
فلما سار الإنسان في طريق الضلال,وقال الجاهل في قلبه ليس
إلهمز14:1وفسد البشر جميعا وإذا ليس من يعمل صلاحا,ليس ولا واحدمز14:3بل حتي ضمائرهم أظلمت ولم تعد تهديهم أرسل الله لهم الأنبياء لكي يبلغوهم صوت الله وأوامره.كما زودهم بالوحي الإلهي وبالشريعة المكتوبة بل أن أول لوحين للشريعة كانا مكتوبين بأصبع الله…
واللوحان هما صنعة الله,والكتابة كتابة الله منقوشة علي اللوحينخر32:16.
واستمر الله يرسل الأنبياء لهداية الناس حتي بعد أن تركوا عهده ونقضوا مذابحه وقتلوا أنبياءه بالسيف1مل19:14وحتي بعد أن عبدوا العجل الذهبي خر32وعبدوا الأصنام فترات طويلة…
ومن محبة الله للإنسان أنه كان الراعي الصالح له.
كما تغني داود النبي في المزمور قائلاالرب يرعاني فلا يعوزني شيء في مراع خضر يربضني إلي ماء الراحة يوردني.يرد نفسي, يهديني إلي سبل البرمز23وقال الرب في سفر حزقيال النبيأنا أرعي غنمي وأربضها يقول السيد الرب-وأطلب الضال وأسترد المطرود وأجبر الكسير وأعصب الجريح..حز34:15, 16.بل إن الرب تكلم بشدة ضد الرعاة الذين يرعون أنفسهم,وقد أهملوا غنمه وخرافه,فقالهأنذا علي الرعاة ,وأطلب غنمي من يدهم,وأكفهم عن رعي الغنم,ولا يرعي الرعاة أنفسهم بعد,وأخلص غنمي من أفواههم فلا تكون لهم مأكلاحز34:10
وفي العهد الجديد يقول السيد الربأنا هو الراعي الصالح,والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخرافيو10:11أنا هو الراعي الصالح وأعرف خاصتي وخاصتي تعرفنيخرافي تعرف صوتي فتتبعني,ولن تهلك إلي الأبد ولايخطفها أحد من يدييو10:28,27,14.
ورعاية الرب لشعبه شاملة تشمل كل تفاصيل الحياة:
فهو يرعاهم ماديا وروحيا ويخلصهم من أيدي أعدائهم كما قال موسي النبيقفوا وانظروا خلاص الرب…الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتونخر14:14,13وقصص أمثال هذا الخلاص التي تظهر محبة الرب كثيرة في سفر القضاة.
ومحبة الرب في رعايته المادية لأولاده تظهر في معجزتي المن والسلوي,وفي إرساله الطعام لإيليا النبي عند نهر كريت أثناء المجاعة في عبارة مؤثرة قال له فيهاوقد أمرت الغربان أن تعولك هناك1مل17:4بل تظهر محبة الرب العجيبة في هذا الأمر,إذ إنه يشرق شمسه علي الأشرار والصالحين,ويمطر علي الأبرار والظالمينمت5:45بل إنهيعطي البهائم قوتها,وفراخ الغربان التي تدعوهمز146ويعطي طعاما لكل دودة تدب تحت حجر…ما أعجب محبته للكل وما أعجب حنانه.
ورعايته الروحية تشمل قصة الخلاص كلها.
وفي ذلك قال بولس الرسول عن الله في إرساله الخدام للعناية الروحية بالناسوهو أعطي البعض أن يكونوا رسلا,والبعض أنبياء والبعض مبشرين والبعض رعاة ومعلمين لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة,لبنيان جسد المسيح,إلي أن تنتهي جميعا إلي وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله…أف4:11-13بل قال أيضا عن الملائكةأليسوا جميعهم أرواحا خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص عب1:14.
أما عن محبة الله في إرسال الملائكة لخدمة البشر ولمعونتهم,فهي موضوع طويل يدل علي عمق محبة الله…
يحدثنا عنه دانيال النبي في الجب وهو يقولإلهي أرسل ملاكه,فسد أفواه الأسوددا6:22ويقول أبونا يعقوب أبو الأباء الملاك الذي خلصني من كل شرتك48:16.ملاك آخر أنقذ بطرس الرسول من السجنأع12:11,7وملاك ضرب جيش سنحاريب وخلص الشعب منه2مل19:35حقا كما يقول الكتابملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهممز34:7.
ومن محبة الرب أيضا يرسل ملائكة البشارة والفرح
ملاك يبشر العذراء بالحبل بالمسيحلو1:26-38.وملاك يبشر زكريا بيوحنا المعمدانلو1:11-20وملاك يبشر الرعاة بميلاد المسيحلو2:8-14,وملاك يبشر يوسف النجارمت1:21.20…وما أكثر الملائكة الذي بشروا النسوة بالقيامة…وملائكة البشري كثيرون في الكتاب المقدس يرسلهم الله من محبته حاملين أخبارا مفرحة.
ومن محبة الله لنا,أنه دعانا أبناء له..
وفي هذا يقول القديس يوحنا الرسول انظروا أية محبة أعطانا الآب حتي ندعي أولاد الله1يو3:1.
وهكذا نصلي باستمرار ونقولأبانا الذي في السمواتمت6:9وتتكرر عبارةأبوكم السماويمرات عديدة في العظة علي الجبل وترتبط بالكمال المطلوب منا حينامت5:48وبالمغفرة حينا آخرمت6:14وبالعمل في الخفاء أحيانامت6:18,6,4وترتبط بعناية الله أيضا إذ يقول فكم بالحري أبوكم الذي في السموات يهب خيرات للذين يسألونهمت7:11.لاتهتموا قائلين:ماذا نأكل أو ماذا نشرب,أو ماذا نلبس لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلي هذه كلهامت6:32,31.
ما أعمق أن نعتمد باستمرار علي محبة هذا الآب السماوي.ومحبة الله دعتنا أبناء أيضا حتي في العهد القديم:فهو ينادي كلا منا قائلايا ابني أعطني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقيأم23:26ويقول الوحي في قصة الطوفان قائلا عن نسل شيث رأي أولاد الله بنات الناس أنهن حسناتتك6:2ويعاتب الله شعبه قائلاربيت بنين ونشأتهم أما هم فعصوا عليأش1: ويعاتب في سفر ملاخي قائلاالابن يكرم أباه,والعبد يكرم سيدهفإن كنت أنا أبا فأين كرامتي؟وإن كنت سيدا فأين هيبتي؟ملا 1:6.
ويناديه الشعب في سفر أشعياء النبي قائلينتطلع من السموات وانظر من مسكن قدسك…فأنك أنت أبونا وأن لم يعرفنا إ براهيم أنت يارب أبونا ولينا,منذ الأبد اسمكأش63:16,15.وأيضاوالأن يارب أنت أبونا نحن الطين وأنت جبلتناأش64:8
إن كلمة أب تحمل مشاعر عميقة لاتحصي:
تحمل معاني الحب والحنان,والرعاية أيضا وتحمل معاني الرأفة والإشفاق أيضا وهكذا يقول داود النبي في المزمور كما يترأف الأب علي البنين يترأف الرب علي خائفيه لأنه يعرف جبلتنا يذكر أننا تراب نحنمز102وعبارة الأبوة تعني إنه يعاملنا كأبناء وليس كعبيد وتعني أيضا أن لنا ميراثا في السماء كبنين وتعني كذلك أنه يجب علينا أن نبادل هذا الأب حبا بحب كما قال القديس يوحنا الرسولنحن نحبه لأنه هو احبنا أولا1يو4:19وإلا فأننا نستحق توبيخ الرسول حينما قال إن كنتم تحتملون التأديب,يعاملكم الله كالبنين فأي ابن لايؤذيه أبوه ولكن أن كنتم بلا تأديب…فأنتم نفول لأبنونعب12:8,7
ما أكثر أيضا ألقاب الحب التي يلقبنا بها الله:ليس فقط أبناء بل يشبهنا أيضا بالعروس ويقول القديس يوحنا المعمدان عن المسيح والكنيسة من له العروس فهو العريس.أما صديق العريسعن نفسهالذي يقف ويسمعه فيفرح فرحايو3:29نفس التشبيه يقوله السيد الرب في مثل العذاري الحكيمات اللائي يسهرن حتي مجيء العريسمت25:ونفس التشبيه فيأف5:25-33وعن هذا التشبيه في الحب ورد سفر كامل في الكتاب هو سفر نشيد الأناشيد عن العلاقة بين الله والنفس البشرية:كذلك يشبه علاقتنا به بالعلاقة بين الجسد والرأس:
فالمسيح هو رأس الكنيسة وهو مخلص الجسدلو5:23وكلنا أعضاء في جسده…أو هناك تشبيه آخر مماثل,إنه الكرمة ونحن الأغصان.والغصن الثابت فيه أي في الكرمة هو الذي يأتي بثمر ديو15:5ولذلك كله-من محبته لنا-دعانا خاصته وقيل عنه إنه أحب خاصته الذين في العالم أحبهم حتي المنتهييو13:1ومن محبته لنا دعانا هياكل لروحه القدوس:
فقال القديس بولس الرسولأما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم…لأن هيكل الله مقدس الذي أنتم هو1كو3:17.16وكرر ذلك في1كو6:19.
إن سكني الله فينا موضوع عميق وجميل,ليتنا نستطيع أن نرجئه إلي عدد مقبل.
ها أنت تري يا أخي القاريء أن الورقة التي في يدي قد انتهت والموضوع لم ينته بعد,وأسرار محبة الله أعمق من أن يسعها مقال واحد,بل أعمق من أن يسعها كتاب…
لذلك إلي اللقاء في عدد مقبل,لنتابع تأملنا في هذا الموضوع إن أحبت نعمة الرب وعشنا.