قدم المحامون الذين يمثلون أسر أولئك الذين قتلوا أثناء الانتفاضة المصرية طلبا في الأسبوع الأخير من سبتمبر لإسقاط الدعوي في محاكمة الرئيس حسني مبارك في قضية قتل المتظاهرين. ولم يكن يفترض أن تسير الأمور علي هذا النحو. وكان يفترض أن تمثل المحاكمة مرحلة جوهرية للعدالة في الفترة الانتقالية – وفرصة لمحاسبة مبارك وكبار مسئوليه خلال فترة حكمه التي استمرت 30 عاما علي ما اقترفوه من جرائم. بيد أنه بعد مجرد أسابيع من بدء المحاكمة, تدل المؤشرات الأولية علي أن المصريين سوف يصابون بخيبة أمل من النتيجة.
يواجه مبارك اتهامات في ثلاث جرائم: فبالإضافة إلي ادعاءين بالفساد, فإنه متهم بإعطاء أوامر بإطلاق النار علي المحتجين أثناء الثورة التي أطاحت بنظامه. فقد قتل نحو 850 شخصا أثناء المظاهرات. وفي حالة إدانة مبارك, فإنه قد يواجه المشنقة. وفي حين قد تتم إدانته إذا ما وجد مذنبا في تهمتي الفساد الأقل حدة, إلا أنه من المرجح بشكل متزايد أن ينجو من تهمة القتل.
وبغض النظر عن شكاوي الادعاء بالتحيز القضائي, فإن المشكلة لا تكمن في المحاكم أو القضاة. فحتي في ظل ذروة نظام مبارك الإستبدادي الفاسد, احتفظت الهيئة القضائية بالكثير من الاستقلالية وكانت واحدة من المؤسسات الأكثر احتراما في الدولة.
تكمن المشكلة بصفة أساسية في ترتيب المحاكمة علي عجل, دون توفير وقت كاف للادعاء من أجل إعداد القضية مما ترتب عليه توجيه تهم محدودة تتعلق إلي حد ما بالتجاوزات الأخيرة فقط. وإذا كان هناك وقت كاف, ربما كان الادعاء قد تمكن من متابعة بعض من انتهاكات حقوق الإنسان التي دامت عقود من الزمن وغيرها من التجاوزات المتأصلة من جانب النظام. وللأسف, كان الوقت محدودا ويرجع ذلك إلي حد كبير إلي أن ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## الذي يحكم مصر حاليا كان مترددا في تحويل مبارك إلي المحاكمة. وعندما وافق الجيش في النهاية علي إجراء المحاكمة, فإنه فعل ذلك تحت ضغط من الشارع.
إن التعجل في المحاكمة لافت للنظر. وعلي سبيل المقارنة, لننظر إلي الإطار الزمني لمحاكمة الدكتاتور العراقي صدام حسين. فقد تم إلقاء القبض علي صدام في ديسمبر 2003, ولم تبدأ محاكمته حتي أكتوبر 2005 – أي ما يقرب من عامين بعد القبض عليه.
والعامل الآخر الذي يجعل الأمر أكثر تعقيدا هو الطبيعة العامة للمحاكمة. فعلي عكس المحاكمات الجنائية في الغرب – حيث لا تدلي عادة عائلات الضحية بشهاداتها إلا أثناء مرحلة إصدار الحكم في القضية – فإن عشرات المحامين الذين يمثلون عائلات القتلي يشاركون في المحاكمة المدنية/الجنائية المختلطة. والأمر الذي ربما لا يدعو للدهشة أن هؤلاء المحامين لا يوافقون علي المطالب ولا علي النقاط الإجرائية. والأسوأ من ذلك أنه حتي منتصف أغسطس (عندما أمر القاضي بإخراجهم), كان المحامون يتسارعون من أجل الوقوف أمام كاميرات التليفزيون في قاعة المحكمة. وكما قال أحد محامي الدفاع ساخرا قبل بضعة أسابيع ##علي هذا المعدل سوف تستغرق القضية عشر سنوات##.
بيد أن الأمر أكثر إزعاجا للإدعاء هو بعض الانتكاسات المبكرة مع الشهود. فلم يقم حتي الآن أي من الشهود الذين أدلوا بإفاداتهم بإدانة الرئيس – أو شريكه المدعي عليه في قضية القتل التي يحاكم فيها وزير الداخلية السابق حبيب العادلي – في عمليات القتل. والواقع أن العديد من ضباط الشرطة رفيعي المستوي وكذلك نائب وزير الداخلية قد شهدوا جميعا بأنهم لم يتلقوا أي أوامر بإطلاق النار علي المتظاهرين. وقد استاء الإدعاء من ذلك — واتهم الضباط بتغيير أقوالهم السابقة – لكن الضرر قد وقع بالفعل.
كما أن الشهود اللامعين – أي هؤلاء الذين يرجح أنهم علي معرفة بما حدث بالفعل – كانوا أقل رغبة للمساعدة في إثبات القضية. وبالنظر إلي ولائهم لمبارك ورغبتهم في إبعاد أي محاكمات جنائية مستقبلية ضدهم, كان من الواضح أن وزير الدفاع محمد حسين طنطاوي ورئيس هيئة الأركان سامي عنان – الذي شهد وراء أبواب مغلقة في وقت مبكر من هذا الشهر – لم يوجها أي اتهامات إلي رئيسهما السابق. ومن الطرافة, ووفقا لمحضر شهادته من 24 سبتمبر التي تم تسريبها, أجاب طنطاوي بـ ##لا أعلم## علي سؤال واحد تقريبا من بين كل 3 أسئلة. وبدلا من إدانة مبارك, أشار طنطاوي بأن ##التدخلات الأجنبية## ربما لعبت دورا في العنف.
ومن الواضح أن الدولة واجهت صعوبات مع الشهود الذين جلبتهم. لكن الحقيقة هي أنه حتي لو منح الإدعاء وقتا كافيا وكان أفضل تهيئا, فرغم ذلك سيكون من الصعب الإثبات بأن مبارك كان قد أصدر أمرا – إلي وزير الداخلية أو أي شخص آخر – بقتل المتظاهرين. وبالطبع, قد تنتهي المحاكمة بشكل جدلي, ووفقا لكل الحسابات إن مبارك مريض بالسرطان وقد لا يعيش إلي حين انتهاء المحاكمة. ونظرا لأنه في الثالثة والثمانين من عمره, فإذا أدين حتي بتهمة واحدة من تهمتي الفساد, فسوف يكون ذلك حكما بالسجن مدي الحياة.
ورغم ذلك, فبالنسبة لأسر الضحايا والعديد من المصريين, فإن أي شيء أقل من إصدار حكم الإعدام علي مبارك سيكون إجهاضا للعدالة وسببا مقنعا للعودة مرة أخري إلي ##ميدان التحرير## للاحتجاج. إلا أن ذلك سيكون خطأ. وعلي كل حال, فمن المفارقات أنه إذا نجا مبارك من حبل المشنقة, فسيكون ذلك بسبب تطبيق سيادة القانون فقط.
وفي النهاية, فليس لدي واشنطن أي مصلحة في حياة مبارك أو وفاته. وإنما المهم – لمستقبل العلاقات الثنائية والنجاح الاقتصادي والسياسي في مصر علي حد سواء – أن تكون العملية القانونية شفافة وموثوقة وليست قائمة علي عدالة الغوغاء. ومع ذلك, فوفقا لما يشير إليه الاجتياح الأخير للسفارة الإسرائيلية وإعادة تطبيق ##قانون الطوارئ##, فإن السيطرة علي الشارع تحل بشكل متزايد محل سيادة القانون في مصر. ومما يدعو للأسف أنه إذا لم يعالج الجيش المصري هذه المشكلة بشكل سريع, فلن يكون هناك استقرار ولا تحول إلي الديموقراطية ولا عدالة حقيقية لمبارك – أو لأي شخص آخر في مصر – لبعض الوقت في المستقبل.
سي. إن. إن جلوبل ببليك سكوير