تشكل الأمثال وسيلة معروفة في زمن يسوع, وهي مستعملة كثيرا عند الربانيين. لذا يتبع يسوع طريقة تعليم كانت معروفة آنذاك, ولكنه يعطي هذا التعليم مضمونا جديدا.كما يعتبر يسوع الأمثال التي يستمدها من الحياة اليومية, سبيلا جيدا لإفهام الشعب كرازته.
كان يسوع يتوقع أن تدخل الأمثال مباشرة إلي أذهان السامعين دون جهد خاص يبذلونه. لكن ما حصل, حسب رواية الإنجيليين, هو العكس: لم يفهم ##الذين حوله مع الاثني عشر## مثل الزارع, بل سألوا يسوع مباشرة عن معناه فأجابهم: ##قد أعطي لكم أن تعرفوا سر ملكوت الله. وأما الذين هم في خارج فبالأمثال يكون لهم كل شيء…##
يطرح علينا المثل السؤال التالي: ما هو المعني الحقيقي أو هدف المثل الرئيسي؟.
ربما يريد يسوع, عن طريق هذا المثل, أن يعلم أن كرازة الإنجيل لا بد أن تلقي العثرات والفشل, وهكذا يهيئ تلاميذه بصورة مناسبة لكي لا ييأسوا من الفشل بل أن يتابعوا عملهم بإيمان وصبر. وهنالك ناحية أخري يضعنا فيها المثل وهي التذكير بالثمار الأخيرة للأرض الجيدة والتي تفوق كل توقع سابق وكل قياس بشري.
إن ما يريد يسوع أن يعلمه بصورة رئيسية هو: أن نجاح كرازته, وبالتالي كرازة الكنيسة, يتعلق في النهاية باستعداد السامعين وتجاوبهم. إن كلام الإنجيل لا يثمر دائما, فهذا يعود إلي نفوس الناس التي لا تشكل كلها ##أرضا جيدة##. لا يعود فشل الكرازة الجزئي (وليس الكلي) إلي ضعف الزرع أو إلي ضعف نشاط الزارع بل إلي نوعية الأراضي التي يلقي فيها الزرع.
يحدثنا المثل عن النجاح والفشل الذي يمكن أن يعترض ملكوت الله عند دخوله العالم من خلال أعمال يسوع وتعاليمه. كما نفهم أن المشكلة الوحيدة في المثل هي الفشل, لأن المثل يجبرنا علي التفكير في الأسباب التي تؤدي إليه.
عندما بدأ يسوع يعلن عن ملكوت الله, آثار حماسا عند سامعيه للوهلة الأولي. لكن سرعان ما ظهر خط آخر يتميز بالشك والتردد والاعتراض والرفض. من الواضح انه عندما يدخل ملكوت الله بشكل مباشر إلي العالم, لا بد له من أن يواجه مقاومة قوية. وهكذا اختبر يسوع أن إعلان البشري السارة, عندما تتوجه إلي الإنسان, لا تجد فقط جوابا إيجابيا, إنما تجد أيضا معارضة ومواقف عنيفة, لا سيما من قبل الأشخاص المتوقع أن يكونوا أول القابلين لهذا الإعلان, أي الأشخاص الأتقياء والكتبة والفريسيين.
إن السيد المسيح في مواجهته للفشل, لا يقبل حالة العدائية أو الإحباط. وبقوة طبيعته الإنسانية الغنية, كونه أيضا ابن الله, يعلم أن من يدخل في تاريخ البشر, بغض النظر عن إرادة الإنسان الحسنة أو الشريرة, يعيش في نسيج ملئ بالشك والريبة والغموض والفشل علي المستويين الفردي والجماعي, ويقبل هذا الواقع باتزانه المعهود.
و في مواجهة الفشل في مجالات التعليم والعمل الاجتماعي والكنسي سرعان ما نتهم نحن الآخرين أو نحبط. وعندما نري أن ##الزرع## الذي نزرعه والذي نظن أنه جيد, لا يثمر بالقدر الذي ننتظره, نبدأ بتفسير ذلك سلبا ونلقي التهمة علي الواقع وعلي الأشخاص الذين يحيطون بنا, أو ندخل نحن في أزمة هوية شخصية.
لا يشك يسوع في رسالته أو في الأشخاص ولا يتشائم. ذلك أنه يعلم أن عمل أبيه السماوي سيثمر يوما ما. ومن خلال طبيعته البشرية وهو ابن لله, يقبل أن يسير مع البشرية في طريقها البطيء للوصول إلي الهدف.
لذلك يحثنا هذا المثل علي زيادة ثقتنا بالله وعلي أن ندرك أن ##بذرة## ملكوته ستثمر.وإن النجاح سيكون حليفه في النهاية بالرغم من ضياع بعض ما زرعه, فعلينا أن نكون واقعيين لا شك وأن ندرك صعوبة العمل, لكن علينا أيضا أن نكون مؤمنين واثقين كما كان يسوع لأننا نعلم أن قدرة الله ستعطي ثمرها عاجلا أم آجلا. هذا الرجاء هو أساس الجهد الذي نقوم به مرارا وتكرارا لتغيير الواقع المعاش في حياتنا وفي حياة من حولنا وحياة جماعاتنا المسيحية.
دعوتنا أن نصبح تربة بلا صخور ولا حصي أو أي شيء يعيق نمو الغرس. تربة معدة تماما لاستقبال مشيئة الله وكلمته برضي و بفرح أيضا.