تحدثنا في العدد السابق حول الجماعات الإسلامية ضمن مثلث الخطر علي الدولة المدنية وفي هذا العدد نتناول الضلع الثاني من مثلث الخطر وهي الجماعة السلفية أو ##السلفيون## وهم الضلع الأكثر عنفا فكريا ورفضا للآخر بكل ألوانه طالما لا يلتزم بمنهجهم المبني علي القرآن والسنة ولهم العديد من المواجهات العنيفة والرافضة للأقباط والإخوان والليبراليين واليساريين والصوفيين, وتعظم دورهم وبدأ في الظهور والتعبير عن أنفسهم عقب أزمة كاميليا شحاتة وتنظيم مظاهرات بمدينة الإسكندرية ضد قداسة البابا شنودة والكنيسة والحض علي الكراهية والتي استمرت لأكثر من خمسة أسابيع برعاية الأمن الراعي الرسمي للسلفيين الذي سمح بخروجهم لقمع الإخوان المسلمين.
وعقب ثورة 24 يناير بدأ ظهور السلفيين بشكل أكثر انتشارا وتنظيما بعقد العديد من المؤتمرات ببعض المحافظات ورفع السلفيون شعارات معادية للدولة المدنية والديمقراطية مثل (لا مدنية ولا علمانية.. إسلامية إسلامية) و(الشعب يريد تحكيم الكتاب) وقاموا بنشر ملصقات علي الحوائط تدعو لقيام دولة إسلامية فالسلفيون يرفضون الآخر ويرفضون فكرة الديموقراطية ووجود أحزاب وبرلمان وانتخابات ويرفضون الاعتراف بحقوق المرأة ومصافحتها للرجال ويجبرونها علي ارتداء النقاب ويرفضون الإبداع بكل أشكاله علي اعتبار أنه خروج عن أصول الدين ويستخدمون قنواتهم الفضائية المتطرفة مثل الحكمة والرحمة وشرائط الكاسيت التي توزع بالمجان علي سائقي الميكروباص والتاكسي لترويجها والتي أطلق عليها ثورة شرائط الكاسيت في الثمانينيات, التي لم تزل تطبع وتوزع حتي اليوم, وهي نفس الوسيلة التي قادت فريق تلك (المدرسة) إلي الذيوع والانتشار من قلب جامعة الإسكندرية في السبعينيات إلي كل أنحاء الإسكندرية الآن وهي عاصمتهم الأولي ولا يري السلفيون في الحكم الحالي أي شرعية دينية, ويطالبون بعودة الخلافة الإسلامية..
مؤتمرات الكراهية !
عقب ثورة يناير سارع السلفيون بعقد مؤتمرات بالمحافظات للمرة الأولي في أسيوط تشهد المدينة ذات القبضة الأمنية الحديدية لافتات باسم ##الدعوة السلفية## تهاجم مدنية الدولة وتعتبرها محاولة لإسقاط الدين, كما شهد المؤتمر الذي عقد بمسجد عمر مكرم حضور عدد من الحركة السلفية في الإسكندرية (معقل السلفيين), تناوبوا في كلماتهم التأكيد علي ضرورة عدم المساس بالمادة الثانية من الدستور التي تنص علي أن ##الإسلام دين الدولة##, ويستخدم السلفيون منهج المكر لجذب مؤيدين لهم من خلال حرصهم علي أنهم لا يسعون للسياسة مثل الإخوان وأنهم يمارسون الدعوة لله ويقومون بدعوتهم دون أية مضيقات أمنية.
قال الدكتور سعيد عبدالعظيم من مشايخ السلفيين في المؤتمر الذي عقد بالوادي الجديد حول ضرورة تفعيل المادة الثانية من الدستور, والتمسك بها وضرورة الالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية, والتمسك بالإسلام ومقاليده في الحياة. وطالب الشيخ محمد حسان في مؤتمر عقد بالمنصورة ضرورة الحفاظ علي هوية الدولة الإسلامية وخرجت مسيرات السلفيين بإسكندرية ومنطقة فيصل بالجيزة والمنوفية للدعوة لتطبيق الشريعة ورفض فكر المدنية.
منهج السلفية
السلفية هي منهج عقائدي وسلوكي ممتد منذ عهد المسلمين الأوائل (السلف) , التي تستهدف تغيير إصلاح أنظمة الحكم والمجتمع والحياة عموما إلي ما يتوافق مع النظام الشرعي الإسلامي والسلفية برزت بمصطلحها علي يد الإمام أحمد بن تيمية في القرن الثامن الهجري والتي تدعو إلي التمسك بأخذ الأحكام من القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة بفهم السلف وتطبيقهم, ويبتعد عن كل المدخلات والفلسفات الغريبة عن قواعد الإسلام وتعاليمه, والتمسك بما نقل عن السلف من عقائد وقواعد.
بعد ذلك شهد المنهج السلفي انحسارا ملحوظا شعبيا وسياسيا بعد انقسام الفقهاء الإسلاميين وأهل الحديث إلي حنبلية وأشعرية, إلي أن ظهر ابن تيمية في القرن السابع بالتزامن مع سقوط عاصمة الدولة العباسية بغداد علي أيدي التتار فعمل علي إحياء المعتقد السلفي ومذهب أحمد بن حنبل, وقام بشن حملة علي من اعتبرهم أهل البدع داعيا إلي إحياء عقيدة ومنهج السلف من أجل تحقيق الإصلاح والتمكين. ولقد أثارت دعوته جدلا في الأوساط الإسلامية حينها.
.. ثم شهدت السلفية انحسارا كبيرا مرة أخري في القرن الحادي عشر لتعاود الظهور مرة أخري في القرن الثامن عشر الميلادي متمثلة في دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في شبه الجزيرة العربية, والتي واكبت عصر انحطاط وأفول نجم الدولة العثمانية وصعود الاستعمار الغربي. وأحدثت هذه الدعوة تأثيرا كبيرا في مختلف أنحاء العالم الإسلامي, وأحدثت لغطا كبيرا بين مؤيديها ومعارضيها.
يعتمد السلفيون في تلقي دينهم علي القرآن والسنة الصحيحة ويعتقد السلفية بوجوب إفراد الله بالحكم والتشريع أو ما يعرف حديثا بالإسلام السياسي. وأن أحكام الشريعة الإسلامية الواردة في الكتاب والسنة واجبة التطبيق في كل زمان ومكان حسب فهمهم لها. ويعتقدون أن من أشرك في حكمه أحدا من خلقه سواء كان حاكما أو زعيما أو ذا سلطان أو مجلسا تشريعيا أو أي شكل من أشكال السلطة, فقد أشرك بالله.
رفض الديموقراطية..
يعتقد السلفيون أن الأيديولوجيات العلمانية التي تحكم اللعبة السياسية في البلدان الإسلامية هي أيديولوجيات غربية مستوردة وغريبة عن روح الإسلام وتعاليمه. ويرفضون الديمقراطية كنظرية سياسية, ويروجون لمصطلح ##الشوري## كبديل شرعي إسلامي لها. كما يرفضون كافة المذاهب السياسية العلمانية السائدة, يمينية كانت أو يسارية كما يعترضون علي الأطر الأيديولوجية التي تتم فيها عمليات الانتخابات في سائر الدول الإسلامية. فلذلك يعزف السلفيون عن المشاركة في أغلب عمليات الانتخابات في الدول العربية والإسلامية.
يعتقد السلفية أن الجهاد بموجب أحكام الشريعة الإسلامية هو فريضة كفاية ويعتبر الشيخ عبدالله عزام هو مؤسس هذا التوجه من خلال جهاده ضد السوفييت في أفغانستان. وتأثر به العديد من شباب وشيوخ المسلمين في ذلك الوقت, من أبرزهم الملياردير السعودي السابق أسامة بن لادن, مؤسس تنظيم القاعدة.
رفض شعارات الوحدة الوطنية !
وبالعودة إلي آرائهم التي نشرت نجد أن ياسر برهامي أحد قائدة السلفيين عندما سئل عن رأيه في أسامة بن لادن قال: نسأل الله أن ينصر المجاهدين في العراق والشيشان وأفغانستان وفلسطين وسائر بلاد المسلمين ووجود بعض من هؤلاء قد يكون عنده جرأة في التفكير أو حتي عقيدة غير صحيحة لا يحبط عمل الآخرين الذين هم علي عقيدة صحيحة.
وبرفض ياسر البرهامي رفع شعارات الوحدة الوطنية وقدم فتوي بتحريم ذلك برفع شعار (الهلال والصليب) وقال: (كيف للمسلم أن يرفع شعارا يناقض القرآن كما أنه لا يوجد شئ اسمه (صلاة مشتركة) أو (لنصلي معا).
لقد أصدر (برهامي) هذه الفتوي علي الرغم من أنه كان قد أصدر عقب أحداث كنيسة القديسين بيانا أدان فيه جريمة الإرهاب علي الكنيسة واعتبرها (مفتاح شر بمصر), و(سفكا للدماء بدون وجه حق), واعتبر أن (المصريين مسلمين وأقباطا قد تعايشوا قرونا في تسامح وسلام رغم اختلاف عقائدهم). غير أنه عاد في فتوي تحريم رفع الهلال مع الصليب ليقول: نحن رغم إدانتنا للحادث إلا أنه لا يمكن قبول ما يخالف نصوص الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة وصب هجومه علي الآخر وطالب بمقاطعة المسيحيين.
وفي باب (فتاوي حول النصاري), في موقع (صوت السلف) الذي يحرره ياسر برهامي, نجد مجموعة من الفتاوي التي تحض علي الكراهية, وتعبر عن قناعات شديدة التطرف تناقض أبسط مبادئ الوحدة الوطنية.. إذ قال بوجوب عدم حضور حفلات عقد قران الأقباط لأنها تذكر فيها عبارات تخالف العقيدة, وأفتي (برهامي) بأن محاربة التنصير أولي من بناء مسجد, وأن من يقول لمسيحي سيادتك وحضرتك إنما يرتكب إثما لأنه يقول ذلك لمنافق, ونهي عن تهنئة المسيحيين بالأعياد, لأن فيها تعظيم شرك بالله, ما يعني أن كل من يحضرون عيد القيامة في البطريركية يرتكبون إثما, وقد اعتبر أيضا أن من يقول إن المسيحيين أفضل من المسلمين في المعاملة يجب إقامة الحجية عليه قبل تكفيره ويهاجم (برهامي) جماعة الإخوان ببعض الرفق, ويختلف معها في أمور كثيرة, ومنها الحديث عن الديموقراطية والمدنية.
تمويل سعودي..
يقف وراء السلفيين المملكة السعودية حكومتا وشعبا تؤمن بهذا المذهب, وأيضا تنتشر السلفية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي, تتبني المنهج السلفي وتقوم بتمويله ماديا ومعنويا وتوظف أعضاءها بالمملكة وفي مصر يتواجد السلفيون بالإسكندرية باسم سلفية الإسكندرية وهي الأقوي والأكثر تنظيما وجماعة أنصار السنة المحمدية وهي الأقدم في أوساط أهل السنة والسلفيين الجهاديين وهم الأشد عنفا. وتعتبر الإسكندرية هي المعقل الأول والمحرك للسلفيين ثم تنحصر أعدادهم في الدقهلية وبني سويف والمنوفية وحلوان وفيصل بالجيزة وأسيوط وبعض مناطق القناة وأسفرت نتائج المؤتمرات التي قاموا بعقدها عن أهداف أههما السعي لإنشاء دولة إسلامية والقيام ببعض الواجبات الشرعية المهملة في النظام السابق مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون القوي والتواصل الكبير مع الدولة السعودية. فهي الداعمة للحركة السلفية وهي الحاضنة لها ولشبابها وطلابها. ولن تبخل بتقديم الدعم المادي والمعنوي من خلال مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية.
انقسام السلفيين حول المشاركة
عقب ثورة 25 يناير شهدت الجماعة السلفية انقساما بشأن المشاركة السياسية حيث يري المعارضون أن الشوري تختلف عن الديمقراطية وأن الديموقراطية تسمح بتقدم الضالين فكريا أو العلمانيين للسلطة ويرون أن الديموقراطية تجعل البشر يصوتون علي أحكام الله ويرون أن نظام الحكم يجب أن يكون بالشوري الذين هم أهل العلم والأذكياء والباحثون وجمعوهم فقالوا أهل العقد والحل. في حين يري الطرف المؤيد أن الديموقراطية نظام قابل للتطور ودمجه ليصبح إسلاميا بل وذهب بعضهم إلي أن نظام الخلافة الراشدة لو استمر لكان المسلمون اكتشفوا الديمقراطية قبل الغرب. ومعظم السلفيين المعاصرين رفعوا الديموقراطية المؤسلمة كحل لقيام الأمة وهي ديموقراطية تعتمد علي الدستور الإسلامي بكل أشكاله الشرعية والسياسية ويمنع التصويت في أحكام الله ويقود الأمة أهل الشوري بدون تحزب أو تجمهر ويري المؤيديون أيضا أن حقوق الأقليات يجب أن تؤخذ من الدستور الإسلامي الذي يعطيهم حقهم كاملا في بناء معابدهم واحتكامهم إلي أنفسهم حسب مايعتقدون إلا إذا اختلفوا فيرجعون للإسلام.
ومن ضمن المؤيدين الشيخ محمد حسان الذي قال بمؤتمر الدقهلية ##أطالب شيوخنا بإعادة النظر في كثير من المسلمات في السنوات الماضية, كمسألة الترشح لمجلسي الشعب والشوري وللرئاسة وللحكومة وللنظام, وأطالب شيوخنا أن يجتمعوا وأن يؤصلوا ليخرجوا شبابنا من الفتنة ومن البلبلة التي عاشوها طيلة الأيام الماضية.
ويعترض الشيخ أبو اليمين المنصوري أحد مشايخ السلفيين علي منطق تأييد الديموقراطية لأن السلفيين لا يعملون بالسياسة لأن السياسة لعبة والذي يندس فيها لا أمة له لذا نحن لا نؤمن بالأحزاب أو الانتخابات وأن حديث بعض أعضاء السلفية لا يعبر عن الجماعة كلها وما يروج لإنشاء حزب سياسي ليس من منطقنا وحول اتهامهم بالتقليد والسير علي ماض لا وجود له وأنهم لا يصلحون لهذا الزمن قال أبو اليمن إننا نتمسك بأصول الدين وليس ضد الحضارة ولكن ننطلق من مدنية إسلامية ثابتة, وأشار أنهم لا يعترفون بمنهج الإخوان المسلمين الذين هم أكثر تنظيما ومشاركة في السياسة ورفض هجوم الإخوان عليهم بوصفهم سلبيين لأن هناك أوجه كثيرة للمشاركة منتقدا أسلوبهم باستخدام الدين لتنفيذ أغراضهم السياسية.
الحرب مع الصوفية
شهدت العلاقات بين الطرق الصوفية والسلفيين توترات كثيرة وهجوما متبادلا عندما اتهم الشيخ علاء أبو العزايم جماعة أنصار السنة المحمدية بأنها جماعة تكفيرية واتهام مؤسسها عبدالرزاق عفيفي بتكفير الحاكم بدليل أن الدكتور – أيمن الظواهري- زعيم تنظيم الجهاد ونائب رئيس تنظيم القاعدة – نشأ وتربي في كنف ورعاية أنصار السنة المحمدية وقد تسببت اتهامات الطريقة العزمية في غضب عارم لأنصار السنة المحمدية الذين عقدوا اجتماعا طارئا للتصدي لاتهامات آل العزايم. وكثيرا ما نشهد اشتباكات بين الطرفين عندما يتناول الصوفيون مفتي السلفيين وفقيههم ##ابن تيمية## ويتهمونه بالكفر, كما يتهمون معتنقي أفكاره ومنهجه من الوهابيين أتباع محمد بن عبد الوهاب -مؤسس الحركة الوهابية في الجزيرة العربية- بالكفر و التنطع.
ومن الاتهامات التي يوجهها السلفيون للصوفية أنهم يستخدمون ##التقية## والكذب وأن الصوفية خرجت من التشيع, وأن فكرهم يعتمد علي التهييج والكذب علي الخصوم وعدم الرغبة في الحوار و المصارعة بالألفاظ بعيدا عن الحجة بالدليل بل إن الطرفين يسعي كل منهما لاستقطاب أكبر عدد من الأتباع.
ويؤكد السلفيون أن أفكارهم ومنهجهم الدعوي قائم علي صحيح الدعوة الإسلامية ويركزون علي إطلاق اللحي وتقصير الثوب للرجال ولبس النقاب للسيدات وهو الأمر الذي يراه الصوفيون أنه تركيز علي الشكل والمظهر دون الجوهر وأن السلفية هي شكل بلا روح وأنهم جماعات متشددة ومتجهمة تحتفل وتحتفي بالطقوس علي حساب الحقيقة الدينية وتتعامل مع الإسلام بشكل لا يقوم علي الحب بقدر ما يقوم علي المنفعة, كما يتهم الصوفية السلفيين بأنهم مصابون بمرض التعالي علي المجتمع الذي يعيشون فيه ولديهم شعور زائف بالاصطفاء.
كما يوجه السلفيون نقدا حادا للسلوكيات التي تحدث في موالد الأولياء الصالحين التي يرتادونها ويحتفي بها الصوفيون ويؤكد السلفيون أن الموالد يحدث بها اختلاط بين النساء والرجال, كما أن هذه الموالد تشهد إقامة المراقص و الملاهي التي تعتبر خروجا فاضحا علي أخلاق وتقاليد الدين, بالإضافة إلي الغناء والموسيقي المحرمة والماجنة ولا يقف السلفيون عند هذه الاتهامات, بل إنهم يتهمون الصوفية بالاحتفاء بحلقات الذكر علي حساب الصلاة ولا تخلو ##مجلة التوحيد## السلفية في أي عدد من أعدادها من انتقاد الصوفية ووصل الأمر إلي أن الصوفية حرموا التعامل مع السلفية أو مصاهرتهم, بل إن بعض الصوفيون تبرأوا من أبنائهم الذين اعتنقوا الفكر السلفي.
ويقول الدكتور عمار علي حسن -الباحث في شئون الحركات الإسلامية: إن مشاهير الدعاة من السلفيين أمثال أبو إسحاق الحويني ومحمد حسين يعقوب ومحمد حسان وغيرهم من شيوخ السلفية استخدموا القنوات الفضائية , مثل قناة الناس وقناة الرحمة وغيرهما من القنوات الفضائية كمنصات لإطلاق قذائفهم ومدفعيتهم الثقيلة ضد من لا يتفق معهم .
ويري الدكتور عمار علي حسن أن هناك حالة تواطؤ بين الحكومة المصرية والسلفيين حيث تسمح الحكومة للسلفيين بممارسة نشاطهم مقابل عدم العمل في السياسة وألا يتحول السلفيون إلي ناشطين سياسيين. وكانت الحكومة المصرية تحرص دائما علي استمرار السلفيين بعيدا عن السياسة وفي الوقت نفسه محاولة الحصول علي مساندتها في مواجهة النفوذ الإخواني والمتغلغل في جميع الأوساط.
ويرفض عمار بعد ثورة يناير استمرار فزاعة التيار الإسلامي لأن هناك حالة انفتاح داخل المجتمع بعكس النظام السابق الذي قام بتقييد الأحزاب السياسية وترك الساحة للتيارات الإسلامية التي استطعت استغلال دعوتها باسم الدين وظهورهم بأنهم الصالحون واستغلالهم لنشاط اجتماعي لجذب عقول الشباب ولكن مع وجود ديموقراطية وتفعيل نشاط الأحزاب سوف تنكشف هذه التيارات وتعود لوضعها الطبيعي إلي ما قبل ثورة يوليو حيث كانت أعدادهم لا تزيد عن 300 ألف عضو وانفتاح هذه التيارات سوف يكشف الكثير من أخطائهم الفكرية المغلقة وينصهر الشباب في إطار قانون مدني لا يسمح لهذه التيارات بإقامة أحزاب دينية وهذا ما تنص عليه المادة 5 من الدستور المصري وبالتالي لن يكون أمام هذه التيارات سوي إنشاء أحزاب مدنية لذا نحن لا نريد الاستمرار في هذه الفزاعة التي استخدمها الحزب الوطني وقام بتضخيمها لتخويف الغرب والأقباط.
واستبعد عمار أن يمارس السلفيون أي نشاط سياسي أو يتحولوا إلي وتيرة العنف لاسيما أن منهجهم لا يؤمن بالسياسة أو المنظومة الحالية وأما التحولات الجديدة لن يجد السلفيون بوابة أخري سوي تعديل أفكارهم والاندماج داخل منظمات المجتمع.
قال أحمد عبد المنعم أحد شباب الإخوان إن السلفية الوهابية أكبر خطر علي المسلمين وغير المسلمين لأنه تبني علي منهج تكفير المسلمين واتهامهم بالبدعة والشرك والفسق والسلفية هي التي فرخت التفجيريين الذين يقتلون الأبرياء من مسلمين وغير مسلمين. وهم لا يرون أن أحدا عنده حق غيرهم. وهم أخطر مرض أصاب هذه الأمة. فأشاهد السلفيين من أمثال محمد حسان والحويني وغيرهما يسرحون ويمرحون في مصر ولا أحد يتعرض لهم.
سلفية صناعة أمنية !
خلصت دراسة حديثة صادرة عن مركز مكافحة الإرهاب بالأكاديمية العسكرية الأمريكية في وست بوينت إلي أن الحكومة المصرية تتعمد تشجيع الحركات السلفية داخل مصر علي اكتساب مزيد من الأتباع من أجل مواجهة نفوذ جماعة الإخوان المسلمين المتصاعد والذي لم تفلح معه أي من السياسات القمعية للحكومة علي مدار عدة عقود.
تذهب الدراسة إلي أن نجاح الإخوان المسلمين في الحصول علي 88 مقعدا في مجلس الشعب في انتخابات 2005 قد دفع بالنظام في مصر لتبني سياسة أكثر ليونة مع الجماعات السلفية, وعمل علي تشجيعها علي جذب أعداد كبيرة من المصريين إلي صفوفها, وذلك بهدف مواجهة اتساع النفوذ السياسي للإخوان.
وأشارت الدراسة إلي أنه بالرغم من ابتعاد الجماعات السلفية عن السياسة فإن فهمها المتشدد للإسلام يدعو لاتخاذ مواقف عدائية من الأقليات الدينية, وتستشهد الدراسة بالباحث المصري خليل عناني الذي حذر من العنف الاجتماعي الذي يمكن أن يترتب علي تغلغل الفكر السلفي في مصر.
الأزهر يرفض السلفية
وكان مجمع البحوث الإسلامية, أحد هيئات الأزهر الشريف, وافق علي صدور كتاب جديد للباحث محمد محمود حبيب, حول مخالفات السلفيين المعاصرين في كتابه ##كشف الغمة## من سماهم ##أدعياء السلفية## الذين حادوا عن منهج الإسلام وانحرفوا عن صحيح الدين, ويناقش المؤلف في كتابه 15 مخالفة رآها ناتجة عن إيمان البعض بالفكر المتشدد, مثل القول بوجوب أو استحباب النقاب, وختان الإناث , والقول بعدم جواز بدء غير المسلمين بالسلام, وتفنيده لفكرة إلزام المرأة بالسير علي حافة الطريق. يتطرق المؤلف لبعض ما رآه مخالفات فقهية في الفكر السلفي المعاصر, مثل تحريم ثوب الشهرة, وتحريم مصافحة المرأة, وتحريم الأخذ مطلقا من اللحية, والزعم بمشروعية هدم الكنائس, وتحريم الأغاني, وتحريم خروج المرأة متعطرة, ورفض مبدأ المواطنة.
عدم العمل السياسي
قال ضياء رشوان نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إن بداية ظهور السلفيين كانت أقدم من نشأة السلفية نفسها وهم فقط يحتاجون إلي فتوي حتي يخرجوا علي الحاكم مرجعا وقال ضياء رشوان إن السلفيين مازال لديهم قناعة بعدم العمل السياسي ولم ينقلبوا علي أفكارهم حيث إن الجماعة السلفية في مصر قديمة جدا وجمعية السنة المحمدية أنشئت قبل ظهور حركة الإخوان المسلمين ولا نستطيع أن نجزم أن السلفيين انقلبوا علي قناعاتهم وبدأوا العمل بالسياسة فليس هناك معلومة مؤكدة في هذا الاتجاه, كما أن السلفيين لا يحرمون المظاهرات فالأساس عندهم اتباع السلف. ويري رشوان أن السلفيين لم يكونوا متركزين في الإسكندرية ولكن ربما بعد التطورات الأخيرة من الممكن أن يتحول بعض السلفيين إلي السلفية الجهادية مشيرا أن حجم التيار السلفي في مصر ضخم وجمعية أنصار السنة تسيطر علي 400 مسجد في مصر والجمعية الشرعية تسيطر علي 4 آلاف مسجد.
في نوفمبر الماضي نشر حسام تمام الباحث في حركات الإسلام في سلسلة (مراصد) عن مكتبة الإسكندرية, دراسة عنوانها: (تسلف الإخوان- تآكل الأطروحة الإخوانية وصعود السلفية في جماعة الإخوان المسلمين).. وقد قال فيها إن حالة الارتباك التي تشهدها جماعة الإخوان حاليا ناتجة عن نمو تيار سلفي كأمن داخل الجماعة يخرج بها عن كونها- حسب وصفه- حركة جامعة ذات رؤية متوافقة.
دراسة تحذر ..
كما قدم هاني الديباني الباحث في الشئون الدينية وأستاذ الفقه المقارن دراسة حديثة تحت عنوان صناعة التيار الديني حذر فيها من خطورة السلفيين علي المجتمع وتوضح الدراسة أنهم من الممكن أن يستخدموا السلاح, وتكشف أن الموساد من الممكن أن يستقطبهم لتنفيذ عمليات إرهابية, ولم تستبعد الدراسة أن يكون السلفيون لهم يد في أحداث تفجير كنيسة القديسين وأن الموساد استخدمهم لتنفيذ هذه العملية الإرهابية.
وتوقعت الدراسة الانقلاب في الوقت القريب من قبل التيار السلفي علي نظام الحكم في مصر وعلي مبادئ السلفيين التي تحرم الخروج في مظاهرات أو الخروج علي الحاكم وأوضحت الدراسة أسباب ذلك الانقلاب وتطرقت لاختراق للتيارات الإسلامية وكيفية تجنيد عناصره لصالح الموساد.
وجاء في مقدمة الدراسة أن التاريخ يثبت أن من يستخدم أيا من الجماعات والتيارات الدينية من الأنظمة هو أول من يدفع الثمن كما حدث للرئيس الراحل أنور السادات الذي اغتيل بعد استخدامه لهم في مجابهة التيار الشيوعي, كذلك ما حدث من الحوثيين وانقلابهم علي الرئيس علي عبدالله صالح في اليمن .
وتناولت الدراسة خطورة التغيير في المواقف والاستراتيجيات لدي التيار السلفي مشيرة أن تنظيم القاعدة بصورته الحالية لم يكن إلا عبارة عن طلبة علم يدرسون العلم علي يد نفس شيوخ ورموز الفكر السلفي التاريخيين, وتطرقت الدراسة إلي موقف السلفيين من المظاهرات التي يحرمونها باعتبارها خروجا علي الحاكم, ولكن ما حدث من تظاهر للمنتقبات في الجامعات المصرية احتجاجا علي قرار منع دخولهن المدن الجامعية بالنقاب كذلك حظر دخول المنتقبات إلي لجان الامتحانات بالنقاب يعد خروجا علي مبادئ التيار وهذا هو التحول في الموقف والمبادئ الحاكمة.
والآن هناك رموز من التيار السلفي علي علاقة ببعض الأمراء والرؤساء والملوك وبعض الجهات الخارجية وكثيرا ما تدعم هذه الجهات هؤلاء الشيوخ دعما ماديا كبيرا ومن السهل تماما سيطرة أي أموال تتدفق تحت أي مسمي علي هؤلاء الرموز لتنفيذ أي تحالف أو تغيير أي مواقف. لكن مع اعترافات الجاسوس الأخير الذي يعمل لصالح الموساد طارق عبدالرازق أنه طلب منه اختراق الجماعات الإسلامية وأنه يوجد بمصر ما يسمي الأستاذ وهو مسئول الموساد بمصر وأنه ملتح وملتحم بالتيارات السلفية منذ عشرين عاما وهو ما يؤكد خطورتهم .
موقف غامض ..
قال الدكتور عماد جاد الخبير بمركز الأهرام إن السلفيين استفادوا من الأحداث الأخيرة وهم نتاج الأجهزة الأمنية لمواجهة الإخوان وتركوا لهم الحرية في العمل وهم يبثون سموم الكراهية تجاه الآخر وهم أكثر شراسة لكل شخص لا يتفق مع فكرهم السلفي الذي تدعمه السعودية وجعلهم يقوموا بإنشاء القنوات الفضائية المتطرفة وتوزيع الكتب وشرائط الكاست مجانا وأن السلفيين استفادوا من الأحداث الأخيرة وهم نتاج الأجهزة الأمنية لمواجهة الإخوان وتركوا لهم الحرية في العمل وهم يبثون سموم الكراهية اتجاه الآخر ومنها المظاهرات التي خرجت بالإسكندرية تبث الكراهية ضد الأقباط وتروج لأفكار متطرفة بحبس المسيحيات ووجود أسلحة بالأديرة وكل ذلك كان يتم بعلم الجهاز الأمني ولذا هم أكثر شراسة لكل شخص لا يتفق مع فكرهم السلفي الذي تدعمه السعودية وجعلهم يقومون بإنشاء القنوات الفضائية المتطرفة وتوزيع الكتب وشرائط الكاست مجانا ورغم ذلك لا يلتحق السلفيون بالعمل السياسي حتي الآن ولا نعرف خطتهم المستقبلية بعد الثورة ولكن هناك جزءا منهم تحول إلي السلفية الجهادية وهي الخطر في الجماعة السلفية وأضاف جاد أنه لا يتوقع أن ينخرط السلفيون في العمل السياسي الذي لا يتفق مع مبادئهم لاسيما أنهم يخونون الإخوان لأنهم يسلكون هذا العمل ولا يستبعد جاد تحولهم إلي عنف إذا ما سمحت الظروف علي غرار ما قام به أسامة بن لادن وإذا ما استمرت الفوضي داخل مصر .
إثارة النقل علي العقل
أما المفكر الكبير جمال البنا أكد أن السلفية لا يجب أن تستمر في هذا العصر فهي تنظر للوراء وتدعو للتقليد والبعد عن كل الإبداع لذا فهو فكر مرفوض ولذا أقوم الآن بتأليف كتاب بعنوان ##من يتجاوز السلفية## فالمجتمع المصري لن يشهد تقدم إلا بعد تغير ومقاومة هذا الفكر الذي يقوم علي إثارة النقل علي العقل و إثارة الماضي علي المستقبل فهم يعيشون في عصر ليس عصرهم ولا يدركون معني للدولة العصرية ويقدمون صورة غير صحيحة للإسلام الذي يقوم علي فكر وهابي لا يتفق مع إيديولوجيات العصر الحديث ولكشف ما يعيشون فيه من جاهلية يجب نشر ثقافة حقيقية تقوم علي التوضيح لغلق الباب أمامهم في استقطاب البسطاء كفريسة لهم لترويج فكر لم يخرج منه سوي العنف وإراقة الدماء, لذا فعمل الأحزاب والمجتمع المدني وتطوير التعليم والإعلام سوف يكون بمثابة غلق الباب أمام هذا الفكر الشارد .