استمرار محاكمة الرئيس السابق وفتح العديد من الملفات استحوذ علي اهتمام الرأي العام, والحديث عن كيفية ترسيخ مبدأ محاكمة الرؤساء القادمين ووضع نص في الدستور الجديد أو من تشريعات جديدة لهذا الغرض, خاصة أن الرئيس السابق حسني مبارك يحاكم باعتباره مواطنا عادي بعد أن تنحي عن الحكم.. حول هذه الأمور يأتي هذا التحقيق..
في البداية قال الدكتور أحمد صقر عاشور أستاذ الإدارة بجامعة الإسكندرية والخبير لدي الأمم المتحدة في الحوكمة ومكافحة الفساد: الثروات التي تم تهريبها من قبل المسئولين لا يمكن تسليمها إلا من خلال إجراءات معينة تنص عليها الاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بجانب الاتفاقيات الملحقة والخاصة باسترداد الأموال والأصول المنهوبة, وأحد شروط استرداد هذه الأموال أن تجري محاكمة من خلال قضاء طبيعي وأن يصدر فيها أحكام نهائية تقرر أن الأموال التي تم تهريبها جاءت من خلال ممارسات فساد وسوء استخدام للسلطات والصلاحيات.
أضاف قائلا: فالتحقيقات الأولية الخاصة بأسرة الرئيس السابق وزوجته وأولاده وزوجاتهم كشفت بصورة مبدئية عن وجود ثروات كبيرة موجودة خارج مصر, ليس ذلك فقط وإنما كيانات أنشئت خصيصا في قبرص والجزر البريطانية لتكون مصب للعمليات المريبة خاصة بالنسبة لعلاء وجمال مبارك. إذا فهذه المحاكمات ضرورية لتأخذ العدالة مجراها سواء في الجوانب المالية المتعلقة بالفساد وكذلك عمليات قتل المتظاهرين بالرصاص والغاز التي أسفرت عن مقتل أكثر من 860 شخصا بالإضافة إلي الآلاف الذين أصيبوا, مشيرا إلي أن من يقتل شخص واحد يحاكم فما مصير من يقتل مئات؟!
استطرد د. صقر بقوله: إذا فالمحاكمات ضرورية لتمكين مصر من استرداد الأموال المهربة من خلال حكم قضائي يثبت أن هذه الأموال من ممارسات غير مشروعة, ولا يمكن التغاضي عن عشرات المليارات التي تم نهبها في وقت يعاني فيه أكثر من 40% من السكان الفقر الشديد مع تدهور قطاع الخدمات التي تقدمها الدولة كالتعليم والصحة وغيرهما من الخدمات والنتيجة جزء كبير من ثروات مصر نهب وتم تحويله لخارج مصر.
والخطوات التي أخذت بخصوص المحاكمات من شأنها أن تتيح مناخ أفضل للاقتصاد وأنشطة الأعمال والاستثمار النزيه بعيدا عن المدفوعات التي يشبها ممارسات فساد وفي مناخا يساعد علي الابتزاز والتربح غير المشروع الذي كان يمارسه عدد من رجال الأعمال, فما يحدث هو نوع من الردع والتنقية يساعد علي جذب رأس المال الأجنبي الذي يبحث عن المناخ الاستثماري النزيه والإيجابي.
وما حدث ما كان من المفروض أن يحدث من الأصل, ومصر تعتبر دولة متأخرة في الإصلاحات المؤسسية والتشريعية التي تغلق الباب أمام الفساد, فما حدث في بداية التسعينيات بغرض الإصلاح ساعد علي فتح الباب للفساد من قبل بعض رجال الأعمال من خلال تحالفات للشر مع بعض كبار رجال السياسة والدولة الذي مكن من السيطرة علي أجهزة الدولة وتأمين عمليات النهب المنظم لثروات مصر وبالانقضاض التشريعات المنظمة للحياة الاقتصادية وكذلك المواقع الوزارية.
دعا إلي التركيز علي الإجراءات القضائية لاسترداد الأموال المنهوبة ومازالت في الداخل أولا كشرط للمطالبة بالثروات التي خرجت من البلاد.
من جانبه قال الدكتور محيي سليم أستاذ القانون المدني بجامعة المنوفية: رئيس الجمهورية مواطن عاد وليس فوق القانون, ولا يوجد في دول العالم ما يجرم إخضاع الرئيس للمساءلة القانونية, وأن مردود ذلك علي الرئيس القادم سيكون جيدا حتي يتعظ من تجارب الآخرين ويعلم أنه خادم لهذا الشعب ويعمل علي مصالحه, مؤكدا أن كل هذا لا يعني أن ينتهي الاستبداد والسيطرة إلي الأبد, والدليل أن هناك المئات ممن يحكم عليهم القضاء بالإعدام والإدانة إذا ارتكب جريمة قتل, ورغم هذا تظل تلك السلوكيات تمارس حتي الآن دون توقف, لذلك نتمني أن يكون الرئيس المستقبلي ضد هذه الأساليب ويضع نصب عينيه ما يراه في صالح البلاد.
أضاف: الرئيس إذا كان في منصبه فهناك قانون ينظم محاكمته لكي بتنحيه يصبح مواطنا عاديا وأدلة الإثبات هي التي تثبت إدانته من عدمها سواء مادية عن طريق الأوراق أو شهادة أو شهود أو من خلال سلاح مضبوط.
أما الدكتور حسن جميعي أستاذ القانون المدني أشار إلي أن تقديم الرئيس السابق للمساءلة القانونية يردع الرئيس الجديد عن استغلال منصبه ويعني أنه موظف عمومي يتولي السلطة بهدف تحقيق المصلحة العامة.
أوضح أن الرئيس إذا قام بأخطاء عمدية أو تسبب في إهمال ما ففي كلا الحالتين يستحق عقوبة لكن هذا يجعلنا نثق إلي حد كبير في الرئيس القادم الذي سيكون شديد الحرص علي تجنب الأخطاء وعدم التكاسل عن إزالة المعوقات والسعي نحو الإصلاح واليقظة في مواجهة الفساد.
نوه الدكتور جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية والقيادي بالحزب الوطني السابق أن خطوة محاكمة مبارك بناءة جدا وتصب في صالح فكرة دولة القانون التي لا تعلو فيها سلطة أي فرد علي سلطته, وهذا يتفق تماما مع وعود الحكومة والمجلس الأعلي للقوات المسلحة, كما أنه يلغي تماما فكرة الاستثناء في القوانين والمحاكمات التي سادت في مصر بعد ثورة 23 يوليو وأكد أن الرئيس القادم سيظل ماثلا نصب عينيه هذه الفكرة, لأنه أصبح لا يوجد أدني شك في أنه سيخضع للقانون شأنه شأن أي مواطن آخر خاصة مع وجود رقابة شعبية وبرلمانية عليه.
من جانبه قال الدكتور رشاد عبده أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة: من حيث المبدأ لو أن التحقيقات مع رأس السلطة أو غيره من المسئولين أثبتت أن هناك ممارسات فساد حدثت من جانبه فالمحاكمة هنا واجبة. ولكل ثورة سلبيات وإيجابيات, لكنه في نفس الوقت قال: لو تمت المحاكمة بشكل عادل فإن العالم كله سوف يحترمنا, إذا فنحن نريد محاكمة عادلة بحيث لا تكون مثل الثورة البلشفية في روسيا ولا هي مثل محاكم التفتيش في فرنسا. كما أن المحاكمة العادلة سوف يكون من نتائجها تحقيق الاستقرار والأمان, وبالتالي سوف تنعكس علي كافة الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية فالعدل هو الشيء الذي ننشده.
طالب د. رشاد بأهمية إيجاد أو إنشاء جهاز جديد متخصص ومستقل يتولي مسألة التحقيقات سواء مع الرئيس السابق أو المسئولين المتورطين في قضايا فساد كبيرة, مؤكدا أنه في غاية الصعوبة أن يتولي النائب العام التحقيق والبت في كل القضايا المرفوعة أمامه.
أوضح الدكتور محمود حسين الخبير الاقتصادي ومستشار بنك الاستثمار سابقا بقوله: إن موضوع المحاكمات له جوانب قانونية عديدة تجعلنا لا نستطيع أن نتوقع تداعيات المحاكمة بشكل محدد.
نوه قائلا: هل يتم إقرار عقوبة وبالتالي تنفيذها, أم يتم إقرارها مع تعليق عملية تنفيذ العقوبة, كذلك فهل يمكن إصدار عفو بشكل ما, وما موقف الشارع من هذا وذاك, إذا فكلها مجرد توقعات أو سيناريوهات إن جاز التعبير.
أضاف قائلا: لكن لو تمت المحاكمة فسوف يعمق ذلك الاستقرار السياسي والاقتصادي وبالتالي سوف ينشط الاستثمار الأجنبي لما يتبعه من توقف المظاهرات والاحتجاجات, وبالعكس لو لم تتم المحاكمة وبشكل عادل فسوف تقوم المظاهرات والاحتجاجات ويعود التدهور الاقتصادي مرة أخري, فالرضا الشعبي هو الأهم عن المسار نفسه.