تعيش أم كلثوم من خلال متحفها في منطقة الروضةبالمنيلعلي ضفاف نهر النيل,تلك الفتاة التي نشأت في عمق الريف ونفضت عنها تراب الأرض, لتنطلق بفنها لتصل إلي العالمية ..فهناك من يصف مصر بأنها الأهرامات والنيل وصوت أم كلثوم.
المتحف ومقتنياته جزء من منظومة معمارية أثرية فريدة تضم أيضا قصر المانسترلي ومقياس النيل الشهير الذي يزوره السائحون من مختلف بقاع الأرض.
اختيار المكان هو عرفان لسيدة الطرب الأصيل وحرص علي تراثها القيم الشخصي والتاريخي…زائر المتحف سيشعر بعد الزيارة أنه رأي أم كلثوم وطربت أذناه لأجمل ألحانها بل وسيغوص في أعماق حقبة من أهم حقب التاريخ المصري.
هذه الجولة دليلك داخل المتحف.
يشغل مبني المتحف مساحة 250 مترا,وهو أحد المباني الملحقة بقصر المانسترلي,وهذا القصر هو تحفة معمارية تبلغ مساحته 1000 متر مربع,بناه صاحبه حسن فؤاد باشا المانسرلي عام 1851م,وكان كتخدا- يساوي تقريبا رئيس وزراء- في عهد عباس حلمي الأول حفيد محمد علي باشا.
ثم أصبح المانسترلي محافظا للقاهرة عام 1854 ووزيرا للداخلية عام 1857 وتوفي ودفن بالقاهرة عام .1859
ولجمال المكان وقيمته الأثرية صدر القرار بإقامة متحف لسيدة الغناء العربي أم كلثوم فيه.
وتشكلت أول لجنة للبحث واستلام مقتنيات أم كلثوم عام 1998,وبالفعل تم الحصول من ذويها ومحبيها علي مقتنيات قيمة وثمينة تعكس رؤية فنية وثقافية.
تم افتتاح متحف أم كلثوم رسميا في 2001/12/28 حيث قامت السيدة سوزان مبارك بافتتاحه بحضور الدكتور فاروق حسني وزير الثقافة ونخبة من كبار رجال الدولة.
داخل المتحف
يشاهد الزائر وهو يخطو أولي خطواته في المتحف علي اليسار صورة بحجم كبير يظهر فيها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وأم كلثوم والرئيس الراحل أنور السادات ,نائب الرئيس جمال عبد الناصر في ذلك الوقت,والملحن محمد الموجي,أخذت هذه الصورة عام 1965 بمناسبة ترشيح جمال عبد الناصر لفترة حكم ثانية,وذهبت أم كلثوم لإحياء الحفل بجامعة القاهرة.
وعلي اليمين توجدفترينةتضم النظارة الشهيرة لأم كلثوم وهي مطعمة بالماس الحر,وأيضا توجد فترينةتضم البروش الذي كانت ترتديه علي صدر فساتينها في معظم أغانيها,وهو علي شكل هلال ومطعم بالماس الحر,ويقال إن هذا البروش كان بخزينة مصطفي أمين بدار أخبار اليوم وقدمه بعد وفاة أم كلثوم إلي وزارة الثقافة وتم عرضة في المتحف.
فساتين وأغاني
وأول فاترينة كبيرة الحجم تقابل الزائر وتعد دولابا زجاجيا للملابس,تضم ثمانية فساتين في حالة مبهرة وتوجد لافتة طويلة توضح ترتيب كل فستان والأغنية التي تغنت بها أم كلثوم وهي ترتديه والفستان السابع في العرض مطعم بأكمله باللؤلؤ الحر .
صور تذكارية
مقابل فاترينة الفساتين وعلي يسار الزائر توجد بانوراما لعدة صور لأهم اللقطات لأم كلثوم أثناء تصويرها لأشهر أفلامها السينمائية,ويظهر غالبا البطل إلي جوارها في هذه الصور..وأشهر هذه الأفلام دنانير,سلامة,وداد,فاطمة,عايدة.
وبعد هذه التوليفة من الصور توجد صورة لافتة للانتباه,حيث تجلس أم كلثوم في الوسط وحولها قيادات الجيش المصري,وأبرزهم إلي يسارها المشير عبد الحكيم عامر,وإلي يمينها الضابط أنور السادات,كما توجد صورة كبيرة الحجم لأم كلثوم وهي تحمل طفلا من ذوي الاحتياجات الخاصة وهو يداعب شعرها أسفل قبعة كانت ترتديها.
كما توجد لها صورة تذكارية وهي في الوسط بين الملك الليبي عبد الله عابد السنوسي وابن أخيها المهندس محمد الدسوقي الذي كان مستشارها ومدير أعمالها.
وصورة تذكارية أخري مع الرئيس أنور السادات وهي تهنئة بانتصارات أكتوبر 1973 وذلك قبل وفاتها بعامين.
ومازلنا في هذه القاعة,حيث يوجد في الوسط وفي الجهة الخلفية لدولاب عرض الفساتين فاترينة مقسمة إلي وحدات طولية,تضم أبرز الأوسمة والنياشين التي حصلت عليها أم كلثوم في حياتها,وهي كثيرة جدا ويأتي في مقدمتها:
قلادة النيل من الرئيس جمال عبد الناصر,ولايحصل عليها سوي رؤساء الدول أو العمالقة وقد أهداها مثلا الرئيس مبارك للأديب العالمي نجيب محفوظ وللعالم الكبير أحمد زويل ,تم منحها هذه القلادة عام .1965
وسام الأرز الوطني من لبنان وهو من أعلي الأوسمة في لبنان وأيضا وسام لبنان من الطبقة الأولي.
وسام الاستحقاق السوري ووسام الكفاءة الفكرية من المغرب ووسام الامتياز الباكستاني,ووسام نقابة الموسيقيين اللبنانيين,ووسام نوط الجمهورية التونسية,ووسام وقلادة الاستحقاق من مصر.
وميدالية أسبوع تسليح القوات المسلحة المصرية عام 1955 ومفتاح مدينة طنطا.
وأيضا من أبرز الصور علي يسار الزائر صورة لها مع الموسيقار محمد عبد الوهاب مرتديا طربوشا.
وأثناء تجوال الزائر مع مجموعة الصور يجد جهاز جرامافون كبير الحجم وهو جهاز لتشغيل الاسطوانات وبأعلاه بوق مكبر للصوت,وهذا الجهاز أهدي لأم كلثوم من شركةهيزماستر فويس,حيث قامت هذه الشركة بتسجيل 15 اسطوانة من الاسطوانات النادرة لأبرز أغاني أم كلثوم وتوجد في المتحف 12اسطوانة من هذه الاسطوانات والثلاثة الباقية مع ورثتها,وتم الاستعانة بهذه الاسطوانات والجهاز في تصوير مسلسل أم كلثوم.
وتوجد علي حوائط العرض المتحفي تتابع للصور يستمر إلي نهاية القاعة الأمامية المقابلة للمدخل منها علي سبيل المثال,صورة لأم كلثوم وسلام حار للسيدة جيهان السادات وصورة ملفتة للنظر تظهر فيها أم كلثوم وهي تقترب من مذياع إلي جوارها وعلامات الحزن والفزع علي وجهها وكانت في هذه الصورة تستمع إلي نبأ وفاة الرئيس جمال عبد الناصر,وكانت في ذلك الوقت قد ذهبت للغناء في حفل بموسكو وبعد هذا النبأ ألغت الحفل وعادت إلي مصر وهي في حالة كرب وحزن عميق.
تنتهي هذه القاعة ليجد الزائر نفسه مع نهاية عرض الأوسمة وعلي اليمين وهو يدخل إلي قاعة طويلة في مقدمتها فاترينة بها عدد من حقائب اليد وأحذية لأم كلثوم مصنوعة في أغلبها من جلد التمساح أو الجلد الطبيعي,وبعدها مجموعة من الصور التذكارية علي الحائط تنتهي بقاعة تضم عددا كبيرا من دواليب العرض,وأبرز ما فيها ميكروفون مهدي إليها من الإذاعة المصرية كانت تغني أم كلثوم من خلاله أغانيها الإذاعية.
وصورة أول عقد وقعته مع الإذاعة المصرية في 4 يونية 1934,وبه أجرة كل حفلة وهي خمسة وعشرون جنيها مصريا.
خطابات شكر من عدة جهات لتبرعها بالغناء مجانا في عدة حفلات,ومنها خطاب شكر من وزير الشئون الاجتماعية حافظ بدوي علي تبرعها في مجالات قومية واجتماعية.
عقد إحياء حفلجمعية أبناء الشرقية الخيري بالإسكندرية ,ويأتي في نصب العقد:علي أن بوجه 50% من إجمالي إيراد الحفلة للمجهود الحربي علي ألا يقل المبلغ عن أربعة آلاف جنيه ومبلغ ألف وسبعمائة جنيه أجور انتقالات الموسيقيين.
صورة لها مع أخيها خالد بالملابس البدوية وتضع علي رأسها العقال وصورة لوالدها الشيخ إبراهيم الدسوقي البلتاجي.
وتوجد أكثر من فاترينة بها عدة أغان مكتوبة بخط يد مؤلفيها منها علي سبيل المثال:ليلي ونهاري عبد الفتاح مصطفيوأنت عمريأحمد شفيق,وهذه ليلتيجورج جرداق,والحب كدهبيرم التونسي.
كما يوجد العديد من القصائد بخط يد شاعرها المفضل والذي تغنت بأجمل كلماته الشاعر أحمد رامي,وتوجد صورة له في شبابه وهو يقرأ أحد أشعاره علي مسامع أم كلثوم.
أغان ورسائل:
وبقي أن نذكر أن هناك حجرتين ملحقتين بالقاعة الأولي للعرض المتحفي..الحجرة الأولي علي يسار الزائر في بداية القاعة الأولي وأمام فاترينة الفساتين.
هذه الحجرة تضم عدة أشياء,جزء منهاسمع بصري تضم شاشات وسماعات يمكن للزائرين أن يجلسوا للأستماع إلي أجمل أغاني أم كلثوم ويشاهدونها وهي تغني سواء أغاني الأفلام أو أغانيها في الحفلات العامة.
أما باقي الحجرة فتضم مكتبة ملحقا بها مايقرب من مائة مجلد به كل ما نشر في جميع الصحف المصرية والمجلات منذ عام 1924 حتي عام 2000م.كذلك عدد كبير من رسائل الماجستير لعدد من الدارسين في قسم الغناء بأكاديمية الفنون وأيضا معهد الموسيقي العربية ومعظمها حول أسلوب الغناء وطبقات الصوت عند أم كلثوم وتوجد منضدة ومقاعد لمن يريد القراءة والاطلاع علي هذه الأشياء.
فيلم وثائقي
ومن أكثر الأشياء التي زادت العرض المتحفي حيوية وعظمة قاعة العرض السينمائي,وأنصح الزائر أن يختتم بها جولته في المتحف,حيث ستترك في نفسه ذكري مبهجة ستظل في وجدانه كلما استمع إلي صوت أم كلثوم,حيث يتم عرض فيلم وثائقي عن حياة أم كلثوم بلقطات حية لها في حياتها وبعض من لقطات أفلامها الستة.وأروع ما في هذا الفيلم صوت الإذاعية القديرة آمال فهمي وبعض مشاهد الفيلم تعرض لأول مرة وتبين مدي الاستقبال الحافل لأم كلثوم من شعوب الدول العربية ورؤسائها عند زيارتها لهذه الدول للغناء فيها.وكانت تتبرع بعد النكسة بجزء كبير من حصيلة حفلاتها لصالح المجهود الحربي.
وتقول أم كلثوم بصوتها أثناء عرض الفيلمكان والدي يعلم القرآن الكريم في البيوت وكان يأخذ أجرا عن ذلك قرش صاغ واحدفي الأسبوع,ودار حديث بينه وبين والدتي حول ذهاب أخي فقط إلي الكتاب ولكن والدتي أصرت أن أذهب أنا أيضا للكتاب.
وجاء الكلام الآتي بصوت الإذاعية آمال فهمي وكانت تربطها بجمهورها وشائج غير مرئية وكانت تشترط في عقود أفلامها أن يراعي في الفيلم الحفاظ علي التقاليد الشرقية وكانت ترفض ابتذال العواطف,وتجسد دائما دور المرأة النبيلة التي تعتز بكبريائها رغم احتياجها كان يتوحد جمهورها معها وهي تغني ويشعر بالنشوة والوجد لسماعها ,قدمت 300 عمل غنائي غطت من خلالها جميع القوالب الغنائية والإعجاز في صوتها ليس في مساحته بل في تطويعها لهذا الصوت ودراستها لقواعد الموسيقي العربية وتمكنها من أساليب الأداء واجتهادها في اختيار القصائد الشعرية وألحانها.وكان لذوي الاحتياجات الخاصة قطعة من قلبها وكانت جنازتها عسكرية مثل جنازة أي شهيد أو رئيس جمهورية,دعمتها الأناشيد التي تغنت بها وشارك في الجنازة ملايين المصريين من مختلف فئات الشعب وطلبة المدارس.
صاحبت صوت آمال فهمي لقطات حية من الجنازة المهيبة لأم كلثوم,وجري تشييع جثمانها في موكب شعبي ورسمي في 5 فبراير 1975 ودفنت في منطقة البساتين,وكانت أعدت بنفسها هذا المدفن وأوصت بدفنها فيه.
رحلت أم كلثوم..ولاتزال تحيا بيننا.