لكي تفهم العقلية العربية لابد أن تحاول أن تفهم سر إعجاب العرب بزعامات معينة وسر كراهيتهم لزعامات أخري. لذلك تعالوا بنا نحاول دراسة ثلاث شخصيات الأكثر شعبية أو علي الأقل إثارة للجدل في العالم العربي في العصر الحديث:جمال عبد الناصر, صدام حسين, وأسامة بن لادن.
أشياء كثيرة تجمع بين الشخصيات الثلاث:
أولا: الكاريزما:
لا شك أن الشخصيات الثلاث يجمع بينها شكل الزعامة, يعني بمعني آخر أن كلا منهم له (شاسيه زعيم) طول القامة وامتشاقها, عدم وجود كرش!! لأنه لا يعقل أن يكون هناك زعيم بكرش, وفي نفس الوقت تجد أن ملامحهم هي ملامح شعبية أومايمكن أن نطلق عليه ”الوسامة الشعبية”: عبد الناصر بسمرة أهل الصعيد وبأنفه الطويل والذي يذكرك برمسيس الثاني, صدام بشعره الأسود المتميز وبشنبه العراقي العشائري الأصيل ومشية الطاووس المتغندرة والذي كان يقول فيها:”ياأرض إتهدي ما عليكي أدي”, وبن لا دن بنحافة أولاد البادية وبزي ولحية وعمامة القرون الوسطي والذي تناسب تماما جيل إبن تيمية والذي انتشر أيامنا هذه.
ثانيا: كيف عرفناهم؟
الحقيقة أننا عرفناهم في غفلة من الزمن عبد الناصر جاء علي ظهر دبابة بعد انقلاب 23 يوليو 1952, وصدام جاء بعد انقلاب عسكري مماثل, وبن لادن وبالرغم من أنه ليس زعيما عسكريا, إلا أنه اكتسب شهرته بعد معارك الأفغان العرب ضد روسيا, ثم عرفه العالم أجمع بعد 11 سبتمبر والذي كان تأثيرها وسيبقي أقوي كثيرا من انقلاب 23 يوليو.
ثالثا: ثلاثتهم ظهروا بمساندة أمريكية في البداية:
من الثابت تاريخيا أن أمريكا ساندت انقلاب يوليو من البداية وذلك نكاية في الملك فاروق والذي كان يفضل فوز ألمانيا في الحرب نظرا لكرهه بريطانيا (وكان هذا إحقاقا للحق شعورا وطنيا في مصرهذا الوقت, ولا ننسي هتاف ”إلي الأمام يا روميل” الذي هتف به العديد من المصريين عند تقدم قوات ألمانيا تجاه العلمين), وكذلك فضلت أمريكا أن تساند عبد الناصر ورفاقه (وبهم عدد لا بأس به من أعضاء الإخوان المسلمين) وذلك لضمان عدم وقوع مصر في براثن الشيوعية, وأحد الأسباب التي قيلت لتأييد أمريكا لانقلاب يوليو هو لإجهاض التيارات اليسارية في حزب الوفد الحاكم وغيره من الأحزاب الأخري. وإذا كنت ترغب في دليل علي تأييد أمريكا لانقلاب عبد الناصر, ماهو سر ذهاب السفير الأمريكي (كافري) لوداع الملك فاروق بنفسه يوم 26 يوليو 1952 بعد طرده من ميناء الإسكندرية, يعني هو كان (جوز خالته مثلا), ولكن أمريكا كانت حريصة علي نجاح الانقلاب ”الأبيض” (والذي انقلب فيما بعد ليكون أسود ومنيل) وضمنت للملك فاروق سلامته بشرط عدم المقاومة, لأن عدم مقاومة فاروق كان أحد أهم أسباب نجاح الانقلاب.
أما بالنسبة لأخينا (حارس البوابة الشرقية) صدام, فمن الثابت تاريخيا أيضا أنه اجتمع في عمان بالأردن بوكلاء المخابرات المركزية الأمريكية لمساعدته في حربه المفتعلة ضد إيران سواء بالأسلحة أم بالمعلومات عن مواقع الجيش الإيراني بأقمار التجسس الأمريكية, أم بالصمت إزاء جرائمه عندما استخدم أسلحة الدمار الشامل ضد إيران. ومن الثابت تاريخيا أيضا أن أسامة بن لادن وإخوانه من المجاهدين والأفغان العرب تلقوا تدريباتهم وأسلحتهم وتمويلهم علي يد عملاء وضباط المخابرات الأمريكية عندما كانوا يحاربون السوفيت في أفغانستان وساعدوا بدون أن يدروا علي هزيمة السوفيت هناك لصالح أمريكا,الأمر الذي عجل بسقوط الإتحاد السوفيتي وباستفراد أمريكا بالعالم كقوة عظمي وحيدة.
رابعا: ثلاثتهم ازدادوا شعبية بعد انقلابهم علي أمريكا:
عندما رفض الغرب تسليح الجيش المصري بالأسلحة التي كان يطلبها اتجه عبد الناصر إلي الكتلة الشيوعية, وكانت صفقة الأسلحة التشيكية والتي قامت تشيكوسلوفاكيا بها في عام 1954نيابة عن الاتحاد السوفيتي والذي كان يسعي لأن يكون له موطئ لقدم لأول مرة في العالم العربي, بعدها رفضت أمريكا والبنك الدولي تمويل السد العالي وقام الاتحاد السوفيتي بهذا, وصار العداء مريرا بين عبد الناصر وأمريكا وأصبحت شعبية عبد الناصر في السماء.
عندما اكتشف صدام حسين (ولد العشائر) أن أمريكا تقوم بتسليح طرفي الحرب المزعومة بين إيران والعراق, اكتشف أن أمريكا تستغله (ولا أقول تستغفله), وبعدها اتجه لتمويل حربه التعيسة ضد إيران من بلاد الخليج النفطية, وأوهمهم أنه حقا ”حارس البوابة الشرقية”, وعندما طالبته الكويت بتسديد بعض ديونه قام بغزو الكويت وأصبحت الحرب بينه وبين أمريكا سافرة ووصلت إلي مرحلة اللاعودة.
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي اكتشف بن لادن وصحبه الغر الميامين أن أمريكا أخذتهم لحم ورمتهم عظم, وأنها أصبحت لا تحتاج إليهم وانقلب السحر علي الساحر وبدأ بن لادن في ضرب مصالح أمريكا في كل مكان, حتي كانت ضربته الكبري في 11 سبتمبر 2001 والتي جعلت منه بطلا ومنقذا في معظم البلاد العربية والإسلامية, حتي الذين كانوا يعارضونه كانوا يعارضونه علي استحياء.
خامسا: الثلاثة تمت هزيمتهم شر هزيمة:
تلقي عبد الناصر والأمة العربية معه أكبر هزيمة لها في العصر الحديث في عام 1967, هزيمة أضاعت القدس وسيناء والجولان والضفة الغربية وقطاع غزة وثبتت أقدام إسرائيل كأكبر قوة في المنطقة, وهي هزيمة جاءت بعد مغامرة غير محسوبة وتبجح منقطع النظير قبل الهزيمة بأيام, ولكن يحسب لعبد الناصر أنه لم يهرب وحاول إعادة بناء الجيش المصري حتي مات .1970
تلقي صدام هزيمة كبري بعد غزو الكويت وكانت مغامرة طفولية شقت الصف العربي (المشقوق خلقة), وسمحت للقوات الأمريكية بالتواجد في المنطقة بكثافة لم نعهدها من قبل, ثم كانت لعبة القط والفأر في موضوع أسلحة الدمار الشامل بينه وبين بوش ونتج عنها الضربة القاضية وهزيمته في حرب (الحواسم)!!!, ثم هرب حتي عثر عليه في جحر الفأر ومعه حفنة دولارات!!
بعد نجاحه في التخطيط لجريمة 11 سبتمبر تمت هزيمة حركة طالبان وتنظيم القاعدة شر هزيمة وهرب بن لادن في كهوف أفغانستان وهرب الملا عمر علي موتوسيكل (لذلك أطلق عليه البعض عمر موتوسيكل), ومازال بن لادن هاربا حتي الآن, ولست أدري لماذا الهرب إن كان يعشق الشهادة والشهداء ويحرض كل الشباب المسلم عليها باستثناء نفسه وأولاده.
سادسا: الثلاثة مازالوا يحكمون من داخل القبر والكهف:
الأمم العظيمة لا تغفر أبدا لزعمائها الهزيمة وتضعهم في مزابل التاريخ بعد أن يثبت فشلهم, إلا أمة يعرب فعبد الناصر مازال يحكم من القبر, وصدام حسين أصبح شهيدا بقدرة قادر, وبن لادن تهفو الأنفس لسماع شرائطه في المواسم لدي دكاكين القنوات الفضائية, وخاصة قناة لهلوبة الفضائية والناطقة ”غير الرسمية” باسم بن لادن.
…..
وفي الختام لا أدري ماذا أقول سوي: ”قل لي من زعيمك… أقول لك من أنت”.