مازالت أصداء المواجهة التي تتكرر كل عام بين الجهاز المركزي للمحاسبات والحكومة مستمرة, حيث جاءت جلسة هذا العام غريبة وعنيفة ليس بسبب الأرقام والبيانات التي يوردها المستشار جودت الملط رئيس الجهاز ولكن نتيجة الخطاب الحاد والذي حظي باهتمام بعض وسائل الإعلام علي حساب مضمون التقرير الذي تضمن قليلا من الإيجابيات وكثيرا من السلبيات والتي تحتاج إلي دراسة وافية. يكشف ما حدث أثناء استعراض المجلس للحساب الختامي للدولة للسنة المالية 2006/2005 و2007/2006 عدة قضايا تحتاج إلي مناقشة للوصول إلي أسبابها لعل من أبرزها أزمة الثقة بين المواطنين والحكومة نتيجة تحدث الحكومة بأكثر من لغة وضعف قنوات الاتصال وضعف الرقابة والمتابعة وتضارب الأرقام والبيانات بين الجهات الحكومية حول مؤشرات الأسعار والتضخم والنمو الاقتصادي والخدمات الجماهيرية هو ما انتقد في التقرير, مشيرا إلي تضارب البيانات والمعلومات الصادرة من جهات الدولة خاصة فيما يتعلق بالبيانات الاقتصادية الصادرة من وزارتي المالية والتنمية الاقتصادية والبنك المركزي والجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
قبل الخوض في تفاصيل 22 سلبية جاءت في التقرير يجب الإشارة إلي وجود 12 إيجابية ذكرها التقرير من أبرزها تحقيق معدلات نمو مرتفعة في عدد من المجالات وارتفاع الفائض الكلي في ميزان المدفوعات, وزيادة صافي تدفق الاستثمار الأجنبي إلي 10.1 مليار دولار, وارتفاع الرصيد الاحتياطي النقدي في البنك المركزي إلي 28.5 مليار دولار, واستقرار سعر صرف الدولار, كما أكد أن المديونية الخارجية مازالت في الحدود الآمنة وفقا للمعايير الدولية إذ وصلت إلي 29.9 مليار دولار وصدور عدد من التشريعات المهمة.
حول أهم السلبيات أكد التقرير أن عجز الميزان السلعي مستمر في الارتفاع ووصل إلي 15.8 مليار دولار وهناك عجز يبلغ 514 مليون دولار مع الدول العربية الذي يبلغ حجم تعاملنا معها 15% من حجم التعاون مع دول العالم كما أن هناك عجزا مع الدول الأفريقية الذي يبلغ حجم تعاملنا معها 1% فقط من حجم تجارة مصر الخارجية. وفي هذا الصدد ترد الحكومة بأنه في المقابل يوجد فائض في ميزان المدفوعات بالرغم من اختلاف المؤشرين فالأخير يتضمن بالإضافة إلي التبادل السلعي حصيلة التحويلات الأجنبية والخدمات وغيرها من البنود.
انتقد التقرير تأخر ترتيب مصر في تقارير المؤشرات الدولية للاستثمار في مجال سهولة أداء الأعمال والصادرة عن البنك الدولي قد وصل إلي المركز 165 من بين 175 دولة في العالم والأخير علي 15 دولة عربية عام 2007.
أشار التقرير إلي أن الحكومة لم ترد علي ملاحظات الجهاز حول ارتفاع الأسعار, بما في ذلك السلع الغذائية والمجموعات الرئيسية التي يتم إنتاجها محليا والتي تهم محدودي الدخل مثل الخضار وقيام التجار بتعطيش السوق, حتي أن أغلب المواطنين بمن فيهم الطبقة الوسطي, لم يستطيعوا مواجهة تلك الأسعار, في الوقت الذي انتشرت فيه تجارة السلع مجهولة المصدر والأغذية المغشوشة مؤكدا أن الفساد وصل إلي حد انتشار الدواء المغشوش في الأسواق المصرية للحكومة.
انتقد التقرير أيضا وجود متأخرات مستحقة لوزارة المالية لدي هيئات عامة ومؤسسات صحفية ليست ديونا وإنما هي أمانة لدي هذه الهيئات قامت بتحصيلها علي أنها أموال للحكومة ولم تسددها, ودلل علي ذلك بالديون علي المؤسسات الصحفية التي تبلغ أكثر من 5 مليارات جنيه هي ضريبة الدمغة علي الإعلانات حصلتها من المعلنين ولم تسددها لخزانة الدولة. وكذلك عدم كفاية وسلامة الدراسات الأولية ودراسات الجدوي الاقتصادية لعدد لا يستهان به من المشروعات سواء الصغيرة أو الكبيرة وعدم الاستخدام الأمثل للقروض والمنح والتسيب والخلل في المحليات الذي وصل لحد الفساد واستخدام جانب كبير من حسابات الصناديق الخاصة في غير الغرض الذي أنشئت من أجله مثل التعازي والتهاني والإعلانات.
لم ينته الجدل حول التقرير بالمناقشة غير العادية التي تمت بمجلس الشعب حيث قامت المجموعة الوزارية الاقتصادية بعقد اجتماع عاجل منتصف الأسبوع الماضي لمناقشة ما ورد في التقرير كما حظي التقرير باهتمام الحركات الاجتماعية والشعبية وقد منحت حركة مواطنون ضد الغلاء لقب المواطن الإيجابي للمستشار جودت الملط, رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات وقالت الحركة في بيان لها: يذكر له موقفه الأخير في مجلس الشعب, الذي بدا فيه مدافعا ومحاميا عن فقراء هذا الشعب وتبنيه أجندة في مواجهة الغلاء, وتوجيهه انتقادات فيما يتعلق بترك الحكومة الأسواق تحت سيطرة جشع التجار دون تدخلات يستوجبها الاقتصاد الحر لكن تبقي نقطة أخيرة هل تقوم اللجان المتخصصة بمجلس الشعب بدراسة التقرير بإيجابية وإرسال ملاحظاتها إلي الوزارات والهيئات الاقتصادية للاستفادة منها!!