خمسة أيام كل أسبوع, وطيلة العام, تطبع مطابع خاصة تابعة لمكتب الولايات المتحدة للنقش والطباعة في واشنطن ودالاس 38 مليون قطعة ورقية مالية قيمتها حوالي 750 مليون دولار.
وهذ المبلغ الضخم من العملتين الورقية والمعدنية هو فقط جزء صغير من مجمل إمدادات البلاد من العملة, قدرت بـ7.6 تريليون في مارس, .2008 (يعكس هذا الرقم تعريف ”إم2” من الإمدادات المالية من عملات ورقية ومعدنية, إضافة إلي حسابات جارية, وحسابات توفير قصيرة الأجل وشهادات ودائع صغيرة).
* السياسة المالية
إن طبيعة وأداء النظام الضخم والمعقد من الأموال والاعتمادات في الولايات المتحدة أمر بالغ الأهمية, ليس فقط لتعافي اقتصاد الولايات المتحدة بل لخير ونمو النظام المالي العالمي أيضا.
واليوم, حيث الأسواق المالية مجهدة من جراء خسائر ضخمة في قطاعي العقارات والاعتمادات, النظام المالي الأمريكي هو موضع فحص دقيق أكثر من أي وقت مضي _ خصوصا الاحتياط الفيدرالي للولايات المتحدة, الذي يعمل كبنك مركزي وطني.
وسوق الاقتصاد الحر في الولايات المتحدة هو منظم لذاته إلي حد كبير. وكما قال بين بيرنانكي, رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي في خطاب مؤخرا: ”إن قوي السوق تقرر معظم النتائج في اقتصادنا, وهي حقيقة تساعد علي فهم الكثير من نجاح بلدنا في توليد الثراء. إن مجمل الأسواق تنشر معلومات بصورة أكثر فاعلية وتحدد الأسعار بصورة أكثر فاعلية مما يستطيع أي مخطط مركزي أن يفعله”.
وفي الوقت نفسه, أشار بيرنانكي إلي أن ”التدخل والتنظيم الحكومي المستهدفين” يمكنهما أن يفيدا الاقتصاد, خصوصا في حالة الأسواق المالية, لترويج الاستقرار والنمو الاقتصاديين ولحماية المستهلكين والمستثمرين.
إن الحكومات تستطيع في اقتصاديات السوق أن تؤثر علي الاقتصاد بطريقتين واسعتين. الأولي هي السياسة المالية, قانون الاحتياط الفيدرالي, الذي يتعلق بكمية المال وتوفر اعتمادات في الاقتصاد. والثانية هي سياسة مالية _ نشاطات الضريبة والإنفاق الحكومي التي تنال عادة اهتماما وعناوين رئيسية أكثر من السياسة المالية.
* معارك البنك
المعارك السياسية حول طبيعة الصيرفة والمال في الولايات المتحدة قديمة قدم الدولة نفسها. وهذه الانقسامات القديمة عكست بصورة نموذجية التوتر بين المصالح الزراعية والأعمال الصغيرة في الجزء الغربي من البلاد, من جهة, ومصالح الشركات والبنوك خصوصا في الجزء الشرقي من البلاد من جهة أخري. فالمصالح الريفية الغربية, عارضت وجود بنك مركزي قوي, بينما الممولون وقادة الشركات الشرقية أيدوا ذلك.
ويقول دونالد كون, نائب رئيس مجلس أمناء البنك, إنه عندما أسس الاحتياط الفيدرالي, عكس التشريع الذي تبناه الكونجرس في نهاية العام 1913 معركة حامية جرت للموازنة بين وجهتي النظر هاتين المتنافستين وأوجد التركيبة المركزية _ واللامركزية بين القطاعين الخاص والعام التي لدينا الآن”.
وقد تأسس أول بنك مركزي في البلاد في عام 1791, لكنه لقي معارضة شديدة من المصالح الريفية والحزب الديموقراطي الناشيء بزعامة توماس جيفرسون, الذي ادعي أنه خاضع لسيطرة مصالح كبيرة تجارية ومالية.
وأثار بنك الولايات المتحدة الثاني, الذي منح امتياز لمدة 20 عاما سنة 1816, معركة شرسة بين المصالح المالية الشرقية, بقيادة رئيس البنك نيكولاس بيدل والرئيس أندرو جاكسون, الذي قاد القوي الشعبية. وقد حظيت معارضة جاكسون للسيطرة المالية المركزية بدعم بين كثير من المزارعين والطبقة العاملة من الأمريكيين, خصوصا في الغرب النامي بسرعة.
ولعل جاكسون استخدم حججا اقتصادية مشكوكا في صحتها ضد البنك, إلا أن صدي وجهات نظره بشأن سلطة البنك المركزية تردد عبر مناقشات اقتصادية استمرت حتي عصرنا الحاضر.
فقد قال عن قانون إعادة الامتياز للبنك, ”إن كثيرا من أغنيائنا لم يكتفوا بالحماية والمنافع المتساوية بل إنهم ألحوا علينا كي نجعلهم أكثر ثراء بقانون من الكونجرس”.
وقد انتصر جاكسون بسحبه جميع الأموال الفيدرالية من البنك وتركه امتياز البنك ينتهي أجله في عام .1836
* الهواجس المصرفية والاحتياط الفيدرالي
عملت الولايات المتحدة إلي حد كبير عبر بنوك مستقلة وأخري مجازة من الولايات في القرن التاسع عشر. لكن حتي إنشاء بنوك متمتعة بامتياز وطني عام 1863 تعذر منع حالة الهلع المالي المفاجئ الذي أدي في كثير من الأحيان إلي انكماش اقتصادي واسع الانتشار.
فالهلع المصرفي في عام 1893 مثلا, أطلق شرارة أسوأ كساد اقتصادي حتي ذلك الحين, وحفز ذعر حاد آخر عام 1907 علي إصدار قانون الاحتياط الفيدرالي العام 1913, الذي أوجد الاحتياط الفيدرالي كنوع من بنك مركزي مجرد من المركزية _ حل وسط كلاسيكي يوازن بين مصالح المستهلك والمصالح التجارية ويكبح العناصر العامة والخاصة.
لكن الاحتياط الفيدرالي عجز عن منع الكساد الكبير في الثلاثينيات الذي أعلن خلاله إفلاس 000,10 بنك تقريبا. إلا أن قانون البنوك لعام 1935 وفر عددا من الإصلاحات الحيوية, كان من بينها شركة تأمين الودائع الفيدرالية لضمان الودائع البنكية.
يو إس جورنال