أصابتها حالة من الحزن الشديد بعد معرفتها أن ابنتها الوحيدة التي تبلغ الثالثة من عمرها مصابة بمرض الجديري المائي. ليس فقط لتألم ابنتها من أعراض المرض لكن لكونها حاملا في شهرها الرابع, وقد حذرتها والدتها من خطورة الاقتراب من ابنتها لأن ذلك يهدد جنينها. فهرعت بين الأطباء المتخصصين للتأكد من مدي صحة هذه المعلومة. وللأسف صدقت هذه المعلومة وأصيبت الأم باكتئاب شديد وحيرة. فكيف يمكن أن تظل بعيدة عن طفلتها وهي في حالة إعياء شديد لمدة لا تقل عن ثلاثة أسابيع؟ هل ستهرب من العدوي مثلما يفعل غالبية المحيطين بابنتها؟ وكيف يمكن أن تكون مطمئنة علي ابنتها خاصة أن الأطباء أكدوا لها ضرورة أن تبتعد عن المكان التي تقيم به طفلتها فلا يجب أن تتلامس مع فراشها ولا أن تستخدم أي شيء من متعلقاتها, كيف يمكن لها أن تبعد طفلتها عن حضنها عند عودتها من العمل؟.. كيف تتخلي عن طفلتها وتختار أن تبتعد لتنقذ جنينها الذي لم تشعر به كفرد ملموس في حياتها؟..
في الوقت ذاته, إن لم تبتعد ستؤذي جنينها فكيف ستتحمل أن تكون سببا في ولادة طفلها الثاني بإعاقة تلازمه طوال حياته, وكيف يمكن لها حتي أن تنظر في عينيه بعد ذلك؟
لمساعدة هذه الأم البائسة كان لابد لنا من الذهاب للمتخصصين للوقوف علي مدي خطورة المرض وأعراضه وكيف يمكن أن تحمي طفلتها وجنينها في نفس الوقت من أي خطورة. وأيضا حتي تستطيع هذه الأم الوصول لقرار صائب يحمي أسرتها جميعا.
تحدثنا في البداية مع الدكتور خالد مرتجي, إخصائي طب الأطفال, الذي أوضح أن الجديري المائي من الأمراض الفيروسية المعدية التي يكثر انتشارها في فصلي الشتاء والربيع. وتتراوح فترة حضانة المرض داخل الجسم من 10 أيام إلي 21 يوما. وأعراضه تتمثل في ارتفاع بدرجة الحرارة من 37.8 حتي 38.5 وأحيانا تصل إلي 39 درجة مئوية. بالإضافة إلي وجود هزال في الجسم وسعال بسيط والتهاب بالحلق وغثيان وصداع وآلام بالبطن وبعد ظهور هذه الأعراض بيوم أو اثنين يظهر الطفح الجلدي الحبيبي المميز للجديري المائي.
تكمن خطورة هذا المرض – والكلام للدكتور خالد – في إنه يحدث مضاعفات شديدة كالالتهاب الرئوي والتهاب العظام والتهابات الجهاز العصبي المركزي والالتهاب السحائي, كما تحدث هذه المضاعفات بكثرة بين مرضي السرطان وخاصة سرطان لوكيميا الدم, أيضا يشكل هذا المرض خطرا كبيرا علي السيدات الحوامل حيث ينتج عنه ما يسمي بمتلازمة الجديري المائي التي تحدث تشوهات للجنين في القلب والقرنية وكذلك صغر حجم الجمجمة واختزال أصابع اليدين والقدمين وأيضا التهابات بالأذن. ويمكن أن يؤدي هذا المرض إلي موت الجنين داخل رحم الأم. لذا فيجب علي الأمهات الحوامل الابتعاد عن أي شخص يشتبه في تعرضه للجديري المائي.
يضيف د. خالد أن علاج الشخص المصاب يتم من خلال أخذ عقار الإسيكوفير وهو عقار مضاد للفيروس, كما يعالج الأعراض المصاحبة للمرض. أما بالنسبة للوقاية من الإصابة بهذا المرض فلا يتوفر في مصر المصل الواقي بل وأنه غير متوفر إلا في دول محدودة في العالم مثل الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وكوريا. ويقتصر استخدامه علي الحالات الحرجة. وتمنع السيدة الحامل من التحصن بأي مصل.
بعد الوقوف علي خطورة هذا المرض كان علينا التحدث إلي الدكتورة سامية عزيز, أستاذة صحة الطفل العقلية بمعهد الدراسات العليا للطفولة, لدعم هذه الأم وغيرها ممن هن في مثل موقفها للتحلي بالحكمة, حيث أشارت إلي وجود بعض الفيروسات التي لا تعدي الأم أو جنينها ولا خوف منها علي الإطلاق والأم هنا ليست في حاجة إلي الابتعاد عن طفلها المصاب. أما الفيروسات التي تعدي الأم وتهدد جنينها فإذا أصيب بها الأم خلال الشهور الأولي من الحمل فلابد أن تقوم بالإجهاض الطبي أما إذا حدث ذلك بعد الشهر الرابع فتقل نسبة الخطورة علي الجنين ولكن في كلتا الحالتين يفضل أن تبتعد الأم عن طفلها المصاب مدة لا تقل عن 21 يوما. وهنا علي الأم أن تتحلي بالعقل وتتجنب العواطف فبعدها عن طفلها المصاب لن يضره وإنما قربها منه سيضر جنينها, وإذا وقع هذا الضرر ستندم عليه طوال عمرها. فيمكنها أن تترك طفلها المصاب مع والدتها أو والدة زوجها ثم تقوم بالاتصال به أكثر من مرة علي مدار اليوم, ويمكن أن تقص عليه بعض القصص وتستغل فترة بعدها عنه في تحضير الهدايا والألعاب التي يحبها طفلها حتي تعوضه عن فترة غيابها عنه.
أيضا علي الزوج أن يلعب دورا مهما تجاه زوجته فيجب أن يدعمها نفسيا ويشعرها أنها اتخذت القرار الصائب بالابتعاد عن طفلها المصاب, كذلك عليه دور تجاه ابنه فيتحتم عليه زيارته يوميا لكن مع توخي الحذر كي لا يصاب فتنتقل العدوي لزوجته.
في ختام حديثها أكدت د. سامية عزيز علي ضرورة أن تتحصن الأم قبل الحمل بمجموعة من الأمصال الخاصة بالفيروسات التي يمكن أن تهدد الحمل طالما وجدت في مراكز الصحة المختلفة حتي تتجنب الوقوع في مثل هذه الأزمات النفسية. لكن نتيجة لعدم وجود أمصال لبعض الفيروسات فعليها توخي الحذر والبعد عن أي شخص مصاب حتي لو كان طفلها.
في النهاية تقول إنه يجب أن نكون علي يقين بأن لكل قرار نتخذه في حياتنا جوانب ضرر ومنفعة ولكن يجب أن تزيد جوانب المنفعة عن الضرر.