كلمة طارق حجي التي أذاعتها إذاعة بي بي سي العربية في 10 أكتوبر
منذ أربعين سنة, والجو العام في مصر يزداد خنقا للأقباط.. فهم كل عقد من الزمان يشغلون مناصب رئيسية أقل في كل المجالات عما كانوا يشغلونه منذ عقد يسبقه.. وحتي لا يظن أحد أن هذا كلام مرسل, فإنني أحيل الجميع للإحصائيات الواردة في كتاب هموم الأقليات الذي أشرف علي إعداد الدكتور سعد الدين إبراهيم. الأقباط يسددون ضرائب مثلهم مثل المسلمين, ولكن باستثناء قرار جمال عبدالناصر بمساهمة الدولة في بناء الكاتدرائية المرقسية بالعباسية, فإن الدولة لا تنفق جنيها واحدا علي الكنائس بينما تنفق من حصيلة الضرائب التي يساهم فيها المواطنون الأقباط علي الكنائس من المساجد.. وبنفس أموال الضرائب التي يساهم فيها المواطنون الأقباط تشيد الدولة مدارس وكليات لا يسمح للأقباط بالالتحاق بها. وعندما تحاول مجموعة من أبناء مصر المحبين لتاريخها (كل تاريخها), وكاتب هذه السطور أحدهم, أن يؤسسوا قسما أو كرسيا للدراسات القلبطية, فإن أبواب الجامعات المصرية توصد في وجوههم, باستثناء الجامعة الأمريكية بالقاهرة التي ترحب بتأسيس هذا الكرسي. وعندما يرغب المصريون الأقباط في إنشاء كنائس جديدة, فإنهم يعانون من صعوبات لا يقدر أحد علي تخيلها (بعض طلبات تأسيس كنائس جديدة ظل في قنوات البيروقراطية الحكومية سيئة النية لأكثر من ربع قرن).. وعندما يحتفل الأقباط ببناء كنيسة جديدة للصلاة وعقد القران والصلاة علي الأموت.. كثيرا ما تصل الهدية للأقباط في شكل عدوان من متعصبين, يرافقها غلق للعيون وصم للآذان من طرف الحكومة المنوط بها حماية المواطنين لا تركهم للمتعصبين لافتراسهم.. كل هذا يتواضع أمام روح التعصب والكراهية والرفض للآخر التي شاعت في مصر منذ أن أطلق أنور السادات منذ أربعة عقود من الزمان تيار الأصولية الإسلامية, وخلال هذه السنة وحدها 2011 اقترف المتعصبون العديد من جرائم العدوان علي أرواح وممتلكات الأقباط وحرقوا وهدموا أكثر من كنيسة, فلم نر سلطة تتحرك للردع والعقاب لمتعصبين آخرين يتخيلون بقلوب وعقول مريضة أنهم يرضون الرب بالعدوان علي مواطنين مصريين اتسموا دائما بالتهذيب والخلق الحسن وحسن العمل والأمانة.. ولم نر إعلاما يسلط الضوء علي تلك الجرائم البشعة والدالة علي توحش وبدائية وهمجية فاعليها, كما يدل صمت السلطات إزاء اقترافها إما عن عجز أو سوء نية, إن السلطة الحاكمة اليوم في مصر قادرة (بلا شك) أن تضبط أي إيقاع في مصر, وليس فقط حماية الأقباط من عدوان المتعصبين هادمي وحارقي الكنائس.. وهي قادرة علي الإيحاء للإعلام الحكومي (المسمي بالقومي) أن يكون أكثر موضوعية فلا يصف قتلي الشرطة العسكرية بالشهداء وموتي الأقباط بالقتلي.. لقد شعرت يوم الأحد الماضي بأن روح الوطن مصر تهان للمرة المائة وأنا أري عربات مصفحة تدهس (فنقتل) مصريين كل جرمهم أنهم خرجوا يعترضون علي قرار جائر لمحافظ لا يسمح له تكوينه بأن يكون عادلا, ولا أقول أن يتحلي بالحس الثقافي والتاريخي, فتلك قيم لم يدر بخلدنا أن يتحلي مثله بها.