أمين بكير:كيف نصادر تراثا أثر في إبداع أجدادنا؟
إقبال بركة:من يجرؤ علي تغيير شكل الأهرامات؟!
المستشار أشرف وليم: الدستور المصري يرعي التراث ويحافظ عليه
ثارت في الآونة الأخيرة قضية مصادرة الإبداع والحجر علي تراثنا العريق,وذلك بمطالبة عدد من المحامين بتنقيح نسخة ألف ليلة وليلة لما تحويه من بعض الألفاظ التي تخدش الحياء العام. والسؤال هو هل من حقنا أن نصادر الإبداع وندفن تراثنا أم المحافظة عليه كما هو؟وما هو رأي الكتاب والأدباء؟ وهل الدستور المصري يوجد به ما ينص علي حفظ التراث أم وأده؟
بداية أوضح الكاتب والناقد أمين بكير أن الإبداع لا يمكن أسره أو تنقيحة فكيف نصادر تراثا شكل وجدان أجدادنا فدرسوها واستوعبوها وأصبحت جزءا لا يتجزأ من لثقافتهم وإبداعهم فأفرزت لنا الكثير من عظماء جيل لا يعوض أمثال طه حسين وهيكل والعقاد وغيرهم.
وأوضح أمين بكير أنه يوافق تماما علي مراعاة الكتابة بأسلوب لا يخدش الحياء أو يثير الرأي العام علي أن يكون هذا في الكتب الحديثة وليس التراثية, وبالرغم من ذلك لا نريد مصادرة أي كتاب أو رأي للكتاب أو الأدباء, فالحرية مكفولة للجميع.
تغيير التراث
أما الكاتبة الصحفية إقبال بركة فقالت إنها موافقة تماما علي عدم الحجر علي ألف ليلة وليلة, فهل قرأ المحامون هذا الإبداع العظيم وكيف استطاعوا أن يقفوا في وجه تراث إنساني عظيم.
وأضافت: يوجد في الأدب ما يسمي بالوحدة العضوية, أي أن للعمل الأدبي عالم خاص به ومستقل بذاته, فهو محض خيال لذا من حق المؤلف أن يترك لخياله العنان ليقدم لنا عصارة إبداعه, إن ألف ليلة ليست وليدة هذه الأيام فهي ذات أصول هندية وفارسية, وكلها مرتبطة بالمجتمع العربي القديم, فالتراث لا نستطيع تغييره, فهل من المعقول أن نقوم بطلاء الأهرام حتي يواكب العصر, أو أن لونه لا يوافق الذوق العام؟بالطبع لا نستطيع عمل ذلك, وبالتالي ممنوع إضافة أو خذف أي جملة من التراث, خاصة أن هذه القضية تخص المثقفين جدا وليس البسطاء من الشعب الذين لا يقبلون علي هذه النوعية من الكتب التراثية.
الدستور والميراث الثقافي
علي الطرف الآخر ذهبنا إلي دارسي القانون لمعرفة الرأي حول هذه القضية الشائكة..فماذا قال القانون؟
قال المستشار أشرف وليم روفائيل؟
جاء في وثيقة إعلان الدستور المصري الدائم:
أولا: إن التقدم…لا يمكن أن يجري أو يتم إلا بحرية الشعوب.
ثانيا: وضع الدستور الدائم 11سبتمبر سنة1971 التزامات علي الدولة(مادة /12) برعاية التراث التاريخي للشعب…وقد نوه بـ (تلتزم الدولة باتباع هذه المبادئ والتمكين لها). وقد أكد أيضا علي ذلك في(المادة /16) من الدستور (تكفل الدولة الخدمات الثقافية والاجتماعية والصحية… إلخ نص المادة).
فقد أوجد هذا النص التزاما علي الدولة ممثلة في وزير الثقافة ومؤسساته برعاية التراث الثقافي والإنساني بكل صوره وألوانه, وذلك في إطار من القانون وطبقا لما يناسب النظام العام المصري.
والنطام العام هو مجموعة من القواعد والمبادئ والتي تعارف عليها المجتمع منذ مئات السنين, وإن شئنا القول هي عرفية أكثر منها مكتوبة. وإذا طبقنا ذلك علي رواية ألف ليلة وليلة فيتضح لنا أن المجتمع تعارف علي هذه الرواية منذ مئات السنين وأقرها جزءا من تراثة الثقافي.فلا يصح تحت أي مسمي أن جماعة تقرر أن هذا العمل يخرج عن مبادئ الأخلاق والآداب العامة, وأن تفرض هذا الرأي علي الغالبية الساحقة من الشعب المصري أو من مثقفيه.إن التراث هو ميراث الشعب من الأجداد, ولا يمكن لإنسان أن يلغيه أو أن يعدل فيه أو أن ينتقص منه, فلا يصح مثلا أن يقول قائل أن أبو الهول حرام أو مش عاجبني. هذا ميراث وتراث نستطيع أن نبني عليه لكن لا نهدمه , فإن أمة بلا تراث أيا كان هذا التراث دينيا أو اجتماعيا أو ثقافيا أو سياسيا هي أمة بلا ماض, أي شجرة ليس لها جذور عميقة في باطن الأرض, فإن هبت عليها العواصف تسقط سريعا.
وهذه هي الحكمة التي نوه عنها الدستور المصري في أن الدولة ترعي التراث وتحافظ عليه, وليس من حق إنسان أن يفرض رأيه أو نظرية علي المجتمع, ولا أن يقولب عقول الآخرين لا لشئ إلا لمخالفتهم له في الرأي, فليتبق التراث وليبق التاريخ, ولنحترم جميعا الكتاب, فحينما أحرق هتلر كتب معارضية واحتقر ثقافة الشعوب كان قد دق المسمار الأول في تقويض الرايخ الثالث.
وحينما تمسك الفرنسيون في الحرب الكبري بتراثهم وكتبهم ومعارضهم واستماتوا شعبا ومقاومة في الدفاع عن هذا التراث, وكانت جذورهم عميقة في الوطنية ونظامهم الاجتماعي قويا كان النصر لهم. وقد نوه إلي ذلك أرنولد توينبي في كتابهفلسفة التاريخ. فإنني من أجل ما سبق ذكره مع الثقافة والتراث أيا كان نوعه ومدلوله ومسماه داخل إطار النظام العام المصري.