في خضم ثورة الشباب المصري والتي بدأت 25 يناير 2011 وأعادت الحياة إلي الشعب المصري بكل فئاته وأعماره, وأحيت الحوار بين الأجيال المختلفة وبين الطبقات الاجتماعية, وكذلك بين مختلف الأطياف السياسية. شغلني سؤال واحد قيل لنا دائما في حلقات النقاش بميدان التحرير: ماذا يريد الشباب؟ الكبار عمريا والنخبة الفكرية يقولون للشباب مع من نتحدث؟ ومن يمثلكم سياسيا؟
هل محمد البرادعي ممثل لكم.. فيجيب الشباب البرادعي قانوني جليل ولكننا لا نعرف وجهته.. وإلي أين يريد أن يذهب بنا؟ فهو آت من منفاه الاختياري ذي الخمس نجوم ليشاركنا الثورة ويصبح رمزا من رموزها الداعمة والمتحدث باسمها. ولكننا نحن الشباب أدري بشعابها فلا نريد أن يمثلنا أحد لم يعان مما عانيناه في هذا الوطن من بطالة وفقر وقمع.
فيرتد السؤال مرة أخري وماذا عن جماعة الإخوان المسلمين؟.. فيجيب الشباب هم تشكيل قوي ومنظم وجماهيري, ولكن سيبعدون بنا كثيرا عن المستقبل.. سيرتدون بنا للخلف. فهم يأتمرون بأمر المرشد ويشجبون التعددية ويرون في الاجتهاد الفكري خروجا عن النص, فلا نريد أن يمثلنا من يمثل بعقولنا.
ماذا عن أحزاب المعارضة؟.. فيجيب الشباب علي طريقة شركات المحمول عفوا لقد نفد رصيدهم, فقد تعلمنا أن الكلمات تكتسب معناها من سياقها, فكلمة المعارضة في السياق المصري لا تعني سوي الوجه الآخر للسلطوية. فهم وإن أطلقوا علي أنفسهم معارضة وأضافوا إليها ليبرالية أو اشتراكية أو ما شابهها يفتقدون إلي مقومات الديموقراطية, فعلي سبيل المثال يفتقدون الاتفاق علي ما يعترضون عليه, ويغيب عنهم السماح بالاختلاف وحرية التفكير وتمثيل الشباب والالتحام مع الشارع, وأخيرا يفتقدون ثقافة التنسيق والائتلاف, فلا نريد أن يمثلنا من يحتكرنا.
فتصيح النخبة في حيرة.. إذن ماذا تريدون؟ ومن المتحدث الرسمي باسمكم؟
فيجيب جموع الشباب.. ننتخب الإنترنت.. فهي وسيلة فعالة لتوصيل رسائلنا وخير من يمثلنا, فلا يتحدث أحد باسمنا في المستقبل.. ألم تسمعوا عن الفردية.. فلكل واحد منا اختياراته الشخصية وأولوياته والتي قد تتلاقي أو تتنافي مع آخر مختلف في توجهاته, فإن أردتم أن تخاطبونا فعليكم بالإنترنت فقد تمرسنا من خلال علي الاختيار والتصويت فلكل فرد منا حق الاقتراع السري المباشر, وهي تضمن الشفافية وسرعة اتخاذ القرار, ويمكننا استخراج المؤشرات لمعرفة توجهات الجموع, والأهم أننا من خلالها نقترع ونصوت علي مانفيستو لمقترح سياسي مكتوب وموقع من صاحبه وليس علي وعود أو خطاب مؤثر. فلكل شاب منا تأثير في صناعة القرار مساو للآخر, ولكل منا حرية الاختيار.
كذلك من خلال شبكات التواصل الاجتماعي نستطيع أن نقوم بالتنسيق بيننا باختلاف توجهاتنا عن طريق ما يسمي بالتشبيك Networking, ومن خلال المجموعات groups نتناقش ونحتد ونتفق وننظم أنفسنا, ونتشارك في الآراء والمعلومات والكل له نفس مساحة التعبير دون احتكار. نعم إنها مساحات افتراضية ولكن هذا كان بالأمس قبل أن يتحول الافتراضي إلي فكرة مجسدة تمشي بأقدام مئات الآلاف من الشباب إلي ميدان التحرير.
تعلمنا أن عصر الجموع انتهي وأنه لا يصح أن نتحدث عن الشرق الأوسط الكبير كأنه وحدة واحدة, كما لا يصح أن نتحدث عن الشباب العربي أو المصري كأنهم جميعا متشابهون التوجهات والمطالب. فأين هي اقتراعات الرأي الشعبية opinion polls والتي تستخدم في الدول الديموقراطية لمعرفة احتياجات الشعب وتوجهاته, والتي تستخدم لرسم السياسات العامة للدول.
تعاملتم معنا وزعمتم أن احتياجاتنا معروفة لكم وأنها لا تتعدي الخبز والسكن والزواج, وأخذتم تغيرون الحكومات وتعلنون التحاور مع قوي المعارضة للإصلاحات السياسية والاقتصادية.. ولكن عفوا هذا ليس بتغيير في نظرنا, ولا تلومونا بقولكم أنتم ثائرون لمجرد الثورة.. ولكن أنتم لا تفهمون أننا اخترنا مذهب الفردية وآمنا بقدرتنا علي الاختيار وانتخبنا الإنترنت.. ليس لتمثيلنا ولكن ليتحدث كل منا عن نفسه.
فهي تمكننا من الحرية والتعددية والديموقراطية, فكل ما نريد من ثورتنا أن نتحرر ونمارس حريتنا ونشارك في اتخاذ القرار فلا يعقل أن نكون في القرن الواحد والعشرين ومازلنا نعامل كالقطيع نوافق علي ما يوافق عليه القائد الذي لا اخترناه ولا بايعناه.. فلهذا لا نريد من يتحدث بالنيابة عنا ولكن من يضمن لنا فرادتنا ومشاركتنا في القرار الذي نعيش تبعاته, فليس بالخبز وحده يحيا الشباب.