كانت نهاية العام وبداية عام جديد صادمة بسبب الأعمال الإجرامية البشعة, ولكن كانت لبداية العام ونهاية العام السابق أحداثا مؤلمة علي المستوي الشخصي, منذ كانت شقيقتي علي فراش المرض الذي أقعدها مستسلمة في هدوء راضية وهي تنتظر رحمة الله, ونحن حولها نعرف أن النهاية محتومة وقادمة لا محالة, ولكننا لا نعرف متي تنفذ إرادة الله, كلنا حولها صابرين نتظاهر بالهدوء, وهي معنا لا تكاد تتبادل منا كلمات قليلة غير واضحة المعالم, وبعد أيام معدودة جاءت النهاية, أصبحت شقيقتي في العلا, في السماء, كانت لحظات قاسية ومؤلمة علي وعلي أبنائها, وكنت في لحظات حاسمة أحتاج إلي المساندة والمشاركة والتعزية, أحتاج إلي الآخرين, وفي هذه الأوقات العصيبة عادة ما يعيد الإنسان اكتشاف الآخرين في حياته ومن حوله, وكأنه يراهم لأول مرة, وأعود بذاكرتي للوراء وأتذكر كم مرةأعدت فيها اكتشاف من حولي, إلي أن وصلت إلي هذه السن وكأن رحلة الحياة الطويلة تفاجئني فيها المواقف الصعبة دائما بإعادة فرز من حولي وكأني أراهم لأول مرة.
وفي هذه المحنة تقرب الكثيرون ممن كنت أظن أن علاقتي بهم عادية, تقربوا بكل الحب لا الفطرية والمحبة الخالصة والجدعنة المصرية, كما أحب أن أسميها, وسعدت رغم الألم أنني إلي الآن مازلت أحظي بقلوب جديدة وصداقات بلا رياء, ولكن مع الأسف أيضا لحظات الاكتشاف هذه المتني كثيرا فيمن كنت أنهم الأقرب مني دائما, من رافقوني رحلة استمرت سنوات طويلة, ومن كنت أظن أن علاقتي بهم قوية جمعنا حب وتفاهم وأوقات طويلة توحي بأن الأواصر متينة, ولكنني اكتشفت أن هذه الأواصر أضعف من ضغطة اتصال بسيطة علي هواتفهم المحمولة تحمل ولو حتي كلمات تعزية معتادة بسيطة لا تكلف الأشراء بقايا المودة والعشرة والعمر الطويل.
ولكنها سنة الحياة, وسنة المصاعب أن نعيد اكتشاف الناس وفرزهم, ويقترب من يقترب وأن يبتعد من يبتعد, ويظل الربح الوحيد في لعبة الاكتشاف.
إن الإنسان مهما بلغ من العمر والخبرة يفاجأ دوما باكتشافات جديدة.
فيا قرائي الأعزاء لا تحزنوا أبدا إن تساقط من حولكم في مسيرة الحياة بعض من اعتقدتم أنهم أصدقاء لأنكم بالتأكيد تستكملون المسيرة مع آخرين صاروا بالفعل أقرب.