أوقات عصيبة قضيناها مع مطلع عام جديد في متابعة ما حدث بكنيسة القديسين بالإسكندرية بقلوب دامية وعيون باكية للدرجة التي جعلتني أتغافل عن قريبتي الصغيرة وسط ما نعايشه من أحداث مؤلمة لأستيقظ علي صوتها الحنون وهي تقول هو إيه إللي بيحصل؟ وقتها شعرت ولأول مرة أن لساني يعجز عن الكلام فلم أعلم ماذا أقول؟لطفلة صغيرة لم تتجاوز السبع سنوات من عمرها:
إنه لسان حال كثير من الأمهات اللاتي يقلن:
أتساءلت في داخلي عن حال أطفالنا الصغار وسط هذه الأحداث, وكيف يتعامل الأهل معهم بحكمة حتي لا تزرع بذور الكراهية في نفوسهم تجاه الآخر…
يقول د.غريب عبد السميع- أستاذ علم الاجتماع جامعة حلوان – قد تبدو لنا الأمور أكثر صعوبة حينما يواجهنا أبناؤنا بأسئلة واستفسارات لم تكن في حسباننا لنتفاجئ بأنهم علي درجة من الوعي تجاه ما يحدث من حولنا ويرغبون في معرفة المزيد. ومن ثم نخشي الحديث معهم خوفا من أن نخطئ في توصيف الأحداث لديهم بما لا يتناسب مع أعمارهم لندفعهم للضرر بأيدينا عن دون قصد, ولكننا في الحقيقة نخطئ إذا ما نقينا ما يدور في مخيلة أبنائنا من البداية لغربلته لنخلق منهم مواطنين صالحين داخل مجتمعهم بما يتناسب مع مراحلهم العمرية في شتي الظروف والملابسات لتنمية سلوكهم الإنساني وتغييره وتطويره.
ويضيف د.سمير عبد الفتاح- أستاذ علم النفس جامعة عين شمس – أن الأجيال الجديدة ستفتقر للتوازن النفسي حينما يجدون مشاعر الحزن والغضة تتفجر في صدور أسرهم, فالطفل من عمر خمس سنوات شديد الحساسية يدرك جيدا ما يدور حوله وتجده يسجل ويستقبل في ذاكرته كل ما يأتيه من عناصر خارجية تترسخ فيها الأحداث بآثارها السلبية وبالتالي علي الأسر التعامل مع أطفالهم بحكمة وأن تحاول الرد علي استفسارات أبنائها دون هروب وإنما المصارحة. من خلال تقديم الصورة كل بحسب عمره بشكل لائق دون تشدد مع التركيز علي نبذ العنف والكراهية لمساندة هؤلاء الأطفال في معالجة الصورة المشوشة والمشوهة لتخلصهم من الصورة الإدراكية المكونة لديهم نتيجة للأحداث التي شاهدوها وعايشوها بأنفسهم كأن يقلل لهمإن ما يحدث هو من قبل أفراد خارجين عن القانون, وأنه اعتداء ضد الدين, وأن ربنا مش بيحب إللي بيعملوا الحاجات الوحشة دي لأن في ناس بتموت بدون ما تعمل حاجة وأننا لازم نحب بعض علشان نعيش في سلام وبالتدريج نوصل المعلومات كاملة بأن هناك عمليات إرهابية وهي ظاهرة عانت منها مختلف المجتمعات-ومازالت تعاني- وذاقت منها ويلات كثيرة لما سببته من أبشع الجرائم بقتل أرواح أبرياء. كما أنها عمليات تتم من قبل أفراد ينظرون لأنفسهم بأنهم يقومون بأعمال بطولية كجهاد في سبيل الله.
فانتهاج الأسر أساليب التنشئة الاجتماعية الصحيحة تجنبنا العديد والعديد من المشاكل التي قد تجعل من الطفل فردا عدوانيا ينظر للآخر وكأنه عدو شريك له علي هذه الأرض.
ويتفق د.كمال مغيث- الخبير التربوي بمعهد البحوث التربوية مع الرأي السابق بأن الأسر تلعب دورا كبيرا في احتواء الأزمة مع أبنائها حينما توظف معني الإرهاب بصورة مبسطة كأن تقول إن هناك أفرادا غير أسوياء حروب ضد البشرية باسم الدين ليدفع الثمن ارواح أبرياء, وبهذه الأحداث يختبر الله قوة إيماننا وأن القانون مصيره يأخذ مجراه من خلال دور الدولة ممثلة في استخدام قانون الطوارئ والإرهاب لتعقب الجناة المتسببين في تلك الأحداث المؤسفة وتقديمهم للمحاكمة لحل الأزمة تفعيلا لما تنص عليه المادة الأولي من الدستور الخاصة بالمواطنة.
ويضيف د.مغيث أن الأمر غير كاف بصرف التعويضات لهم وإنما علي الدولة الإدراك بأن هناك قضية ثقافية ومن هؤلاء الأطفال للتأهيل النفسي والثقافي والتربوي والاجتماعي إلي جانب الخروج في معسكرات مشتركة للانامج داخل المجتمع لاجتيازهم المحنة التي تمر بها ولاسيما من خلال وضع برامج متخصصة لهذا الشأن من قبل خبراء علم النفس لتأهيلهم نفسيا علي روح المحبة والتسامح.