حفزت هجمات 11 سبتمبر حدوث تحول هائل في السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط. وبدلا من أن تضع واشنطن البترول كأولوية, إلا أنها استهدفت التنظيمات الإرهابية وخلعت دكتاتور من عرشه وحشدت الجموع في جميع أنحاء المنطقة من أجل الليبرالية. وعلي الرغم من مليارات الدولارات المنفقة علي حفظ الأمن في بغداد وحماية بنغازي, إلا أن الاعتقاد بأن الإرهابيين الإسلاميين لا علاقة لهم بأحداث 11 سبتمبر ما يزال يغذي عدم الشعبية التي تحظي بها الولايات المتحدة في العالم العربي, حيث يزعم كثيرون أن الهجمات كانت مؤامرة أمريكية أو إسرائيلية أو أمريكية – إسرائيلية مشتركة. وبهذا المعني فإن التغلب علي تعديلية 11 سبتمبر ربما يكون أكبر تحد يواجه الدبلوماسية العامة الأمريكية في العقد القادم. وما دامت نظريات المؤامرة هذه مستمرة, سيظل العرب يرون السياسات الأمريكية الهادفة إلي منع حدوث هجوم آخر مشابه لـ ##11 سبتمبر## علي أنه غير شرعي كلية لأنه في نظرهم هو مجرد كذبة أمريكية كبيرة.
وفي تقرير عن العلاقات بين المسلمين والغرب نشر في 21 يوليو من هذا العام, سأل مركز ##بيو للأبحاث## مشاركين مسلمين في ثمان دول — بما فيها لبنان والأردن ومصر وتركيا وباكستان — عما إذا كانوا يعتقدون أن جماعات عربية هي التي نفذت هجمات 11 سبتمبر ضد الولايات المتحدة. وفي كل دولة أكد أقل من 30 بالمائة من المستجيبين عن إيمانهم بهذه الفكرة. وفي الأردن ومصر وتركيا كان مستوي قبول الفكرة أقل اليوم مما كان عليه في عام .2006 وفي الواقع, فإن نفس الشارع العربي الثوري الذي أطاح بمبارك في مصر قد سجل أيضا أعلي مستوي من الإنكار بين جميع البلدان التي شملتها الدراسة, حيث أعرب 75 بالمائة من المستجيبين عن عدم ثقتهم بالفكرة.
وجدت أن أرقام استطلاع ##بيو## من مصر تتوافق عن كثب مع خبرتي الشخصية في هذا البلد حيث عشت فيه وأجريت بحثي لنيل شهادة الدكتوراه خلال فترات من ربيعه الصاخب. وربما أن ما لا يثير الدهشة هو إنني وجدت أن تعديلية 11 سبتمبر كانت بارزة علي نحو خاص بين الإسلاميين حيث تعتبر إعادة كتابة التاريخ ضرورية بالنسبة لهم لتشتيت الاتهام بأن عقيدتهم تحفز القتل الجماعي. وقد قال لي ##المرشد العام## السابق لـ جماعة الإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف بجدية تامة بأنه ##لا يوجد هناك تنظيم القاعدة, فهذا تعبير أمريكي, إنها مجرد أيديولوجية اسمها القاعدة, وهذه الأيديولوجية إنما تأتي من أمريكا وتحالفاتها.## وبقيامه بقلب وعكس الحقيقة, اعتبر عاكف أن أحداث 11 سبتمبر شكلت هجوما أمريكيا علي الشرق الأوسط أعقبته سياسة إسلامية للدفاع عن النفس. وقال عاكف, ##عندما يقاتلون في العراق وأفغانستان يعتقد تنظيم القاعدة أنه جهاد لأن القتال هو ضد الاحتلال. إن محاربة الاحتلال هو جهاد. وعندما يقتل الأمريكيون مدنيين في كل مكان, فإنها جريمة كبري ضد الإنسانية.##
وتردد الأجيال الشابة من الإخوان المسلمين تحريفات عاكف علي سبيل اليقين. وقد قال لي قيادي بجماعة الإخوان المسلمين في الإسكندرية علي عبد الفتاح أن ##أمريكا ارتكبت ,أحداث 11 سبتمبر] لتحقيق بعض مصالحها التجارية.## ويتفق مع ذلك عبد المنعم أبو الفتوح, أحد قادة الإخوان السابقين الذي تصفه صحيفة ##نيويورك تايمز## كـ ##إسلامي ليبرالي##, حيث يقول ##لا أعتقد أن ,الفاعلين] كانوا جهاديين – لقد كانت عملية شديدة ,الدهاء] قامت بها دولة وليس أفرادا. إنها ليست نظرية مؤامرة – بل ,نظرية] منطقية. فهم لم يقوموا بتقديم الجرائم أمام النظام القضائي الأمريكي حتي الآن فلماذا؟ لأن ذلك جزء من المؤامرة.## وحتي إسلام لطفي – الذي ترك جماعة الإخوان المسلمين مؤخرا ليؤسس حزبه السياسي, وهو يعمل مقاولا مع ##الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية## في مصر – يجد فكرة التواطؤ الأمريكي في أحداث 11 سبتمبر معقولة حيث يقول, ##لا أستطيع تخيل شخص يحلق في طائرة لمدة عشرين دقيقة ولا أحد يدرك ذلك, ثم تأتي طائرة أخري وتتحطم ثم طائرة أخري في بنسلفانيا##. أما صبحي صالح البرلماني السابق الذي يعتبر من بين كبار المفكرين القانونيين في جماعة الإخوان المسلمين فله نظرية مختلفة قليلا حيث يقول, ##هذا ,من فعل] اليهود واللوبي الصهيوني## مشيرا إلي كتاب منحه إياه رجل دين مسيحي لبناني حيث يقول, ##وهذه الدراسة معروفة جيدا في أمريكا ومتاحة علي شبكة الانترنت…لقد كانت بحثا علميا.##
علي أن الإسلاميين لم يكونوا الوحيدين الذين قابلتهم في المجتمع المصري ممن أنكروا تورط تنظيم القاعدة في أحداث 11 سبتمبر. فالاشتراكيون الثوريون الذين يمثلون شريحة مهمة من الشباب الناشطين الذين حفزوا ثورة يناير ضد مبارك يرون أن ثمة مكائد دائرة لأجل الهيمنة العالمية, حيث قال لي الزعيم في ##ائتلاف شباب الثورة## مصطفي شوقي, ##شخصيا أعتقد أن المصالح الإستعمارية كانت تحتاج شيئا كهذا. فأباطرة الغاز – يمنعون أية محاولة للتغيير الديمقراطي في العالم العربي ويخدمون أمن إسرائيل.## وثمة عدد ممن يسمون أنفسهم ليبراليين يبدون علي نحو فظيع مثل الإسلاميين عندما يسألون عن المسؤول عن أحداث 11 سبتمبر حيث قال الناشط الليبرالي الشاب من حزب ##الوفد## محمد فؤاد, ##إن وكالة ##الاستخبارات المركزية## الأمريكية تعلم من فعلها, وأنا لا أعرف. ستظل هناك علامة استفهام. فـ تنظيم القاعدة هو جزء من النظريات, لكن ,العملية] نظمت مع الآخرين. وعلينا ألا ننسي أن من صنع تنظيم القاعدة ورعاها هم الأمريكيون.##
ولعل الأكثر إزعاجا أن تعديلية 11 سبتمبر ما تزال حية ورائجة داخل الحكومة الانتقالية في مصر, رغم الاصطفاف الاستراتيجي الظاهري لهذه الحكومة مع الولايات المتحدة. ففي أواخر أغسطس, اتصلت بوزير التضامن الاجتماعي المصري جودة عبد الخالق وسألته عمن يعتقد كان مسؤولا عن هجمات 11 سبتمبر. لقد افترضت أن عبد الخالق, باحث منحة فولبرايت السابق الذي كان يدرس الاقتصاد في جامعة جنوب كاليفورنيا وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس, سوف يرفض سؤالي باعتباره سخيفا وبديهيا ,علي حد سواء], لكنه بدلا من ذلك أخذ السؤال علي محمل الجد وقال, ##لا أعرف إذا كان يمكن لأي شخص الإجابة علي هذا السؤال, فهل تستطيع أنت؟## وبعد استطرادات قليلة أجاب أخيرا بقوله, ##من خلال ما قرأت – وأنا لا أملك القدرة علي جمع المعلومات مثل ما تتمتع به وكالات الاستخبارات – ,لكن] متابعتي للأمر قادتني إلي الاعتقاد بأن النظرية التي تقول بأن تنظيم القاعدة هو المسؤول, تفتقر إلي الأدلة. فالولايات المتحدة قد جعلت ,العملية] تبدو وكأن تنظيم القاعدة هو من قام بها. وبالتأكيد قد رأيت بعض أعمال مايكل مور- ,وتحديدا] فهرنهايت 11 سبتمبر.##
لاحقا اتصلت بنائب رئيس الوزراء المصري علي السلمي وهو اقتصادي تلقي تعليمه في الولايات المتحدة وعمل وزيرا في عهد السادات خلال السبعينات من القرن الماضي, ثم نائبا لرئيس جامعة القاهرة. ومثل عبد الخالق اعتبر السلمي سؤالي معقولا وغير محدد علي نحو قاطع, حيث قال لي ##لست متأكدا من هو المسؤول عن ,أحداث] 11 سبتمبر, وإذا لم يكن بوسع الولايات المتحدة معرفة ذلك, فلا يمكن لي أيضا ,أن أعلم]. ولا أستطيع أن اتهم الناس ما لم تكن هناك محاكمات.## لكن وعلي عكس عبد الخالق رفض السلمي اتهام الولايات المتحدة أو إسرائيل حيث قال, ##لا أعتقد أن نظريات المؤامرة تلك قابلة للتطبيق بعد الآن, ولذلك لا أريد أن أخالف هذه النظريات ما لم تكن هناك أفكار أو حقائق مثبتة.##
وبالطبع, ليس كل مصري تحدثت معه يؤيد تعديلية 11 سبتمبر. فعلي سبيل المثال, وضع الناشط المصري اليساري البارز جورج إسحق اللوم ,لوقوع أحداث] 11 سبتمبر بقوله في كلمتين سهلتين: ##القاعدة بالطبع##. ولكن للأسف أن أناسا مثل إسحاق يمثلون الاستثناء. وبالنظر إلي الإجماع الشعبي الساحق الذي يتهم أمريكا بأحداث 11 سبتمبر ويعفي تنظيم القاعدة, فإن هؤلاء الناس هم في العادة أكثر جبنا من أن يصححوا التعديليين علنا.
والمهمة الصعبة المتمثلة في محاربة تعديلية 11 سبتمبر إنما تقع علي كاهل واشنطن التي يجب أن تري شيوع نظريات المؤامرة بخصوص نظرة العرب لأحداث 11 سبتمبر كتحد جوهري لشرعية الحرب المستمرة التي تشنها الولايات المتحدة علي الإرهاب. فكلما أصبحت تعديلية 11 سبتمبر متأصلة في رؤية العرب للتاريخ كلما أصبح تعزيز السياسات الرامية لمنع وقوع هجوم آخر أكثر صعوبة.
إيريك تراجر هو زميل آيرا وينر في معهد واشنطن, ومرشح للدكتوراه في العلوم السياسية في جامعة بنسلفينيا حيث يكتب أطروحته عن أحزاب المعارضة المصرية.
نيو رييليك