سؤال دائما يطرح في الوسط الطلابي.. لماذا تخلفنا وتقدمت شعوب أخري؟ وسوف أجيب عن الشق الثاني من السؤال وأترك الشق الأول لاستنتاج القارئ.
تقدمت شعوب العالم الأول وأصبحت نموذجا للحداثة والمعاصرة (بمعني المشاركة في بناء الحضارة الإنسانية المعاصرة) لأسباب عديدة نجملها في أهم خصائص الإنسان المحدث والمعاصر:
* الأخذ الواعي العميق بمبدأ الحرية والديموقراطية بأوسع معانيهما إيمانا بأن الحرية ملازمة للحداثة والتقدم والازدهار وأن الاستبداد والطغيان ملازمان للتخلف.
* لا يفوض حريته لغيره, أو يصادر حرية غيره.
* أكثر استعدادا لقبول تعدد الآراء ويؤمن بأنه لا يمتلك الحقيقة المطلقة.
* لا يسلم بكل ما يأتيه من أرباب السلطة بصورها المختلفة (سياسية, دينية, أبوية).
* لا يرفض حق الذين يأتون بعده في السلم الإجتماعي من إبداء الرأي والتعبير والاختلاف في الرأي.
* يعتقد بأن حصة الفرد ونصيبه يجب أن يتناسب طرديا وعكسيا مع مدي مساهمته في الإنتاج ومع دوره في المجتمع من خلال تفعيل معيار الكفاءة.
* يؤمن بمفهوم جديد للكرامة الإنسانية يتخطي الأجناس والألوان والأديان والجنس.
* الاستعداد النفسي والعقلي لقبول التغير والدخول في تجارب جديدة والانفتاح علي الآخرين.
* امتلاك رؤية ديناميكية للزمان, فالزمان متجدد باستمرار, ويرتبط ذلك بتنظيم واستغلال أمثل للوقت.
* الأخذ بالتخطيط كوسيلة ضرورية لتحقيق مشاريع مستقبلية ضمن فترة زمنية محددة.
* الاهتمام بالإتقان ودقة التنفيذ والثقة بالنجاح من خلال الثقة في قدراته علي التحكم والسيطرة علي الطبيعة بدرجات لم تكن تخطر علي بال الإنسان القديم.
* أن التفكير دائما قبل الطاعة.
* أن التعامل مع الماضي والتراث يكون من باب المعرفة وليس من باب الاتباع.
* أن الدين جاء من أجل الدنيا وليس العكس.
* أن الدين دعوة وليس أمرا ونهيا حتي في أوامره ونواهيه.
* أن الدين في نشأته كان رؤية مستقبلية ورغبة في تغيير الواقع.
* أن التغيير الأخير لا وجود له وأن التغيير هو الثابت الوحيد.
* أن عمل الدنيا تعميرا أو تدميرا هو أساس جزاء الآخرة.
* التخلص من فكرة الوسيط المخلص.
* الامتناع عن استخدام النصوص الدينية في تمرير أو إيقاف عمل سياسي.
* الامتناع عن إصباغ العمل المدني بأية صبغة دينية.
* الولاء والانتماء يكون دائما وقبل أي شيء للوطن.
* أن الوطن جزء من المواطن وليس وعاء له.
* اعتماد المنهج العلمي وسيلة للتفكير.
* نزع صفة القداسة عن الظواهر الطبيعية والقدرات الغيبية للأشياء والأشخاص التي تروج للتفكير البدائي الخرافي غير العلمي.
* أن عالمنا ##عالم معقول## تسوده قوانين مكتشفة وأخري قيد الاكتشاف.
مفهوم الخروج والقطيعة:
لن ندخل إلي الحداثة والمعاصرة بدون حدوث خروج وقطيعة معرفية مع رؤي وأفكار الماضي, فنحن قوم ما زلنا نحاول أن نجد حلولا لمشاكلنا باستفتاء الأموات, ولذلك نحن قوم نعيش بأجسادنا في القرن الحادي والعشرين, ولكن من الناحية الفكرية في عالم آخر يبعد عنا مئات السنين.
الخروج والقطيعة, شرط أساسي لبناء الذات وللفعل والمساهمة في الواقع والمستقبل, أي لصنع الحدث والإحداث الذي تشير إليه كلمة ##حداثة##. ولتقريب هذا المفهوم نستخدم منظومة (الوالدة/ الولادة/ المولود) فالطفل الذي يخرج من بطن أمه ليس أمامه من خيار سوي الخروج لكي يستمر في نموه, وليس أمامنا من خيار سوي قطع الحبل السري الذي يربطه بالأم لكي تستمر حياته, ثم ليس أمامه خيار سوي الانفصال تدريجيا عن هذا الأصل الذي تمثله الأم لكي يكون ذاته وبناء كيان جديد معاصر, وهذا لا يعني أنه سيلقي بأمه عرض الحائط أو سيتجاهلها, بل أن بناء كيانه يستدعي هذا الانفصال. وتظل أمه في الموروثات التي يحملها – كل المطلوب أن تترك لهذه الموروثات حرية التفاعل مع بيئتها زمانا ومكانا لكي يخرج منتج جديد وليس مكررا من الأم. فالإنسان هو الذي يصنع حياته, ويضع لها قوانينها التي تنظمها توافقيا مع زمانه ومكانه.
قنوات التحديث والمعاصرة
1- التعليم ونوعيته:
ثمة علاقة مباشرة بين درجة التعليم الذي يتلقاه الفرد ومقدار استعداده للخروج من الفكر التقليدي والدخول في الفكر الحديث, وكذلك نوعيته من خلال تنوع مصادر المعرفة / البعد عن الإجابات الجاهزة وتفعيل ثقافة السؤال والشك والتجريب/ أن يكون معيار التباين والفرز هو الكفاءة والاجتهاد والإبداع.
2- الإعلام:
من خلال زيادة المعرفة ورفع درجة الوعي والبعد عن مغازلة الجماهير علي حساب الحقيقة.
و يبقي عزيزي القاريء أن أسألك.. هل استنتجت الإجابة علي الشق الأول من سؤال