تنتشر حرائق الغابات في الكثير من البقاع في العالم, وأكثرها شراسة الحرائق التي تشب في فصل الصيف, وليست كلها طبيعية بل أحيانا تكون مقصودة بغرض تنشيط أرض الغابة واستصلاحها, وحاليا تعمل إحدي الجمعيات العالمية وهي جمعية (طبيعة بلا حدود) علي مراقبة الغابات في العالم وإبلاغ السلطات المختصة في أية دولة عند حدوث حريق في أي غابة في بداياته وتقديم مساعدة لإخماده. ورغم ما تسببه حرائق الغابات من تدمير وسخونة للهواء وانبعاثات ضارة… إلا أن لحرائق الغابات فوائد أيضا.
ولنفهم الحقائق العلمية في هذا الموضوع لابد أن نعرف أن هناك ثلاثة أشياء رئيسية لابد أن تتوفر لنشوب أي حريق هي: الحرارة, والوقود, والأوكسجين… وهو ما يسميه الخبراء بمثلث النار.
وتعتبر الحرائق الطبيعية جزءا من دورة حياة الغابات في الطبيعة, فكما توجد دورة حياة للكائن الحي يعيش خلالها في صحة وضعف أحيانا, تعيش الغابات فترة نمو وصحة, وفترة شيخوخة ومرض, وتمرض الغابة حينما تتكاثف أغصان الأشجار بشكل يمنع ويحجب وصول ضوء الشمس إلي الشجيرات والنباتات الصغيرة الموجودة بين الأشجار, مما يعوق أنواعا عديدة من الأصناف النباتية التي تعتمد علي هذا الضوء في نموها وتكاثرها من فرصة الحياة والازدهار, وهنا تحديدا يظهر دور الحرائق الطبيعية في منح الغابة فرصة لتستعيد حيويتها مرة أخري.
والواقع أن الحرائق تعمل علي التخلص من أكوام الشجيرات وأغصان الأشجار الكبيرة الميتة وتفتح المجال أمام أشعة الشمس للوصول إلي أرض الغابة مما يعطي النباتات الجديدة فرصة النمو من جديد, فضلا عن أن النباتات المحترقة تعمل علي تسميد أرض الغابة من خلال إمداد التربة بالعناصر الغذائية.
كذلك تعد الحرائق سببا أساسيا في النمو والتكاثر لبعض النباتات… فحتي ستينيات القرن الماضي كانت دائرة خدمة الغابات في الولايات المتحدة الأمريكية تسارع إلي إخماد أي حريق فور ظهوره في الغابات قبل أن تكتشف الأضرار التي تصيب أشجار السيكويا العملاقة بسبب احتياجها للحرارة العالية وهو ما توفره لها الحرائق الطبيعية لفتح أقماع الصنوبر وتحرير ما بها من بذور, وعدم نشوب الحرائق يعني عدم نمو أشجار سيكويا جديدة.
فوائد الغابات
أشار مايكل روبرت رئيس قسم الطبيعة بجامعة هارفارد إلي أن هناك فوائد عديدة للغابات:
أولها فوائد اقتصادية مثل إنتاج الأخشاب متنوعة الاستعمال منها أخشاب أشجار السنديان والأكاسيا والسرو والصنوبر, وتصنع منها عوارض السكك الحديدية. أما أخشاب الهياكل في الأعمال الإنشائية فهي من أشجار السنديان والشوح والتنوب.
كذلك الفوائد الطبيعية والبيئية تتلخص في حفظ التربة من الانجراف: تهطل الأمطار في كثير من المناطق في العالم بشدة في الفترات الباردة من السنة فتسيل المياه بسرعة علي سطح الأرض فإذا كانت الأرض عارية من الأشجار ومنحدرة فإن المياه السائلة تجرف معها كميات كبيرة من المواد الطينية والحصي والأشجار التي تقتلعها من الأراضي التي تمر بها.
وعندما لا تكون التربة محمية من خطر تكوين السيول فإن تربتها تنجرف سنويا وبتكرار حدوث العملية فإن أجزاء التربة تنجرف كلها ولا يبقي في أرض الموقع سوي الصخرة الأم وفي هذه الحالة تكون التربة قد انجرفت نهائيا مع كل ما يوجد عليها من أحجار وأشجار.
أما في الأراضي التي يكسوها غطاء نباتي كثيف فالأمر عكس ذلك إذ لا تزيد المياه المنسالة علي 5% في الأمطار العادية و15% في الأمطار الغزيرة, أما المياه المتسربة داخل التربة فإن جزء منها يعود ويتبخر وجزء آخر تمتصه جذور النباتات, ويبقي جزء يستمر في تسربه فيغذي طبقات المياه الجوفية, ومن الملاحظ أن المناطق المغطاة بغابات كثيفة ومتسعة الأرجاء تحتوي علي ينابيع غزيرة وعلي مياه جوفية وفيرة. وتتلخص فوائد الغابات في:
- زيادة خصوبة التربة: يؤدي القطع المتواصل للغابات إلي انهيار المناطق من الناحية البيئية وبوجود الغابة فإن المواد العضوية الموجودة علي سطح التربة تتحلل وتغني التربة بالمادة الدبالية التي تمد جذور النباتات بالمواد الغذائية.
بالإضافة لتحسين بنية التربة من حيث قدرتها علي نفاذ الماء والهواء وإمكانيتها علي الاحتفاظ بالماء.
- وقاية المحاصيل الزراعية: تقلل الغابة من حدة الرياح الشديدة فتحمي بذلك المناطق المعرضة للرياح الشديدة والضارة بالمزروعات, إن إنشاء مصدات للرياح من أشجار مقاومة للرياح تحمي المحاصيل الزراعية والحقول من التأثير الضار لهذه الرياح… لدرجة أن نجاح زراعة بساتين الحمضيات يستند إلي حد كبير علي وجود مصدات رياح, كما أن الغابات تحمي القري الجبلية من خطر الثلوج والتخفيف من حد الفيضانات وانزلاق وانهيار الأتربة.
- تلطيف المناخ: تزيد الغابات من الرطوبة الجوية للمناطق الموجودة فيها بواسطة عمليات النتح والتبخر التي ينتج عنها انطلاق كميات كبيرة من بخار الماء في الجو, إن الأشجار ذات الأوراق العريضة تنتح وتبخر أكثر من الأشجار الصنوبرية ذات الأوراق الإبرية.
كما أن الغابات تخفض من درجات الحرارة العليا وترفع من الدرجات الدنيا ويشعر المرء بذلك حينما يلجأ إلي ظل شجرة خلال فصل الصيف وبالعكس خلال فصل الشتاء وخاصة في الليل.
- تثبيت الرمال المتحركة: تؤثر الرمال المتحركة علي الطرقات والقري وخطوط الهاتف والسكك الحديدية وغيرها وتزداد حركة الرمال بالصيف وخاصة بالأيام الجافة مع وجود الرياح. وعندما يراد تثبيت الرمال المتحركة يجب دراسة تركيب الرمل وسرعة تردد واتجاه الريح وكمية الأمطار السنوية وتوزيعها علي الفصول.
والمبدأ الأساسي في تثبيت الرمال المتحركة هو منع الرمال من الانتقال خلال فترة طويلة عن الزمان كي تصبح الظروف ملائمة لنبت طبيعي أن يحتل الموقع أو لإدخال نبت صناعي عن طريق التشجير.
والطريقة الحديثة في تثبيت الرمال تعتمد علي استعمال غراس بطرس 80 إلي 120سم وغرسها علي عمق 40 إلي 60سم في الرمل وترك 40 سم تقريبا فوق سطح الأرض, وقد تبين أن أشجار (أكاسيا سيانوفيلا) تأتي بنتائج حسنة في مثل هذه الظروف.
وبعد تثبيت الرمال بالوسائل المختلفة يمكن غرس نباتات شجرية بالإضافة إلي الأكاسيا سيانوفيلا مثل غراس الصنوبر الحلبي والمثمر وعقل الطرفاء.
- تأمين المأوي والمرعي: توفر الغابات المأوي والمرعي للحيوانات البرية التي تعيش فيها كالخنازير والطيور والوعول وغيرها, كما توفر المرعي للحيوانات الأليفة كالأغنام حيث تتوفر فيها الحشائش النباتية أو أوراق وثمار الغابة.
وبصورة عامة يمكن القول أن الاحتفاظ بالغابات أمر ضروري للمحافظة علي توازن الطبيعة والاحتفاظ بالإمكانات الطبيعية والإنتاجية للبلاد.
- نشغيل الأيدي العاملة: إن الغابات والأعمال التي تجري فيها توفر مجالات العمل لأعداد كبيرة من المواطنين من سكان الريف ولا سيما في المناطق النائية مما يوفر لهم أسباب العيش الكريم ويرفع مستواهم الاقتصادي والاجتماعي والصحي وبذلك تخلق لهم مجتمعات مستقرة يحول دون هجرتهم إلي المدن وتكون عاملا أساسيا في الهجرة المعاكسة بسبب الامتيازات المذكورة التي لا تتوفر في المدينة بالنسبة لسكان القري في مناطق الغابات.
- تقوم الغابات بجلب الزوار إليها في جميع الفصول: فهي في الصيف مقر للاصطياف وفي الشتاء مسرح للتزلج علي الثلوج والرياضة واصطياد الحيوانات والتمتع بالطبيعة الخلابة وبذلك تساهم في تنشيط السياحية وبالتالي زيادة الدخل القومي.
- تساعد الغابات علي الاستفادة من أوقات الفراغ: وتعتبر من أجمل المنتزهات الطبيعية وتنمي الذوق الفني في الشعر والرسم والموسيقي.
- فوائد علمية: تعتبر الغابة وسطا ملائما للعلماء والطلاب لإجراء البحث العلمي والدراسة كونها مجتمعا نباتيا له بيئته الخاصة وتطويره ككائن حي وما يحتويه من أسرار جديرة بالبحث والتقصي.
- فوائد صحية وطبية: تعتبر الغابات من أفضل الأماكن لإقامة المصحات نظرا لمناخها الجيد ومساعدتها علي الإقلال من تواجد الجراثيم بالأخص ما يتعلق بالأمراض الصدرية بما تطرحه من غاز الأوزون الذي يساعد علي قتل وإبادة عصيات كوخ, كما أن للغابات أثر فعال في تنقية مياه الشرب.
خسائر عالمية
كل عام ملايين الهكتارات تحترق وقد حذرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة مؤخرا من تزايد الأضرار التي تلحق بالغابات في العالم بسبب الحرائق يسفر عن تدمير ملايين الهكتارات من الأخشاب الثمينة وغيرها بصفة سنوية.
وجاء في بيان المنظمة أن انعدام السيطرة علي توسع الأنشطة الزراعية والسياحية, وازدياد استغلال الغابات للأغراض الترفيهية, يثير مخاطر تهدد حياة السكان والموارد الطبيعية, حيث تقدر الخسائر الناجمة عن تدمير الغابات والبنية التحتية وتكاليف مكافحة الحراءق, بعدة مليارات من الدولارات سنويا.
وحثت منظمة البلدان علي مشاركة المجتمعات الريفية في إدارة غاباتها وحمايتها. ففي تصريح للسيد مايك يورفليوس, مسئول مكافحة حرائق الغابات لدي المنظمة, قال إن العديد من النظم البيئية قابلة لاشتعال الحرائق, إذ تحتاج إلي بعض الحرائق المحدودة لخلق غابة طبيعية. ولكن لسوء الحظ, تؤدي معظم الحرائق إلي إحداث أضرار حيث تخرج الحرائق عن نطاق السيطرة عليها.
ووصف السيد يورفيلوس موسم حرائق العام الحالي بأنها الأسوأ في التاريخ الحديث, من حيث الخسائر في الأرواح البشرية والأضرار التي لحقت بالغابات والبني التحتية, بما في ذلك المساكن والطرق والجسور, والاتصالات السلكية واللاسلكية.
وتجدر الإشارة إلي أن أسوأ المناطق تعرضا لمخاطر الحرائق في العالم هي أفريقيا, جنوب الصحراء الكبري, حيث أن ما يزيد علي 170 مليون هكتار تحترق سنويا, علما بأن نحو 10 في المائة من هذه الحرائق تعد ضرورية بالنسبة للنظام البيئي.
واستنادا إلي السيد يورفيلوس فإن حرارة الجو المرتفعة في صيف العام الحالي في أوربا وكندا واستراليا أسهم بالتأكيد في زيادة حدة الحرائق وكثافتها مشيرا إلي أن الحرائق لا تدكر الغابات فحسب, بل تخرب السطح العلوي للتربة وتزيد من مخاطر تعرية الأراضي وأيضا الانجرافات.
وقال مسئول مكافحة الحرائق بالولايات المتحدة مارينو ستان أن بلدانا مثل النمسا وألمانيا وسويسرا قد نجحت في احتواء حرائق الغابات, حيث نظمت منذ عقود حملات توعية لتثقيف السكان بشأن الغابات وقيمتها, سيما وأن المجتمعات المحلية وأصحاب الغات من القطاع الخاص, يولون اهتماما للغابات لأنهم يعتمدون علي مواردهم في معيشتهم. وأضاف أن السكان في كل من ناميبيا وموزمبيق قد ازدادت مشاركتهم في إدارة الغابات, وبفضل حملات التوعية انخفض عدد الحرائق البرية بصورة ملحوظة في ناميبيا.
مكافحة الحرائق
وتدعو منظمة الأغذية والزراعة البلدان للمشاركة في استخدام المعدات الواسعة الانتشار في مكافحة الحرائق بما في ذلك الطائرات, وذلك بالتوقيع علي اتفاقيات لتبادل المساعدات في حالات الطوارئ تصديا للحرائق. فقد تعاون رجال الحرائق الأسبان علي سبيل المثال مع زملائهم البرتغاليين باستخدام الطائرات والكوادر لمكافحة حرائق مدمرة في الغابات. وبتحفيز من المنظمة أيضا جددت أسبانيا والبرتغال اتفاقيات التعاون بين البلدين في هذا المجال.
وفي هذا السياق, تنصح المنظمة البلدان بالعمل علي إدارة خطر الحرائق بتجميع المعلومات حول أسباب الحرائق البرية, ووضع استراتيجيات قطرية بشأن مكافحة الحرائق في الغابات, علما بأن المنظمة تسهم في الشبكة العالمية المعنية بالحرائق في الأراضي البرية في تسعة أقاليم.
المصادر
الوكالة الفرنسية – B.B.C
ناشيونال جيوجرافيك