سلام أيتها الابنة ونعمة وبركة من ربنا يسوع المسيح لك ولأولادك,راجيا من الرب أن يسكب علي قلبك سكيب العزاء والسلام الروحاني الذي يفوق كل عقل وأن ينعم علي زوجك بالنياح والراحة والسعادة في فردوس النعيم.
واعلمي أيتها الابنة العزيزة,أن عزاءنا عن رحيل أحبائنا,أننا جميعا راحلون,وليس لنا هنا علي الأرض إقامة.كل ما هنالك أن وقت الرحيل غير معروف.
ولعل ما يعزيك أيتها الابنة عن رحيل زوجك,اذهبي مثلا إلي محطة السكة الحديد في بعض الأيام حيث ترين أعدادا كبيرة من الناس مسافرون,بعضهم يستقل هذا القطار,وبعض آخر يستقل قطارا آخر في ساعة لاحقة.ولكنهم جميعا مسافرون,وجميعهم ينتظرون القطار الذي يقلهم في ساعة أو موعد آخر.
تأملي أيتها الابنة بنظرة عامة إلي الناس في كل الأرض,هل هناك إنسان واحد عاش إلي الأبد؟ يقول المزمور ”أي إنسان يحيا ولا يري الموت؟” ”مزمور88:48” وهو سؤال جوابه حاضر ومعروف.ويقول صاحب المزامير ”غريب أنا في الأرض.لا تخف عني وصاياك” ”مزمور119:19”.
إني أعلم أيتها الابنة أنك تعرفين هذه الحقيقة جيدا ولست في حاجة إلي أن تتلقيها من أحد ومع ذلك أقدر بعاطفة ظروفك,وما تشعرين به من ألم لمفارقة زوجك لك ولأولادك,وحاجتكم إليه وإلي رعايته لكم واهتمامه بكم بوصفه رب الأسرة.
هذا حق,وإنني متعاطف معكم,ومع ذلك أرجو أن لا تستسلمي للحزن ”فنحن لا نحزن كالباقين الذين لا رجاء لهم” ”1تسالونيكي4:13”.
عندما يلتهب قلبك بألم الفراق والحزن,ارفعي عقلك وقلبك إلي السماء,واطلبي العزاء والسلام ”ومن تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير,فسيعطي له” ”يعقوب1:5” واذكري أيتها الابنة أن هذه التجربة ليست لك وحدك,فكثيرون آخرون متألمون,واذكري أيضا أن لاحتمالك التجربة بصبر أجرا صالحا عند الله ”طوبي لمن يحتمل التجربة,لأنه إذا تزكي ينال إكليل الحياة الذي وعد به الرب للذين يحبونه” ”يعقوب1:12”.
أما عن سؤالك:هل العمر محدود من قبل الله أم لا؟ فنجيب بالإيجاز أن العمر (محدود) لكنه بالمعني العام الذي تحدثنا عنه,بمعني أنه إن طال أو قصر فهو محدود,لأن الإنسان كائن محدود,والموت محكوم به علي الجميع منذ آدم.
علي أنه لا يزعم أحد أن الله حدد لكل إنسان علي حدة عمرا بعينه لا يتعداه,ولآخر عمرا بعينه كما يدعي بعض الناس,وذلك ليتنصلوا من مسئوليتهم بالنسبة لبعض الأسباب التي تحكم طول العمر أو قصره بحسب القوانين الطبيعية,وهؤلاء هم الذين يؤمنون بمبدأ (القدرية) وعندهم أن كل شئ مقدر,وعندهم أن ”القدر أعمي” ولذلك يشتمون علي الله فيما يشتمون علي القدر الأعمي.أما عند المسيحيين فالله كلي الحكمة,وجميع الناس خليقته,وهو من فيض محبته ”يطلع شمسه علي الأشرار والأخيار,وينزل المطر علي الأبرار والظالمين” ”متي5:46”.
إن الله حاكم الكون ورب الجميع,ولقد رسم للطبيعة كلها قوانين.إنه علي ما يقول القديس أغسطينوس (يسوس العالم بالقوانين) ومنها قانون العلية,وقانون الجاذبية,وقانون شروق الشمس وغروبها,وقانون تقسيم السنة إلي ربيع وصيف وخريف وشتاء,وقانون المغناطيسية,والكهرباء,وقانون الضغط,وهبوب الرياح,والمطر وغير ذلك.فالكون ليس فوضي إنما يحكمه نظام محكم دقيق.
وفيما يتصل بالعمر,فهناك عدة قوانين منها قانون الوراثة والحمل,والوضع,وصحة الأب,وصحة الأم قبل الحمل,وأثناء الحمل,والعوامل النفسية للأم أثناء الحمل,وعند الوضع,وتغذية الطفل في مراحل العمر المختلفة,وما يتعرض له الإنسان في حياته من أمور كثيرة من أحداث وما يتناوله في غذائه من مؤثرات بانية لصحته أو هادمة لها,ومنها المكيفات كالتدخين والخمر وبعض العادات الضارة بصحته والحزن,والغضب والحسد والحقد والغيرة,والكراهية..
وبالإيجاز نقول لقد جاء في الكتاب المقدس هذا القول الحكيم ”لا تكن شريرا كثيرا,ولا تكن جاهلا,لماذا تموت في غير وقتك” ”سفر الجامعة7:17”,وإذن فالإنسان يمكن أن يتسبب في موته قبل الآوان بسبب شره أو بسبب جهله بقوانين الصحة والمرض وما إليها من أسباب تحكم طول العمر أو قصره.
أما قول المزمور ”يا إلهي لا تقبضني في نصف أيامي” ”مزمور102:14” فهو استرحام, من المصلي,لله,حتي يتجاوز الله عن أخطائه وخطاياه التي قد تتسبب في تقصير أيامه وهذا كله توكيد لقوانين الطبيعة في الصحة والمرض,وتوكيد لدور الإنسان ومسئوليته في طول العمر وقصره,وأن الله لا يتحكم ولا يقضي علي هذا أو ذاك بدون أسباب.
كذلك يقول الله في الوصية الخامسة من الوصايا العشر ”أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك علي الأرض التي يعطيك الرب إلهك” ”الخروج20:12” ثم ”أفسس6:1-3”,”كولوسي3:20”فهو يؤكد مسئولية الإنسان في طول العمر وقصره,وأن الله يسوس العالم بالقوانين.
علي أن المقصود أساسا بالوصية هو حث الإنسان علي إكرام الوالدين وعمل الصالحات,مما يؤكد دور الإنسان ومسئوليته في طول العمر.
وهنا يجب أن نذكر ولا ننسي أن موت بعض القديسين والشهداء في شبابهم أو طفولتهم لا يتعارض مع المبدأ العام,فإن هؤلاء قتلهم المعتدون عليهم سواء كانوا ملوكا أو حكاما,فهؤلاء الشهداء من أمثال يوحنا المعمدان والطفل قرياقوص,وأبانوب,والقديسة دميانة ثم مارينا وغيرهم قبلوا الموت وهم صغار من أجل أمانتهم وثباتهم علي الإيمان.
ويبقي بعد كل هذا المبدأ العام أن لطول العمر وقصره أسبابا,وللإنسان مسئوليته,وللطبيعة قوانينها الضرورية والحتمية التي رسمها الخالق للوجود,وهو يسوس العالم بهذه القوانين.
وبعد-هذا بالإيجاز إجاباتنا علي أسئلتك التي اشتمل عليها خطابك.
وإنني في الختام أرجو لك العزاء من رب العزاء وأن يحفظك في الإيمان,ويعينك علي حمل مسئوليتك الكبيرة إزاء أولادك.واعلمي أيتها الابنة أن لك جزاء صالحا عن صبرك واحتمالك لهذه التجربة,وقيامك بمسئوليتك تجاه أولادك,بارك الله فيهم وفيك.
ونعمة الرب تشملكم جميعا…