تتطاير تساؤلات مغلفة بالاندهاش والأسي عما أصاب المجتمع من إنهيار أخلاقي وسلوكي وفساد,وفي مخيلتي أن هذا لم يحدث وليد اللحظة فمبرراته تمتد لنصف قرن إلي الوراء.
بدأ هذا الانهيار بعد عودة جحافل العمالة المصرية من الجزيرة العربية ومعها مدخرات وفيرة نسبيا…ولأن غالبيتها قليلة الثقافة فقد عادت ومعها أيضا انبهار بتقاليد ومفاهيم من أعطوهم المال.وأصبحوا هم القوة الشرائية التي عكست تذوقها الهابط علي الغناء والسينما والمسرح والتعاملات التجارية والمعاملات الاجتماعية.وتفشت هذه الظاهرة مع غياب الطبقة الوسطي الحافظة للتقاليد والتي كانت تحمل المثل العليا والأخلاقيات الرفيعة والتي تتكون من المثقفين والقضاة وكبار الموظفين وأساتذة الجامعات وكبار التجار والمهنيين,وحل العائدون مكان الطبقة الوسطي بغير مفاهيم وشروط الطبقة الوسطي الغائبة.
ولا يخفي علينا أن سبب غياب الطبقة الوسطي هو تصفيتها خلال السنوات الأولي للثورة بعد قهر القضاة في مذبحة القضاء,وعزل كل من له رأي أو موقف من أساتذة الجامعة,والسيطرة علي النقابات المهنية للأطباء والمحامين والصحفيين والمهندسين وغيرها.
الموقف الآن يتلخص في أن الفراغ الطبقي الذي حدث بدأ يشغله كثيرون من أبناء الطبقة الدنيا وهم يحملون كل تراث الطبقة الدنيا.
علينا أولا الاعتراف بأننا في محنة…وأنها محنة يمكن أن تطول إلا إذا تكاتفنا واتفقنا علي ضرورة عمل عقد اجتماعي جديد بما فيه من نسب التمثيل في مجلس الشعب وشروط الترقي للوظائف العليا والعمل علي ترسيخ القيم والمثل العليا بشكل علمي بعيدا عن تشنجات الدعاة ومحترفي التفسيرات الدينية.