قبل شهرين تقريبا قام وفد أمريكي من جمهوريين وديموقراطيين بزيارة إلي مصر وإسرائيل وسوريا. في دمشق التقي الوفد الرئيس السوري بشار الأسد وخرج مرتاحا من عنده, خصوصا أن الأسد أبلغه استعداده للسلام مع إسرائيل إذا ما انسحبت من هضبة الجولان حتي حدود السادس من (يونية) 1967, واعترف له بأن لسورية حلفاء في لبنان إنما لآخرين أيضا حلفاء في لبنان, وللحل يجب أن يجلس هؤلاء الآخرون مع سورية, بعيد ذلك اجتمع الوفد الأمريكي مع نائب الرئيس السوري فاروق الشرع وحدثوه عن السلام بين سورية وإسرائيل فكان رده: إن الإسرائيليين غير جادين في مسألة السلام مع سورية, وأعطاهم برهانا, قال: إنه خلال المحادثات السورية ـ الإسرائيلية في شيبرستون (زمن الرئيس بيل كلينتون) اقترح الجانب السوري تشكيل لجنة مشتركة لترسيم الحدود بين البلدين, إلا أن الجانب الإسرائيلي رفض مجرد البحث بتشكيل اللجنة وبالتالي ترسيم الحدود.
تماما كما تعامل سورية لبنان في المواضيع المتعلقة بترسيم الحدود النهائية بين البلدين وبالتبادل الدبلوماسي.
يقول لي مصدر أمريكي مطلع, إنه بعد رحيل إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جورج دبليو بوش ستتغير السياسة الخارجية الأمريكية جذريا, وبالتحديد لأن الكثير من حلفاء أمريكا في المنطقة سيتحررون من ضغوط إدارة بوش, ثم إنه بعد ستة أشهر, أي في السابع من نوفمبر المقبل بعد انتخاب الرئيس الجديد, سيأتي فريقه إلي وزارتي الخارجية والدفاع للاطلاع علي كافة الملفات, ولا يعود بالتالي للرئيس بوش الحق في اتخاذ أي قرار حاسم إلا بالتنسيق مع الرئيس المنتخب.
وحسب المصدر فإن التوقعات في أمريكا تشير الي عودة الديموقراطيين إلي البيت الأبيض ويقول: في ظل الديموقراطيين سيحصل انفراج في العلاقة الأمريكية ـ الإيرانية والعلاقة الأمريكية ـ السورية, ولهذا ترفض الدولتان (إيران وسورية) إعطاء ادارة بوش أي تنازل له قيمة.
يضيف المصدر الأمريكي المطلع, أن إسرائيل تريد أن تفتح حوارا مع سورية, غير أن واشنطن تمنعها وهذا صار معروفا, لكن تستمر إسرائيل بمغازلة سورية حتي تنتهي مدة إدارة بوش, أما لماذا تصر إسرائيل علي الانفتاح علي سورية؟ فيقول محدثي: إن إسرائيل لن تقبل بأن يكون هناك جنود سوريون وجنود إيرانيون علي الجولان, ورسائلها إلي السوريين: إننا مستعدون لإعادة الجولان, وإذا أردتم استرداده تجنبوا الاقتراب أكثر من إيران. ويضيف: إن إسرائيل مستعدة للبحث في إعادة الجولان مقابل أن تكون حدود لبنان آمنة, بمعني التحكم بنشاطات حزب الله علي وجه الخصوص.
ويقول المصدر الأمريكي, إن إسرائيل تشعر بأن المفاوضات مع سورية أسهل من المفاوضات مع الفلسطينيين, لأن في دمشق عنوانا واحدا تصل الرسائل الإسرائيلية إليه, كما أن إسرائيل تري أنه إذا امتلكت إيران, حليفة سورية, القنبلة النووية تصبح في الواقع خطرا استراتيجيا, وقد بدأ السوري يمنح الإيراني مراكز تنصت, ويمكن لاحقا أن يوفر له تسهيلات أكثر, من هنا الاهتمام بسورية إضافة إلي حاجة إسرائيل إلي حدود هادئة مع لبنان, إذ تستطيع إسرائيل احتواء الوضع الفلسطيني, فالضفة لا تشكل خطرا ولا غزة, أما حزب الله فقد سمحت له سوريا بإعادة التسليح. ويضيف محدثي: أنه مع التأكيد بأن إسرائيل لا تريد شن حرب علي سورية إلا أن رسائلها إلي السوريين, عبر المناورات العسكرية, تعني أن باستطاعتها ضرب سورية لو ارادت ـ وقد فعلت في الماضي القريب ـ لكنها تفضل التفاوض معها إنما ليس من موقع ضعف.
ويقول محدثي إن وكالة الاستخبارات المركزية الـسي. آي. إي تريد هي الأخري فتح قنوات حوار مع إيران وسورية, وتري أن الحوار مهم خصوصا مع سورية وقد أثبت فعاليته في السابق في عهد الرئيس السوري حافظ الأسد, وتريد الوكالة أيضا الحوار مع دمشق بسبب العراق والنزاع العربي ـ الإسرائيلي ولبنان وكذلك لإبعاد سورية عن الالتصاق أكثر وأكثر بإيران.
وينقل المصدر الأميركي عن مسئول كبير في الـسي. آي. إي: إن الإدارة الأمريكية ترفض هذا التوجه, ويعزو محدثي سبب الرفض الأمريكي, إلي أن إدارة بوش مكونة من أيديولوجيين خسروا الحرب, وإذا أرادوا الحديث مع سورية الآن فإنهم يبدون وكأنهم يعترفون بأخطائهم, وهذا ما لا يريدونه.
وأسأله عن الثمن الذي يريده النظام السوري فيقول: إن النظام السوري كي يستعيد شرعيته عليه استعادة الجولان, بعدها يريد علاقة جيدة مع أمريكا, ومساعدات اقتصادية ومشاريع لسورية من العالم, يريد نفوذا له في لبنان لأنه يخاف أن يكون لبنان مركزا للتحريض ضد سوريا أو لانقلاب ضد النظام بحد ذاته. ويضيف: إنما هذا لا يعني أنه يريد قطع علاقاته بإيران لكن إذا حدثت هذه التغييرات فان اعتماده علي إيران اقتصاديا وماليا سيقل, إنه يريد أن يعامل كما عوملت مصر. وأسأله: وهل تقبل واشنطن بنفوذ جديد لسورية في لبنان؟ يجيب: عندها يجري اتفاق أمريكي ـ سعودي ـ سوري حول هذا الأمر. ويوضح محدثي الأمريكي ويؤكد أن السياسة الخارجية الأمريكية ستتغير مع الديموقراطيين لأن الأولوية لديهم هي العراق. وإذا ما جري انتخاب باراك أوباما المرشح الديموقراطي فلأنه عارض الحرب منذ البداية, وهو يريد الحوار مع إيران بسبب العراق وأيضا من أجل بحث برنامجها النووي, كما أن الديموقراطيين يريدون الحديث مع سورية لدورها ولحدودها مع العراق ويقول: هذا هو التوجه الديموقراطي بشكل عام علي الرغم من الانقسامات في الحزب, فزعيمة الأغلبية نانسي بيلوسي عندما فازت قامت فورا بزيارة دمشق وكانت مستعدة لزيارة طهران, ثم إن الجنرال دايفيد بترايوس في شهادته الأخيرة أمام الكونجرس قال: إذا كان المالكي (نوري رئيس وزراء العراق) يستطيع الحوار مع إيران, فلماذا لا نستطيع نحن.
لكن, ماذا عن تهديدات الرئيس بوش الأخيرة لإيران؟ يقول المصدر الأمريكي: لن يوجه بوش أية ضربة عسكرية لإيران, لأن من هم في القيادة العسكرية الأمريكية والبنتاجون والـسي. آي. إي ووزارة الخارجية يعارضون ذلك, والوحيد المؤيد لحرب مع إيران هو مكتب نائب الرئيس ديك تشيني ومن الصعب أن ينجح في إقناع الآخرين إلا إذا ارتكب الإيرانيون غلطة كبيرة, عندها يتبرر القيام بعمل كبير.
أسأله: وأين الدولة الفلسطينية قبل نهاية هذا العام؟ يجيب محدثي: هناك خطان في الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بموضوع فلسطين: مجموعة ديك تشيني وإليوت إبرامز تري أن علي أمريكا أن تقوي سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني وتعتبر أن محمود عباس الرئيس الفلسطيني ضعيف وغير قادر علي السيطرة علي الوضع في الضفة الغربية بعدما خسر غزة, وتعتبر هذه المجموعة أن سلام فياض سيكون إداريا أفضل, ثم إن الإسرائيليين يقولون للأمريكيين إن التعامل مع فياض أفضل, وأنهم يمكن أن يقدموا له تنازلات أكثر!
يضيف: وهناك مجموعة وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس التي تدعو للتعامل مع محمود عباس وإذا لم تدعمه واشنطن فإن حماس ستسيطر, وتقول رايس إن هناك حاجة إلي الثنائي عباس ـ فياض. لكن إليوت أبرامز يصر علي أن فياض أكثر فعالية, لهذا قال البعض لأبرامز أن يتوقف عن كيل المديح لفياض, لأن هذا يزعج أبو مازن.
إذن لا دولة؟ يري البعض في واشنطن ضرورة الحديث عن حل مؤقت, ويقول محدثي: مشكلة الفلسطيني أن موقفه ضعيف جدا, ليس من أحد معه, حتي العرب صاروا مشغولين عنه بمشاكلهم, وليس من خيارات كثيرة أمام الفلسطينيين. إنهم يعتمدون علي المساعدات المالية من الأسرة الدولية بقيادة أمريكا, وهذا ما حصل عليه سلام فياض؟.
لكن, هل وصلت تلك المساعدات؟ هناك من نصح المرشح أوباما, بأن لا حل للعراق ما لم تجد واشنطن حلا جذريا للقضية الفلسطينية, إنها الأساس وصارت كالسرطان المنتشر في كل المنطقة, واستئصال السرطان لإراحة المنطقة يكون في إيجاد حل لهذه القضية.
نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية