مع المواجهة المباشرة بين القوات السعودية والمتمردين الحوثيين في شمال اليمن, ومع سيل الاتهامات والتهديدات المتبادلة بين الرياض وطهران, بات التمرد الحوثي المستمر منذ سنوات خمس, نقطة مواجهة خطيرة وجديدة بين المملكة العربية السعودية وإيران. وعلي رغم أن أسباب تفجر الوضع في شمال اليمن تعود أساسا إلي عوامل سياسية محلية, إلا أنها بدأت تأخذ الآن أبعادا إقليمية خطرة. انما مثل هذا التصعيد ليس في صالح الأمن الإقليمي العربي ولا في مصلحة اليمن.
كما هو معروف, تفاقم القتال بعد أن عبر المتمردون الحوثيون الحدود السعودية وهاجموا دورية سعودية في 3 نوفمبرالحالي. وربما كان هدف القوات الحوثية حينها استدراج رد فعل سعودي بهدف تدويل النزاع أو توسيعه, حيث سيكون في وسعها حينذاك الادعاء بأن النزاع إقليمي, لا بل ديني مذهبي أيضا, وليس محليا فقط. وهذا سيمكنها من طلب المزيد من الدعم من إيران و حزب الله ومصادر أخري. وقد سبق لإيران أن استجابت علنا لمثل هذه المناشدات. ولذلك, من مصلحة اليمن ومجلس التعاون الخليجي نزع فتيل التصعيد وإعادة حصره في بوتقة جذوره المحلية.
إن طبيعة الدعم الإيراني للحوثيين ومداه هما موضع جدل ومن الصعب التوثق منهما. فالمتمردون يتلقون الدعم السياسي من الإعلام والمسئولين في إيران, كما تواتر أنهم يحصلون علي أموال من مصادر شيعية خاصة في بعض الدول العربية وإيران. وذكر أيضا أنهم يتلقون تدريبات ومعدات عسكرية من الحرس الثوري الإيراني. المصادر اليمنية والسعودية تؤكد هذا الأمر, كما تقول السلطات اليمنية إنها اعترضت سفينة إيرانية تنقل أسلحة إلي المتمردين. ويمكن القول إنه من المنطقي بالنسبة الي ايران أن تستغل أي فرصة لها في المنطقة العربية وأي مناسبة لإرباك وإضعاف منافستها الإقليمية, السعودية.
لكن أن الوضع في صعدة لا يشبه الوضع في العراق أو لبنان, بقدر ما هو أقرب إلي وضع غزة. ففي حين أن لإيران تواصلا جغرافيا مباشرا مع العراق و (عبر سورية) مع لبنان, إلا أنها لا تتمتع بهذه الميزة نفسها مع غزة أو شمال اليمن. وفي حين قد ترغب إيران بتوسيع نفوذها في صعدة, إلا انها لا تمتلك المنافذ الاستراتيجية الكافية للقيام بذلك علي نطاق واسع. ثم, إذا كان الرد السعودي علي الاختراقات الحدودية مفهوما, فهو يجب ألا يصب في طاحونة أولئك الذين يريدون توسيع النزاع إلي صراع إقليمي.
إن الوسيلة المثلي للحد من دور إيران هو تحقيق وقف لإطلاق النار, ونزع فتيل التوترات, وتشجيع عملية سياسية برعاية عربية, تنهي التمرد وتستعيد وحدة اليمن. وعلي غرار غزة, فإن التركيز يجب أن ينصب علي تحقيق الأمن لسكان صعدة, وعلي وضع خاتمة سياسية للتمرد, وتدشين عملية إعادة بناء وتنمية. إذ إن مثل هذه الخطوات ستضعف المتمردين, فيما القتال سيدفع المواطنين اليائسين إلي امتشاق السلاح.
علاوة علي ذلك, إذا تصاعد القتال أكثر وبات ينظر إليه علي نحو متزايد علي أنه مجابهة بين السنة والشيعة, فستلتقط إيران حتما هذه الفرصة للانخراط في شكل مباشر أكثر في النزاع. هذا إضافة إلي أن التوترات المذهبية قد تندلع في أجزاء أخري من شبه الجزيرة العربية والعالم العربي.
إن انهيار الأمن والنظام في صعدة, والحركة الانفصالية في الجنوب, وكذلك الاضطرابات في حضرموت, كل ذلك يشير إلي أن اليمن في حالة دولة تواجه ظروفا داخلية صعبة. فالمشاكل في صعدة, وبدلا من أن تكون معبرا نحو حرب جديدة ستضعف حتما اليمن أكثر وتزعزع استقرار المنطقة, يجب أن تكون نذيرا يدفع إلي معالجة أزمات اليمن السياسية والأمنية والاقتصادية باهتمام أكبر من جانب مجلس التعاون الخليجي والقوي الكبري. كما يتعين بذل جهود أكبر لتشجيع الإصلاحات الداخلية, وزيادة المعونات الاقتصادية التي ثمة حاجة ملحة إليها. اليمن في حاجة إلي مساعدة طارئة لتجنب الانزلاق إلي مصير الصومال, ولذا فالحرب ليست العلاج بل هي قد تتسبب في نهاية المطاف في تفكك اليمن.
لكل هذه الأسباب, يجب أن يدفع الحريق الأمني الأخير إلي إعادة تركيز الانتباه علي الحاجة الضرورية والأساسية لمعالجة أزمات اليمن الكبري. فهذا البلد الذي يناهز عدد سكانه العشرين مليون نسمة هو من بين البلدان الأكثر فقرا في العالم العربي, ويعاني من وتائر مرتفعة للغاية من الأمية والبطالة. ومن المرجح أن تتفاقم مشاكله أكثر مع انخفاض عائدات النفط ومع تقلص موارده المائية إلي مستويات خطيرة.
لقد كانت المملكة العربية السعودية نشطة في مساعدة اليمن خلال السنوات الأخيرة, حيث احتلت المرتبة الأولي في مجال تقديم المساعدات إليه. هذا إضافة إلي أن عددا من دول مجلس التعاون الخليجي أصبح اكثر قلقا إزاء مشاكل اليمن وبالتالي أكثر انخراطا في المساعدة لمعالجتها, لكن, وحين نضع في الاعتبار الحجم الكبير للتحديات في اليمن والمخاطر المحدقة بالمنطقة إذا انهار اليمن أو تفكك, فلا يزال ثمة الكثير لبذله.
وكما مع دول مجلس الخليج, كذلك بالنسبة إلي الغرب والأسرة الدولية. فهما يجب أيضا أن يفعلا أكثر بكثير مما يفعلان الآن. فالمملكة المتحدة هي حاليا في مقدمة الدول الغربية المانحة مع برنامج مساعدات لليمن يقدر بنحو 80 مليون دولار, هذا في حين أن البرنامج الأمريكي يمثل ثلث المساعدات البريطانية. وإذا تذكرنا أن الولايات المتحدة رصدت حوالي بليوني دولار لمساعدة باكستان, فعليها أن تزيد بشكل كبير من حجم مساعداتها ومستوي اهتمامها باليمن, علي الأقل بسبب موقعه الاستراتيجي الهام.
في الخلاصة, يتعين علي القوي الإقليمية ألا تقع في فخ التصعيد العسكري في اليمن. عليها بدلا من ذلك أن تحد من التدخلات الخارجية, ومنها الايرانية, عبر نزع فتيل التصعيد, والتحرك نحو استئصال أسباب النزاع, وترميم الوحدة اليمنية, ومساعدة هذا البلد علي معالجة تحدياته الداخلية العديدة.
7 مدير مركز كارنيجي للشرق الأوسط _ بيروت
عن الحياة اللندنية