الأول من يناير هذا العام تاريخ لا يمكن أن ينسي, حيث شهد هذا اليوم جريمة من أبشع وأقسي الجرائم التي عرفتها الإنسانية.. عندما تناثرت أشلاء ودماء أقباط مصر في أحضان كنيسة القديسين مارمرقس الرسول وبطرس خاتم الشهداء بالإسكندرية.. وهذه الجريمة الشنعاء برهان علي أننا نعيش مرحلة تغييب للعقل وانتشار الفكر المتطرف في مجتمعنا.
نحن في أمس الحاجة إلي بناءعقل مستنير وتيار تنويري جرئ يتصدي بكل حزم وقوة ودون خوف لما يحدث في مجتمعنا لحالة التغيب والتخريب التي تستهدف عقل وإرادة الشعب المصري من قبل التيارات المتطرفة.. وعندما يكون هناك عقل وفكر مستنير سوف يحدث التغيير ويتراجع هذا المد الإرهابي وهذا الفكر المتطرف, فلابد من فكر ثقافي تنويري يقوم علي أساس قبول الآخر واحتوائه.. فماذا يطرح المفكرون علينا من رؤي ثاقبة لإعادة بناء العقل..؟
مشروع فكري متكامل
إن مجتمعنا يعاني خللا فكريا – هذا ما يؤكده الدكتور عمار علي حسن الباحث السياسي والاجتماعي – هذا الخلل أدي إلي نمو هذه الاتجاهات الدينية المتعصبة التي بدأت بأشكال بسيطة من العنف إلي حد ما, وانتهت بهذا الحادث البشع الذي وقع في الإسكندرية, ومن ثم فإن جانبا من المشكلة يتعلق بشق فكري وثقافي, لذلك بجانب الحلول الأخري مثل قانون دور العبادة الموحد, والتمثيل السياسي للأقباط وغيرها, هناك الحل الفكري الذي يتمثل في إنتاج ثقافة تحض علي العيش المشترك وقبول الآخر ونزع الفكر المتطرف من المجتمع المصري.
وأضاف: أن هناك أكثر من خطوة لتغيير الفكر: فهناك مناهج التعليم التي لابد أن ينزع منها ما يدعو إلي التعصب, وأيضا الإعلام الذي يحوي فضائيات إسلامية ومسيحية ساعدت علي خلق هذه البيئة الحاضنة للاحتقان الطائفي فلابد أن تحدث تنقية إعلامية, أيضا المنتج المعرفي, فهناك منابر الإنتاج الثقافي التي يجب أن يخصص جزء منها لمحاربة التطرف الديني, بحيث لا يصبح هذا الاتجاه مجرد مظاهرة أو احتفالية أو حالة تحمس تذوب مع مرور الأيام, ولكن من خلال مشروع متكامل ومستقل ويشرف عليه مجموعة من المثقفين الوطنيين, هذا المشروع ينتج فكرا من خلال الكتب التي تغذي هذا الاتجاه, ومع الاستمرار في هذا العمل نستطيع أن نقضي علي التصورات الفكرية التي تدعو إلي التطرف.
المسيحيون والتراث الإنساني
كما أكد الدكتور عاطف العراقي أستاذ الفلسفة بكلية الآداب – جامعة القاهرة – أن ما حدث سوف يترك آثارا سيئة في النفوس والعقول لسنوات مقبلة, ولابد من تحرك فكري من خلال التركيز علي طباعة ونشر الكتب التي تقوم علي أساس التآلف بين المسيحيين والمسلمين, وعلي رأسها كتاب المسيحية والحضارة العربية للأب جورج قنواتي الذي يعد من أعظم الكتب المبسطة التي تتحدث عن مدي إسهامات المسيحيين في التراث الإنساني, ولابد من نشر موسوعة الأقباط في مصر الذي يعد عملا إنسانيا إبداعيا من الطراز الأول, كما لابد من عقد الندوات الثقافية بشرط أن يتم اختيار المتحدثين المثقفين وليس أصحاب المناصب الذين ليس لهم أية ثقافة.
المواطنة والجماعات الثقافية
ومن جانبه أكد الدكتور عماد أبوغازي الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة علي أن هناك مسئولية ثقافية تقع علي عاتق الجماعات الثقافية للتصدي لمثل هذه الحوادث, من خلال نشر ثقافة المواطنة ومبادئها بين أفراد الشعب, ويحاول المجلس من خلال لجانه المتخصصة وأنشطة أمانته العامة أن يساهم في هذا المجال سواء بشكل مباشر أو غير مباشر, بشكل مباشر عن طريق تنمية ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان التي تقوم بها لجنة ثقافة المواطنة منذ تأسيسها في 20 ديسمبر عام 2009 بالتعاون مع المجلس القومي للشباب وقصور الثقافة وبعض الجامعات, حيث نظمت جامعة القاهرة ندوة مهمة عن المواطنة بالتعاون مع هبة نصار نائبة رئيس الجامعة, وتحاول لجنة ثقافة المواطنة التركز في أماكن التجمعات الشبابية في كل مكان.
أما الشكل غير المباشر فيتلخص في قيام لجان المجلس المختلفة بالعمل في هذا الاتجاه وفقا للزاوية التي تعمل من خلالها كل لجنة بالتعاون مع كل الوزارات والهيئات الأهلية وعلي سبيل المثال: استضافت لجنة التاريخ الجمعية المصرية للتراث لمحاولة إبراز الجوانب الإيجابية في تاريخنا ومحاولة تنميتها.
تلوث ثقافي
وأكد حلمي النمنم الكاتب الصحفي ونائب رئيس الهيئة العامة للكتاب: أن هذا الحادث الإرهابي والإجرامي يستهدف مصر كلها, وجاء في ظل مناخ تلوث ثقافي وانتشار موجة من الطائفية والأصولية في المنطقة العربية بأكملها وأيضا ضعف الدولة المدنية وتراجعها.
وأشار إلي أن المحور الأساسي في معرض الكتاب هذا العام يركز علي المواطنة علي كافة المستويات في محاولة لتفادي مثل هذه الحوادث الإجرامية من خلال نشر فكر مستنير يرفع شعار الدين لله والوطن للجميع, والمطالبة بسيادة القانون الذي لا يفرق بين مسلم وقبطي.
جبهة ثقافية
ويري الدكتور عصام عبدالله أستاذالفلسفة بكلية الآداب – جامعة عين شمس – أن ما حدث كشف عن عدم وجود حائط صد ثقافي حقيقي يحارب الفكر المتطرف, ولا نستطيع أن نضحك علي عقول الناس بأن ما هو قادم سيكون ورديا لأن الأشخاص المنوط بهم الحياة الثقافية ليس لهم رؤية حقيقية لبناء العقل المصري, ومن لديه رؤية حقيقية من المثقفين للأسف مهمش ومستبعد من الحياة الثقافية فأين إذن الجبهة الثقافية التي تصد الفكر المتطرف, وهناك نسبة أمية عالية وعلي مدار أكثر من أربعين عاما تعود الناس علي ما يسمي بالخطابات الشعبوية والدعاة وأشباه المثقفين المسيطرين علي المنابر الثقافية.
وأضاف أن المسألة وصلت إلي الحد الأقصي, والمطلوب ثورة شاملة بأشخاص آخرين جدد يحملون فكرا جديدا دون ذلك سوف يزداد الفكر المتطرف في مجتمعنا.