جاك جولدستون
في السنوات الثماني الأخيرة, رفض الرئيس جورج بوش التفاوض مع القادة الإيرانيين ما لم تكف إيران عن تخصيب اليورانيوم. وتعهد الرئيس المنتخب باراك أوباما أن يجري محادثات مع إيران, الأمر الذي يزيل إحدي العقبات التي تعيق التقدم, لكنه يثير مسألة أخري هي: كيف سيكون الرد الإيراني؟
إن التحذيرات التي أطلقتها إيران في الآونة الأخيرة تشير إلي أن الرد الفوري سيعكس الكثير من الريبة والشك, فالعداء بين الدولتين يعود إلي نحو 40 عاما وخمس إدارات وحقبات رئاسية أمريكية. وبطبيعة الحال ستشك إيران في أن التغيير في اللهجة لا يحمل الكثير من التغيير الفعلي.
ولكي تتقدم إيران نحو مفاوضات هادفة, لا يتعين علي أوباما أن يبدي نيته في إجراء محادثات فحسب, بل عليه أن يظهر عزمه علي تغيير السياسات الأمريكية. وسيكون من المهم للغاية القول إنه في حال قيام النظام الإيراني بتغيير بعض أعماله ونشاطاته, فإن الولايات المتحدة مستعدة للاعتراف بالحكومة الإيرانية, والتوقف عن محاولة تغيير النظام, وأن أي استخدام للأراضي العراقية والأفغانية لشن اعتداءات ضد الدولة الإيرانية سيكون منافيا للسياسة الأمريكية. كما يتعين علي إدارة أوباما أن توضح أن الهدف من المفاوضات يكمن في تحقيق الأمن المتبادل لكل من إيران والعراق وأفغانستان. وعندما تطرح هذه التحولات في السياسة الأمريكية علي طاولة البحث سيكون من المجدي أن نسلط الضوء علي المصالح المشتركة الأمريكية والإيرانية في أن ينعم كل من العراق وافغانستان بالسلم والاستقرار, إلي جانب مسألة عدم انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.
وفي الوقت نفسه, سيكون من الحيوي للغاية التروي من أجل التوصل إلي ##مساومة ضخمة## وشاملة مع الجانب الإيراني علي الفور, التي قد يصعب علي الحكومة الإيرانية المتشككة والمنقسمة استيعابها في الحال, وقد تخلف تأثيرات غير متوقعة علي الحكومة الإيرانية والانتخابات المقبلة. وقد يسمح هذا التحرك للرئيس أحمدي نجاد بأن يدعي أن السياسات التي اتبعها قد أنقذت الولايات المتحدة, وكذلك بأنها لم تفرض وقف دعم ايران لـ ##حزب الله## والميليشيات العراقية, وسياستها المعادية لإسرائيل.
في السنوات الثماني الأخيرة, رد المفاوضون الإيرانيون علي المطالب المباشرة والفظة الأمريكية بواسطة لعبة معقدة تضم إشارات إيجابية وتأجيلات. لذلك يتعين علي الولايات المتحدة الرد بالمثل, ولا بد من أن يطلع شركاء الولايات المتحدة الأوربيون إيران علي أنه بإمكانها الاتفاق مع الولايات المتحدة, لكن هذا الاتفاق سيشمل عددا من التنازلات والتغييرات في السياسة الخارجية ليس من الجانب الأمريكي فحسب, بل من الجانب الإيراني أيضا.
ولا تصعب رؤية الخطوط العريضة الأساسية لهذا النوع من الاتفاقات, إذ يتعين علي الولايات المتحدة الكف عن محاولة تغيير النظام في إيران, والاعتراف الدبلوماسي الكامل بالجمهورية الإسلامية, والتعاطي معها علي اساس علاقات طبيعية وعادية. كما تشمل هذه الخطوط شطب إيران من لائحة الدول الإرهابية ورفع العقوبات المفروضة عليها, والإقرار بحقها في تطوير الطاقة النووية المدنية والتقنيات المرتبطة بها. وفي المقابل, يتعين علي إيران التوقف عن الدعوة إلي إزالة إسرائيل والتهجم علي حقها في الوجود, والالتزام بدعم أي قرار يصدر بشأن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني ويحظي بموافقة القيادة الفلسطينية والمجتمع الدولي. كما يفترض أن تكف عن تزويد ##حزب الله## والميليشيات العراقية بالأسلحة, والعمل علي بناء السلام مع الحكومتين القائمتين في لبنان والعراق. بالإضافة إلي ذلك, يجب أن تسمح إيران لفرق التفتيش بمعاينة برنامجها النووي وفقا لما تنص عليه معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية, والتعاون بشكل كامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
باختصار, يجب أن تطمئن إيران – من الأفضل عبر القنوات الخاصة قبل المفاوضات الرسمية والعامة – إلي أن المسألة التي لا يستطيع العالم تقبلها والتساهل بشأنها لا تكمن في حصولها علي التكنولوجيا النووية, إذ أن هذا الموقف يعد بمثابة إنكار لحقوقها السيادية التي تنص عليها معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية, وإهانة لحس السيادة القومية الإيرانية. في الواقع لا بد من إبلاغ إيران أن المسألة التي لا يستطيع العالم التساهل بشأنها تكمن في حيازة التكنولوجيا النووية من قبل دولة تهدد وجود دول سيدة أخري, وتؤمن المساعدة بواسطة الأسلحة السرية لقوي غير حكومية في الدول المجاورة التي تشهد عدم استقرار. لذلك تستند التطلعات الإيرانية لنيل موافقة العالم علي استخدامها للطاقة النووية, ومعاملتها علي أنها عضو محترم في المجتمع الدولي, إلي التغيرات في نشاطاتها وأعمالها, وذلك علي صعيدي خطابها وسياستها الخارجية.
وفي إطار الإشارة إلي المكاسب التي قد تحققها إيران نتيجة التوصل إلي اتفاق, يتعين علي الولايات المتحدة التروي في المفاوضات الفعلية, ومعالجة كل مسألة علي حدة, والسير خطوة تلو الأخري. أولا, وفي ظل التشديد علي أهمية إحلال السلام في العراق والتوجه نحو انسحاب القوات الأمريكية, لا بد أن تدعو الولايات المتحدة إيران إلي العودة إلي المفاوضات الإقليمية مع العراق والدول المهتمة الأخري حول المسألة المحددة التي تعني بضمان دعم الحكومة العراقية الجديدة علي الصعيدين الإقليمي والدولي. ومن الممكن أن تشمل هذه المفاوضات تدابير كفيلة بدعم التمثيل الكامل وأمن الجماعات التي يتشكل منها العراق, والتعهد المتبادل بدعم سيادة وحدود الدولتين الإيرانية والعراقية, والتوافق حول عدم دعم إيران والولايات المتحدة للميليشيات والمنظمات التي تعمل علي الإطاحة بالنظام العراقي أو الإيراني.
ثانيا, وفي ظل التشديد علي الحاجة إلي دراسة مسألة البرنامج النووي الإيراني بدقة وحذر, يتعين علي أوباما إنشاء مجموعة دراسية رفيعة المستوي, خارج إطار الحكومة الأمريكية, وذلك لتطوير دلائل التفاوض وأهدافه التي تعني بهذه المسألة. ويكمن هدف هذا التحرك في القول إن الباب مفتوح أمام إمكانية نجاح التفاوض حول هذه المسألة, ومن دون أي شروط مسبقة أو مطالب مجحفة. إلا أنه يفترض بالولايات المتحدة أن تتوخي الحذر وتطلع علي التفاصيل كافة قبل الدخول في أي مناقشات تتناول هذه المسألة. كما يجب ان تعتمد المجموعة الدراسية, في إطار تطبيقها لأحد أقسام هذه العملية, علي الخبراء الدوليين في مجال عدم انتشار الأسلحة النووية, وتدعو القادة السياسيين والخبراء الفنيين من الجماعات والأحزاب في إيران كافة, مع الحرص علي عدم الإنحياز إلي أحد هذه الأطراف. وسيعد هذا الأمر بمثابة محاولة صريحة وصادقة للتعرف قدر المستطاع علي أهداف إيران واهتماماتها, وهمومها عبر العمل مع مجموعة واسعة من ممثلي الاطراف الإيرانيين, وذلك قبل التوصل إلي أي قرار ينص علي كيفية مواصلة العملية. وبحلول خريف العام 2009, أي بعد الانتخابات الإيرانية وتطور العلاقات الشخصية والنية الحسنة بعض الشيء بين إيران وإدارة أوباما, قد نشهد انطلاقة المفاوضات الجدية التي تتناول مسألة البرنامج النووي الإيراني ورفع العقوبات الدولية المفروضة علي إيران, علي أن تتم هذه المفاوضات من دون أي شروط مسبقة من كلا الجانبين.
وفي حال أرسلت الولايات المتحدة الإشارات المواتية وأظهرت انفتاحا مناسبا, فإن المسؤولية ستقع عندئذ علي إيران لكي لا تفرض أي عقبات في وجه تقدم المفاوضات. ولا شك أن بعض المعارضين للمحادثات مع إيران سيحاولون أن يبرهنوا أن هذا النوع من التأخير سيمنح الجمهورية الإسلامية الكثير من الوقت لإحراز المزيد من التقدم في برنامجها النووي. لكن بالنسبة الي إيران فان الوقت يمر وينفد أيضا, فالانتخابات الإسرائيلية الجديدة علي الأبواب, وفي حال بدا أن الحكومة الإيرانية ترفض كل فرص الانفتاح علي عملية السلام, وهي مصممة ليس علي حيازة التكنولوجيا النووية فحسب, بل علي المحافظة علي سياسة عدائية مع الولايات المتحدة, ومعارضة أي حل لإقامة دولة فلسطينية الي جانب اسرائيل, فلا يمكننا معرفة إلي متي ستتمكن الولايات المتحدة من كبح إسرائيل ومنعها من القيام بأي عمل عسكري ضد ما تعتبره بمثابة تهديد مميت. ولا يبدو من الضروري جدا أن تقوم الإدارة الجديدة بإرسال إشارات فورية تشير إلي إحداث تغييرات, بل عليها أن تتقدم بخطوات بطيئة وتمنح إيران فرصة, وبشكل متعمد, لكي تتقدم بحذر نحو المفاوضات والتعديلات السياسية. لذلك من المهم أيضا أن تستفيد إيران من هذه الفرصة وترد بشكل إيجابي, في حال أراد الطرفان تجاوز حال الجمود التي سادت في السنوات الثماني الأخيرة.
* مدير مركز السياسة العالمية في جامعة جورج مايسون – فيرجينيا